أمير بن دافيد “زمان يسرائيل”* 24 أيلول 2023
ترجمة وتحرير: الكاتب والمترجم الفلسطيني حيدر العيلة “أبو الأمير”
أصوات: في الذكري الخمسين لحرب أكتوبر العظيمة، يُقدّم المترجم والكاتب الفلسطيني الأستاذ حيدر العيلة “أبو الأمير”، ترجمة دقيقة عن العبرية لمقالة طويلة عن الساعات التي سبقت الحرب عام ١٩٧٣.
سارعت إسرائيل – كما تشرح هذه المقالة- لتقديم روايتها عن الحرب مستجيبة ومستفيدة من قوانين نشر الوثائق بعد مرور ٥٠ عاما، علي وقوع الحدث التاريخ الذي هز إسرائيل هزا .
المفاجأة والخسائر الضخمة -غير المسبوقة- في الجيش الإسرائيلي، جعلت تل أبيب مصممة علي منع حدوثه مرة أخري، فأغرقت العرب -عبر أبنها الأمريكي اليهودي البار هنري كيسنجر- في اتفاقيات تسوية مغبونة، قيدت العرب عمليا وجعلتهم عاجزين عن مواجهتها عسكريا مرة اخري، وأخذها بالمفاجأة الصاعقة التي زلزلت وجود الكيان الاستيطاني العنصري نفسه.
إن ما يدحض أسطورة “أن أكتوبر هي آخر الحروب” التي اقنعت بها إسرائيل العرب- هو أن اتفاقيات كامب ديفيد ومعاهدات السلام المصرية / الإسرائيلية وأوسلو ووادي عربة؛ لم تمنعها هي من غزو بلد عربي واحتلال عاصمته، وهو لبنان ١٩٨٢، وشن حرب أخري علي جنوبه المقاوم في أيلول ٢٠٠٦، وشن ما يزيد عن أربعة حروب صغيرة؛ ولكن مدمرة علي قطاع غزة الصامد.
الرواية الإسرائيلية تقر -ضمنا- الرواية المصرية، عن حسن التخطيط ونجاح آليات التمويه التكتيكي للقوات المسلحة المصرية، في إحداث مفاجأة العبور في الثانية ظهر السادس من أكتوبر، العاشر من رمضان؛ ولكنها تتمسك بروايتها بأن عربا بارزين أبلغوها، أن الحرب قادمة ولكنها كانت في حالة عدم تصديق وغرور وإنكار تام.
تثبت هذه المقالة للمرة الألف حاجة المؤرخين العسكريين والمدنيين العرب والأجيال الجديدة لاحترام حقهم في كتابة الرواية العربية المصرية والسورية؛ عبر الإفراج عن الوثائق من الجانب العربي.. وإلا ستسود الرواية الإسرائيلية العالم، وتندثر رواية خطها بالدم والروح بطولات آلاف من الشهداء والجرحى من الجنود والضباط المصريين والسوريين والعرب.
إلي نص المقال المترجم كاملا :
…فهذه هي طبيعة الصدمة، حتما ستعود إليها مرارا وتكرارا، وتقلب كل حجر وتأمل أن تكتشف شيئا آخر، وهو ما سيفسر ما قد يكون من المستحيل تفسيره.
منذ نحو أسبوعين، واستعدادا للذكرى الخمسين للحرب، أطلقت الدولة 3500 ملف أرشيفي، تضم عشرات الآلاف من الوثائق الأصلية، وألف صورة، و750 مقطعا صوتيا، و150 محضرا للقاءات ولقاءات ومناقشات شخصية. يوميات مكتوبة خلال الحرب والأيام التي سبقتها.
وفي الوقت نفسه أصدر الموساد، ولأول مرة في تاريخه، كتابا يقدم الرواية الرسمية لجهاز المخابرات الإسرائيلي وللأحداث التي أدت إلى الحرب.
النقاط الأساسية معروفة ومعترف بها، وقد حُلّلت آلاف المرات، وتدرسها لجنة تحقيق حكومية، وتؤجج خلافات لا تهدأ، من الوثائق والنصوص المنشورة، وقد أعددت وصفا تصويريا هنا- تقريبًا مثل نص أو مسرحية- للساعات الـ 36 المصيرية في حياة صناع القرار الرئيسيين في إسرائيل، في الساعات التي سبقت الساعة الثانية ظهرًا، بعد ظهر يوم الغفران عام 1973.
مجرد أوصاف جافة. من قال لمن وأين، كيف ومتى؟
من غير ماذا وبدون تعليق، بدون حكم، ولا حكمة بعد فوات الأوان، لا وعظ أخلاقي، دون تحليلات نفسية لأصحاب القرار، والتوترات السياسية بينهم، دون فك رموز المعاني الخفية، دون القفز إلى استنتاجات تقرير لجنة المنح، وبدون حروب الجنرالات، دون الحديث عن الصراع العلني الذي لم يهدأ، بين رئيس الموساد تسفي زامير ورئيس شعبة الاستخبارات “أمان” إيلي زاعيرا، حول طبيعة التحذير الذي تلقاه الموساد من “الملاك” والسؤال عن سبب عدم استخدام الإجراءات الخاصة، مسألة من يقع عليه اللوم، ومن كان يجب أن يتصرف بشكل مختلف.
