رؤى

إشكاليات “حارس الازدهار” الأمريكي.. في تأمين البحر الأحمر

مع تعرض حركة الملاحة في البحر الأحمر، لأعمال القرصنة وتهديد السفن التجارية، التي ازدادت وتيرتها خلال الأشهر الأخيرة؛ بادرت الولايات المتحدة الأمريكية بإطلاق عملية “حارس الازدهار”، في محاولة لحماية حركة الملاحة في هذا الممر المائي الحيوي. لكن رغم ذلك، اعترضت كثير من الدول على المُشاركة في هذه العملية؛ خاصة الدول الأوروبية، التي رفضت المُشاركة إلا إذا كانت العملية برمتها في إطار الاتحاد الأوروبي أو “حلف الناتو”.

هذا الرفض، خصوصًا الأوروبي، وإن كان يأتي كأحد الإشكاليات في المحاولة الأمريكية لتأمين البحر الأحمر؛ إلا أن ثمة إشكاليات أُخرى، أهمها: التكلفة المادية الكبيرة لمكافحة القرصنة؛ إضافة إلى صعوبة المُرافقة العسكرية للسفن التجارية، في أثناء عبورها الممر  الملاحي؛ وأيضًا، عدم الاستقرار الأمني على جانبي مداخل البحر الأحمر الجنوبية في باب المندب، حيث التوترات الأمنية في منطقة القرن الأفريقي، وعدم الاستقرار الأمني على الضفة الأخرى، حيث الساحة اليمنية وتفاعلاتها الداخلية والإقليمية والدولية.

إشكاليات التأمين

تتعدد إشكاليات التأمين البحري، في البحر الأحمر، من ظاهرة القرصنة، التي عادت بعد اختفائها لسنوات.. وذلك كما يلي:

أولًا: التكلفة المادية الكبيرة للتأمين البحري؛ إذ، رغم انتشار السفن الحربية، على الأقل للدول المُشاركة في عملية “حارس الازدهار”، التي أطلقتها الولايات المتحدة الأمريكية، في 18 ديسمبر الماضي؛ إلا أن السفن الحربية المؤَهلة لخوض عمليات مكافحة القرصنة، قليلة نسبيًا، فضلًا عن التكلفة المادية الكبيرة لمهمات من هذا النوع؛ من منظور أن هذه السفن لا بد أن تكون مُجهزة بصواريخ “كروز” بشكل خاص.

وبحسب صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، فإن طائرة “شاهد” الإيرانية المُسيرة، التي تُطلقها الميليشيا الحوثية، تُكلف 20 ألف يورو؛ في حين أن صاروخ “أستر” الفرنسي المضاد للطائرات، كمثال، الذي يتم إطلاقه من فرقاطات متعددة المهام، يُكلف مليون يورو.

وبالتالي، تُمثل تكلفة اعتراض الطائرات المُسيرة، أو الصواريخ التي يُطلقها الحوثيون تحديًا ماديًا، بل ولوجستيًا في الوقت نفسه، أمام السفن المُكلفة بمكافحة القرصنة في مياه البحر الأحمر.

ثانيًا: صعوبة الهجوم العسكري على الأهداف البرية؛ حيث تدفع التكلفة المادية الكبيرة، والتحدي اللوجستي، إلى إمكانية أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية وشركائها، في عملية حارس الازدهار، بضربات عسكرية على مراكز الحوثيين، على الأقل في الأماكن التي تنطلق منها عمليات القرصنة. إلا أن ذلك، في الوقت الذي يُصبح فيه أمرًا ممكنًا؛ إلا أنه في الوقت نفسه، يُثير قدرًا من الإشكاليات.

أهم هذه الإشكاليات، عدم الموافقة السياسية من جانب عدد من الأطراف، ومنها أطرافًا عربية، على التدخل بهذه الصورة؛ خاصة أن هذا من شأنه أن يؤدي إلى خطر “تصعيد إقليمي”، ليس مع الحوثيين فقط، ولكن مع داعميهم أيضًا.

ثالثًا: صعوبة القوافل العسكرية لحماية السفن التجارية: فبالرغم من أن هذا الإجراء، يبدو من الخيارات المطروحة أمام الدول المُشاركة في حارس الازدهار؛ ورغم كونه يُمثل استراتيجية تتسم بالفاعلية، في حماية السفن التجارية أثناء رحلتها في باب المندب.. إلا أن فاعلية هذا الإجراء تتراجع، نظرًا للصعوبة التي يواجهها.

فإضافة إلى العدد الكبير من السفن، التي تعبر البحر الأحمر سنويًا، ويصل عددها إلى حوالي 19 ألف سفينة، كما تذكر صحيفة “الغارديان” البريطانية؛ فإن مُرافقة السفن التجارية في مسافة تصل إلى عدة كيلو مترات، لعدد كبير من سفن الشحن “الكبيرة”، تتراجع فاعليتها، خاصة أن استهداف هذه القوافل، عسكريًا، يُصبح أكثر سهولة.

رابعًا: معارضة دول كثيرة لعملية “حارس الازدهار” الأمريكية؛ حيث أدت هذه المعارضة، من جانب عديد من الدول، إلى إضعاف القوة البحرية متعددة الجنسيات، التي تقودها الولايات المتحدة. فبعد أقل من أسبوع واحد، على إطلاق هذه العملية، أعلنت كل من إيطاليا وفرنسا وإسبانيا، الانسحاب من القوة المشاركة في هذه العملية، إلا إذا كانت هذه القوة تابعة للاتحاد الأوروبي، أو حلف الناتو. هذا، بعد أن كان من المفروض تشكيل قوة بحرية مكونة من 10 دول. وفي الوقت نفسه، أعلنت عدة دول عربية عدم الانضمام إلى هذه العملية.

واللافت، أن الولايات المتحدة، وإن كانت تمتلك المقدرة على مكافحة قرصنة الحوثيين، وتوجيه ضربات عسكرية على أماكنهم البرية؛ إلا أنها لا تستطيع القيام بذلك، نتيجة أن هذا التدخل الأمريكي، سيتم اعتباره عمل عسكري مباشر لمساندة ومساعدة إسرائيل، في توقيت تشهد فيه منطقة الشرق الأوسط توترًا متصاعدًا، نتيجة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

آثار كارثية

في هذا السياق، يُمكن القول بأن القرصنة في جنوب البحر الأحمر لها أثار كارثية، لن تخدم اليمن، أو غزة؛ هذا، فضلًا عن الخسائر التي تتسبب بها عمليات القرصنة هذه على دول شمال البحر الأحمر، مثل مصر والأردن. أضف إلى ذلك، صعود وتيرة المخاطر الجيوسياسية، التي سوف تؤدي إلى مزيد من ارتفاع أسعار النفط والغاز، نتيجة ارتفاع تكلفة الشحن البحري والتأمين البحري، لاستخدام طرق بحرية بديلة.

وبالتالي، فإضافة إلى الخسائر الاقتصادية الكبيرة التي تلحقها أعمال القرصنة بالتجارة العالمية، وبسلاسل الإمداد الخاصة بالطاقة؛ هناك الخسارة السياسية والاستراتيجية لقوى كبرى، في حجم الولايات المتحدة، فضلًا عن الجانب العربي الذي تتضرر مصالحه بقوة، نتيجة هذه الظاهرة.

وهكذا، فإن عدم الاستقرار الأمني على جانبي باب المندب، يبدو ضمن العوامل المؤثرة على الإشكاليات، التي تعترض محاولات تأمين البحر الأحمر. ففي الوقت الذي تشهد فيه دول شرق أفريقيا، المُشاطئة للمحيط الهندي ومداخل البحر الأحمر الجنوبية، صراعات مسلحة مُدمرة ونشاطًا متزايدًا للتنظيمات الإرهابية، كما في الصومال كمثال؛ تبدو حالة عدم الاستقرار الأمني على الجانب الآخر من باب المندب، حيث الساحة اليمنية، بكافة التطورات التي شهدتها منذ الاحتجاجات الشعبية في عام 2011، والتي أدت إلى إزاحة الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح؛ إلى سيطرة الحوثيين على السلطة، وعلى العاصمة اليمنية منذ سبتمبر 2014.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock