مختارات

رغم استشهاده.. صالح العاروري هو «مستقبل» حماس وليس «ماضيها»!

بقلم: حسين عبد الغني، إعلامي وصحفي مصري

نقلًا عن موقع عُمان

باغتيالها الجبان للقائد الفلسطيني الفذ صالح العاروري ربما تكون إسرائيل قد حرمت حماس من زعيم مستقبلي كان يتم تحضيره لخلافة رئيسها الحالي إسماعيل هنية كجزء من آلية الانتخابات الديمقراطية في حماس والتي منحت المنظمة ٤ رؤساء في أقل من ٣٥ عاما. لكن ولأن العاروري حظي بمواهب استثنائية وبشّر بمسارات تقدمية فإن إسرائيل وإن قضت على حياته فإنها ربما لم تستطع أن تقضي على نموذجه السياسي.. نموذج ليس ما كانت عليه حماس في الماضي وإنما نموذج ما قد تكون عليه في المستقبل. ما مستقبل حماس الذي سيكون العاروري رغم موته النموذج المعياري له؟ لا بدّ من الاعتراف هنا بأن هذا المستقبل حدد نصفه بشكل حاسم نصر طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر وسيحدد نصفه الثاني ما ستنتهي إليه معركة غزة الحالية.

فبعد هجوم ٧ أكتوبر المظفر انتقلت حماس والجهاد والمنظمات التي ما زالت تحتفظ بخيار الكفاح المسلح إلى وضع نوعي جديد فلسطينيًا، وإقليميًا، ودوليًا.

فلسطينيًا لابد من الاعتراف بأن هجوم المقاومة الناجح قد رفع شعبيتها إلى عنان السماء في كامل الجغرافيا الفلسطينية وبالتالي لم تعد حماس والجهاد منظمات غزاوية بل منظمات وطنية ذات شعبية طاغية. صارت المقاومة بالنسبة للفلسطينيين هي القوة الأولى التي تلعب دور المدافع الحقيقي عن القضية وهي الوسيلة الوحيدة لتحقيق الأمل في الدولة الفلسطينية المستقلة.

إقليميًا أصبحت المقاومة لاعبا مؤثرا يتفوق على الكثير من الدول بعد أن أثبتت قدرتها في يوم وليلة على وقف مسار تصفية القضية الفلسطينية وقلب أوضاع المنطقة رأسا على عقب. وأثبتت المساندة المحدودة للمقاومة من أطراف في اليمن وسوريا والعراق ولبنان وانضمامهم إلى أجواء الحرب العامة أن المقاومة باتت حالة إقليمية وليست فلسطينية ولهذا كان حسن نصر الله مصيبا عندما قال «إن طوفان الأقصى كان التجلي الأعظم لمحور المقاومة» وهو ما وصل إليه إسرائيليون بقولهم ما ملخصه لقد أثبتت غزة أن أي اشتباك مع حماس يتحول تلقائيا لاشتباك إقليمي. دوليًا أصبحت حماس والجهاد بعد ٧ أكتوبر بقصد أو بدون قصد جزءا من المعسكر الدولي المناوئ للهيمنة الأمريكية وحسبته واشنطن دون تردد كمكسب للصين وروسيا في رقعة الصراع العالمي، ومن ثم فإن حماس تتقدم -ربما للمرة الأولى- إلى المسرح الدولي بعد أن كان أكثر مدى جغرافي لعلاقات مؤثرة وصلت إليه هو تركيا وإيران. أعاد الحدث تقديم حماس بشكل مختلف إلى كل من موسكو وبكين والعالم ويؤذن بمعاملة منهما ومن غيرهما قد تشبه ما حصلت عليه سابقا منظمة التحرير وعرفات من دعم وشرعية دوليين.

رفع طوفان الأقصى مكانة حماس من المستوى المحلي إلى المستوى الدولي ويكاد صمودها وإفشالها للعدوان الإسرائيلي أن يحطم مخطط اليوم التالي الأمريكي الساعي لنزع سلاحها ثم وضعها إما أمام الخروج من المعادلة أو البقاء ولكن كقوة هامشية مدجنة. ولهذا فهي مطالبة بإعادة صياغة تموضعها بحيث تكون جزءا حاسما من مستقبل المعادلة وليست محذوفة منه. تحتاج حماس إذن إلى إعادة تقديم نفسها rebranding لمحيطها وللعالم لكي تحصد ثمار سياسية تتكافأ مع نصر أكتوبر وصمود الأشهر الطويلة للحرب ولكي تكون مدعوة أساسية لأي طاولة مفاوضات تتعلق بمستقبل فلسطين. وأكاد أغامر بالقول هنا أنه ليس على حماس لكي تنجز ذلك سوى تطوير وإنضاج مفاهيم نظرية وسياسية من جهة وتعميق مسارات وعلاقات من جهة أخرى عبّر عنها أو أسس لها العاروري مع رفاقه في الحركة مؤخرًا.

