يلعب القرن الأفريقي بحكم موقعه الجيواستراتيجي، دورًا محوريًا مؤثرًا على البحر الأحمر، وعلى الدول المشاطئة له؛ خاصة أنها جميعًا دولًا عربية -عدا إريتريا- ولكون المنطقة تتمتع بهذه الأهمية، فإن التنافس الدولي والإقليمي حولها آخذ في التصاعد، بما يطرح عديدا من التساؤلات حول مستقبل المنطقة، في إطار تنامي حركات العنف والإرهاب فيها، خصوصًا في الصومال، التي تُعد نموذجًا حيًا على إشكاليات الإرهاب في القرن الأفريقي.
ومع النشاط غير الطبيعي لحركة الشباب في الصومال، الذي يصل نشاطها إلى كينيا؛ يثور التساؤل حول إمكانية الصومال في دحر هذه الحركة، من منظور العوامل الدافعة إلى ذلك؛ وفي الوقت نفسه، من حيث المعوقات التي تواجهه في مسعاه للتخلص منها.
خلال العام المُنقضي استطاع الصومال تحقيق عديدٍ من الإنجازات، على صعيد الحرب التي أطلقها على تنظيمات العنف والإرهاب، وتحديدًا ضد حركة “الشباب” الإرهابية.
وفي كلمته، أمام القمة العربية رقم 32، التي استضافتها مدينة جدة السعودية، أكد الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، على أن بلاده أحرزت تقدمًا كبيرًا في مسيرة القضاء على الإرهاب داخل البلاد؛ ومُشيرًا إلى أن الجيش الصومالي استطاع تحرير 80 مدينة صومالية من سيطرة الحركة الإرهابية.
واللافت، أن شيخ محمود كان قد وضع إطارًا زمنيًا، في آواخر أغسطس الماضي، للقضاء على الحركة داخل الصومال، حدده بفترة خمسة أشهر؛ استنادًا إلى العديد من العوامل الدافعة إلى ذلك، من أهمها: تجفيف مصادر الإرهاب وتمويله، في إطار من الدعم الدولي.
لكن رغم ذلك، تظل بعض المعوقات، التي يُمكن أن تحد من المسيرة الصومالية، أو في الحد الأدنى تُعطل من تناميها، من بينها تداعيات انسحاب بعثة الاتحاد الأفريقي “أتميس”؛ والخلافات السياسية وأولوية الانتماء القبلي لدى أفراد الأجهزة الأمنية الصومالية والجيش؛ هذا إضافة إلى التباين في “عقائد” الوحدات العسكرية، تبعًا لمصادر التمويل الخارجي لها.
رغم الإنجازات التي حققها.. تتبدى أهم المعوقات والتحديات، التي تواجه الصومال في حربه على الإرهاب.. كما يلي:
من جانب، تداعيات انسحاب بعثة الاتحاد الأفريقي؛ فمع نهاية عام 2024، تكون بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال “أتميس”، قد أتمت انسحابها من البلاد؛ خاصة أن هذا الانسحاب يأتي تنفيذًا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2710، بما يعني نقل السيطرة على قواعد عملياتها إلى الجيش والأجهزة الأمنية الصومالية.
إلا أنه، وبالرغم من أن استكمال “أتميس” الانسحاب من الصومال، في عام 2024، يُعد شهادة على التقدم الذي أحرزه الصومال في مكافحة الإرهاب؛ فهناك بعض التداعيات الناتجة عن هذا الانسحاب، في مقدمتها التخوف من عدم قدرة الحكومة الصومالية، بكامل أجهزتها العسكرية والأمنية، في المحافظة على النجاحات التي تحققت؛ خاصة أن الإعلان عن انسحاب “أتميس”، قد تواكب معه نشاط مكثف للحركة الإرهابية، من خلال الهجوم على بعض قواعد ارتكاز بعثة الاتحاد الأفريقي.
ويأتي مثل هذا التخوف، ليس فقط من نشاط الحركة الهجومي، مؤخرًا؛ ولكن أيضًا من ملاحظة أن انسحاب “أتميس”، يعني خروج سبعة عشر ألفٍ وخمسمئة عنصر من المشهد الأمني الصومالي؛ بما يمكن أن يؤدي إلى نوع من الفراغ الأمني في البلاد.
من جانب آخر، الخلافات السياسية وأولوية الانتماء القبلي؛ إذ رغم النهج الإصلاحي والتصالحي للرئيس الصومالي، فإن البعض من سياساته لا تحظى بالقبول والإجماع الداخلي، من النخب والمكونات السياسية والعشائرية الصومالية، بما يطرح الخلافات السياسية كأحد المعوقات في الحملة التي أطلقها شيخ محمود للحرب على الإرهاب.
كذلك يأتي التنافس بين المكونات القبلية والعشائرية في الصومال، على الأدوارالقيادية والتسليح، ومغانم الحرب، لتُمثل أبرز المعوقات في جهود الصومال للنجاح في دحر الإرهاب. ويأتي هذا التنافس تعبيرًا واضحًا عما يُعاني منه الصومال، من انعكاس عامل الانتماء القبلي في الخلافات الشخصية المتعددة بين أفراد الجيش، تبعا لاختلاف القبائل، والتي سرعان ما تتحول إلى اشتباكات واقتتال بين الوحدات العسكرية.
من جهة أخيرة، التباين في “عقائد” تشكيل الوحدات العسكرية؛ إذ فضلا عن تعدد جهات دفع رواتب الوحدات العسكرية والأمنية في الصومال، وما يستتبعه ذلك من تباين بين الوحدات، وتهميش بعضها لحساب وحدات أخرى؛ فإن ثمة تباين آخر بين كافة الوحدات العسكرية والأمنية، يتعلق باختلاف الجهات المسئولة عن التدريب والتأهيل، حيث تتلقى الوحدات تدريبات من جهات عدة وفي دول متعددة.
فإضافة إلى قوات “دنب” التي تدربها الولايات المتحدة وتؤهّلها وتدفع رواتبها.. وهناك تركيا التي تفعل الشيء ذاته مع قوات “هرمعد” وقوات “غور غور”؛ فضلا عن البعثة الأوروبية التي تقدم تدريبات متخصصة لقوات الشرطة والأمن. ثم هناك أوغندا وإثيوبيا ومصر، التي تدرب كل منها ثلاثة آلاف جندي على أراضيها.
وبالتالي، يُثير تعدد الجهات والدول التي تقدم التدريب للقوات الصومالية، تساؤلات حول اختلاف الأسلوب الذي يتعامل به جنود وضباط الوحدات العسكرية والأمنية المختلفة في الميدان، وفي المهمات العسكرية التي تتطلب تنسيقا عاليا؛ إذ تختلف العقائد العسكرية التي يتلقاها هؤلاء، الجنود والضباط، تبعا لاختلاف جهات التدريب والتأهيل.
رغم تلك المعوقات، تتعدد العوامل الدافعة للصومال للمُضي قدمًا في الحرب على الإرهاب، وإمكانية القضاء عليه.. تلك التي تبدو أهمها في جهتين:
من جهة الدعم الدولي وتجفيف تمويل الإرهاب؛ إذ ضمن أهم مظاهر الدعم الدولي للصومال في الحرب على الإرهاب، يأتي انعقاد مؤتمر الأصدقاء والشركاء لدعم جهود الصومال في مُحاربة الإرهاب، وهو المؤتمر الذي استضافته مدينة نيويورك في 12 ديسمبر الماضي؛ والذي حضره شركاء من 25 دولة، بجانب ثلاث منظمات دولية: الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية.
أضف إلى ذلك، نجاح الحكومة الصومالية في تجفيف معظم مصادر تمويل الإرهاب، عبر مراجعة السياسات المالية، بما في ذلك الاهتمام بإنشاء وكالات حكومية لمُراقبة التدفق المالي؛ وهو ما ساهم في اكتشاف حركة الأموال وأسلوب تهريبها لحركة “الشباب” هذا فضلا عن “وحدة الاستخبارات المالية” التي أنشئت وحققت نجاحات كبرى خلال عام 2023.
من جهة أخرى، رفع حظر السلاح وتحرير عدد من المدن؛ حيث أصدر مجلس الأمن الدولي، في الثاني من أغسطس الماضي، القرار رقم 2714 بشأن رفع حظر الأسلحة المفروض على الصومال منذ عام 1992؛ بما يُمهد للحكومة الصومالية الحصول على كافة أنواع الأسلحة، دون قيود قانونية، وبما يُعزز من إمكانات الحكومة والجيش لتحقيق تقدم إضافي في مجال مكافحة الإرهاب.
كما أسهمت الضربات المتلاحقة التي شنّها الجيش الصومالي ضد حركة “الشباب” في خسارة الحركة للمئات من مقاتليها؛ وهو ما ساعد على تحرير 80 مدينة صومالية، من سيطرة الحركة الإرهابية، بحسب تصريح الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، أمام القمة العربية ، في 19 مايو الماضي.
في هذا السياق، يُمكن القول بأن الأهداف الطموحة التي أعلن عنها الرئيس الصومالي، وحكومته، في تحرير المناطق التي تسيطر عليها حركة “الشباب” الإرهابية بالكامل، بقدر ما تستند إلى عوامل متعددة تُساعد على تحقيقها؛ إلا أنه لا يُمكن صرف النظر عن بعض المعوقات التي تحد من المدى الزمني الذي يُمكن فيه تحقيق هذه الأهداف.
وهو ما يعني أن الاحتمالات المستقبلية في الحرب الصومالية على الإرهاب، تعتمد على مدى قدرة الحكومة الصومالية على تحقيق السيطرة الأمنية، في ظل انسحاب بعثة الاتحاد الأفريقي “أتميس” من البلاد، بكافة ما يُمثله هذا الانسحاب من تداعيات، من المنظور الأمني؛ فضلًا عن معوقات أُخرى، منها ضعف قدرات الصومال المالية، في استيراد المزيد من الأسلحة، بعد رفع الحظر الأممي عنها؛ وهي القدرات المعروف عنها أنها “شحيحة”.