فقط الهيكل العظمي العاري، بناءً على الأرشيفات المنشورة: ما فعله وقاله رئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس الأركان ورئيس قوات الأمن ورئيس الموساد خلال الـ 36 ساعة الدرامية التي سبقت اندلاع حرب يوم الغفران.
الإجراءات والاقتباسات فقط.
هكذا يبدو الأمر ويبدو من وجهة نظرهم إذن، حتى قبل أن يستأجر كل منهم محاميًا وكاتب ظل، ويجند إعلاميين ومؤرخين، الذين سيمثلون نسختهم المصقولة والأمة من الوجع مكلومة.
لقد قطعت الاجتماعات والمناقشات الطويلة، دون أن يكون لدي خيار، وإلا لكان من المطلوب أن أضع كتابًا آخر على رف كتب الحرب الطويل بالفعل.
ركزت على ما بدا أساسيا ومُهمًا ومثيرا للاهتمام بالنسبة لي، وكل اقتباس يظهر هنا بين علامتي الاقتباس هو اقتباس دقيق للكلمات، تماما كما قيلت، باللغة العبرية التي كان يُتحدّث بها في إسرائيل عام 1974.
*الجمعة، عشية يوم الغفران، 5 أكتوبر 1973*
*01:30 ليلا في إسرائيل (00:30 في لندن) – 36 ساعة ونصف على اندلاع الحرب*
دوبي، ممثل “الموساد” في لندن، يرسل برقية إلى مقر الموساد في إسرائيل، يفصل فيها بلغة مشفرة مكالمة هاتفية مزعجة تلقاها من الملاك، أكبر عميل إسرائيلي عمل لدينا في مصر على وجه الخصوص وفي العالم العربي عامة، ويشار إليه في وثائق الموساد باسم “الملاك”.
اتصل الملاك بدوبي بمبادرة منه وطلب عقد اجتماع عاجل، ووعد فيه بتسليم “معلومات في غاية الأهمية” فيما يتعلق بـ “القائمة الكيميائية”، قائمة المواد الكيميائية هي الاسم الرمزي المتفق عليه مع الملاك، للتحذير الفوري من الحرب، ورفض الملاك إخبار دوبي في المحادثة بموعد وصول المواد الكيميائية، لكنه طلب أنه نظرا لأهمية الموضوع، فإن رئيس الموساد نفسه يفترض أن يكون حاضرا في الاجتماع.
*02:30 – 35 ساعة ونصف على اندلاع الحرب*
الضابط المناوب في مكتب رئيس الموساد يتصل بألفريد (فريدي) إيني، مساعد رئيس الموساد تسفي زامير، ويقرأ له محتويات البرقية المحمومة التي أرسلها دوبي من لندن بشأن تسليم “مواد كيميائية”، وتشير إلى أن الملاك يريد مقابلة زامير شخصيا.
يتصل إيني بزامير ويبلغه بالطلب غير المعتاد، ويبدأ في تنشيط المسئولين المناسبين في الموساد الذين يتولون ترتيبات السفر، بحيث ينظمون رحلة عاجلة لرئيس الموساد إلى لندن في أقرب وقت ممكن في الصباح
*02:40*
رئيس الموساد يتصل برئيس جهاز الأمن القومي (الاستخبارات) إيلي زاعيرا ويطلعه على التطورات.
*35 – 03:00 ساعة على اندلاع الحرب*
يتصل فريدي إيني برئيس الموساد زامير، ويخبره بتفاصيل الرحلة المقررة في الصباح، ويرتب معه موعدا سيصطحب فيه سائق زامير وإيني ويقودهما إلى المطار، أخبر زامير إيني أنه أبلغ بالفعل رئيس شعبة الاستخبارات أمان AMAN زاعيرا، وأن زاعيرا أخبره في المكالمة الهاتفية أنه من الأخبار التي وصلت إلى AMAN، اتضح أن الروس يستعدون لمغادرة سوريا ومصر على عجل.
يخبر إيني زامير أن هذه المعلومات الجديدة تتناسب بشكل جيد مع برقية “الملاك”، وعندها فقط يتبين لي أن رئيس الموساد لم يسمع الرسالة الأولى بخصوص برقية “الملاك” جيدًا، ولم يفهمها، أنه كان في الواقع تحذيرا ملموسا وفوريا بالحرب.
زامير يخبر إيني أنه مباشرة بعد المحادثة؛ سيتصل برئيس أمان مرة أخرى ويشرح له خطورة التحذير.
*10: 03*
زامير يتصل بزاعيرا ويؤكد على خطورة التحذير الذي جاء من لندن، يطلب زاعيرا من زامير أن يسلم الموساد شخصيا -في أي وقت- أي رسالة تأتي بخصوص الحرب.
*الساعة السادسة – 30 ساعة على اندلاع الحرب*
فريدي إيني يرافق رئيس الموساد إلى المطار، في الوقت نفسه، يعقد رئيس أمان زاعيرا نقاشا عاجلا في مكتبه بمشاركة شلومو كوهين أباربانيل، الذي كان آنذاك رئيس دائرة عمليات الموساد وكان شريكا سريا في تقارير “الملاك”.