يمكن هنا رصد مسارين ربما تشكل صورة حماس المستقبلية:

أولا: خطاب فلسطيني وحدوي

أحد الدوافع غير المعلنة لإسرائيل في اغتيال العاروري هو أنه كان يمثل أملا حقيقيا في إنهاء الانقسام المرير بين فتح وحماس. كان صاحب خطاب وطني وحدوي يجمع ولا يفرق، اتسم باحترام واسع للرمز عرفات وتاريخ فتح؛ لهذا احتفظ العاروري بأفضل علاقات مع قيادات من فتح في الوقت الذي كانت فيه الملاسنات والقطيعة هي سمة العلاقات بين الطرفين. هنا يكمن تفسير لماذا كان العاروري مبعوثًا مفضلًا لحماس في أي حوارات وطنية مع فتح. وقد أكدت مصادر أنه لولا تردد أبدته بعض القيادات فإن الحوار الوحيد الذي توصل تقريبا قبل نحو عامين في القاهرة لحل ٩٥٪ من مشكلات الانقسام كان طرفه الرجوب من فتح والعاروري من حماس ووصل حرصه على الوحدة الوطنية أن عرض أن تبقى رئاسة السلطة في فتح ولا تنافسها فيها حماس وعرض أن تنزل حماس وفتح بقائمة مشتركة في الانتخابات تقود لحكومة وحدة. هذا الخطاب السياسي هو ما تحتاج حماس أن تطوره في المرحلة القادمة ليصبح أسلوب الجميع من أكبر رأس إلى أصغر رأس.. طبق العاروري فعلا خطابه باعتباره قائد حماس في الضفة الغربية وتمكن من تشبيك كتائب المقاومة في الضفة ودعم توجه الشباب في مظلة تضم الكل بما فيها شباب فتح ككتائب عرين الأسود وكتائب جنين وطولكرم.. إلخ. تشبيك كان صاحب فضل في النجاح المذهل لمباغتة ٧ أكتوبر إذ كان تنظيم العاروري لهذه المجموعات وتوفير قيادة لهم ونجاحه في أن يوفر لها أسلحة وخبرات تصنيع سلاح هو الذي أعمى عين إسرائيل وجعلها تنشغل بالضفة وتنسى غزة تقريبا فيتمكن السنوار ورفاقه لاحقا من زلزلة الاحتلال بطوفان الأقصى.

ثانيا: بناء التحالفات الإقليمية وإدراك المتغيرات الدولية

بات الجميع يعلم أن إسرائيل اغتالت العاروري لأنه كان المسؤول الأول عن تسليح حماس وزيادة مستوياتها كمًا ونوعًا في العقد الأخير، ولكن ذلك لا يمكن فهمه إلا من خلال معرفة أن العاروري الذي قضى ١٨ سنة في السجون الإسرائيلية وأتقن العِبرية إنما استفاد من الاحتلال في نجاحه الاستراتيجي الأكبر هو حاجة وجوده إلى تحالفات إقليمية ودولية داعمة. وكما تحالفت إسرائيل مع الولايات المتحدة والغرب ودول في الإقليم ينسب إلى العاروري قسطًا وافرًا في تطوير علاقة حماس السنية وإيران الشيعية وتحالف بالتالي مع كل القوى المعادية لإسرائيل في المنطقة بغض النظر عن مذهبها رافعًا إياها إلى مستوى تحالف استراتيجي وتؤكّد مصادر أن العاروري بات من أقرب العرب إلى المرشد الخامنئي، ينسب إلى العاروري فضل آخر هو إنهاء الأدلجة الضيقة للحركة وما سببته للحركة من مشكلات بعد الربيع العربي، ساعد العاروري في تصحيح علاقات حماس بدمشق العروبة وأبدى والسنوار تحت قيادة متزنة لهنية تقديرًا لدور مصر التاريخي في القضية الفلسطينية.

هذا التحالف الواسع إقليميًا وزيارات على مستوى رفيع لبكين وموسكو لقيادة حماس تفتح في المستقبل مجالات من الاحترام والدعم المالي والعسكري والحماية السياسية- القانونية للمقاومة وتبقيها جزءا من مستقبل فلسطين طرفا في أي عملية سياسية جادة شريطة أن تتفادى تكرار مأساة أوسلو بقبول التخلي عن السلاح. هذه التحالفات والصورة الجديدة لحركة تحرر وطني تخاطب العالم بلغته ستعرقل بشدة مخططات الإقصاء والإلغاء للمقاومة التي تدبرها واشنطن لما تسميه «اليوم التالي» بعد حرب غزة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock