في بيان لها، الأحد 7 يناير الجاري، أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا، عن حالة “القوة القاهرة” في أكبر الحقول النفطية بالبلاد، حقل الشرارة في جنوب غربي ليبيا، الذي يصل إنتاجه إلى ما يزيد عن 300 ألف برميل يوميًا؛ وذلك على خلفية إغلاق محتجين من إقليم فزان للحقل، اعتراضًا على انقطاع الوقود والغاز، وضعف الخدمات العامة والأساسية، في جنوب البلاد.
وهكذا، تتصاعد مشكلات النفط في ليبيا، لتحمل أبعادًا متعددة، ومتشابكة، من أهمها: الخلافات بين الجنوب الليبي وحكومة غرب ليبيا، التي يترأسها عبد الحميد الدبيبة. واللافت، أن التداعيات الناتجة عن مشكلات النفط الليبي، وأبعادها المختلفة، تتعدد هي الأخرى، لتتمحور حول: التأثير على العملة الليبية وسعر الصرف الخاص بها، في مقابل العملات الأجنبية، وكذلك إلحاق الضرر بالسمعة الاقتصادية لهذا البلد العربي الأفريقي؛ ومن ثم، التأثير على أسواق النفط الدولية، بما يتسبب في الصراع الخارجي حول هذا النفط.
تأثيرات اقتصادية
ضمن أهم التأثيرات الناتجة عن إغلاق حقل الشرارة، والإغلاقات المتكررة له، ولعديد من الحقول والموانئ النفطية في ليبيا.. تبدو التداعيات التالية:
من جهة، يتبدى إلحاق الضرر بسمعة ليبيا الاقتصادية؛ إذ، إن أهم التداعيات الناتجة عن إغلاق حقل ضخم بحجم حقل الشرارة، الذي يُنتج وحده “رُبع” الإنتاج اليومي للخام في ليبيا، هو الإضرار بسمعة ليبيا الاقتصادية، بحسب تصريحات وزير النفط والغاز الليبي، محمد عون؛ الذي أكد في تصريحاته، على أن “الإغلاق سيؤدي إلى نقص الوقود والكهرباء”.
واللافت، أن التأكيد على التداعيات السلبية للإغلاق، تجاوز تصريحات الوزير، إلى بيان رسمي لوزارة النفط والغاز في حكومة الوحدة الوطنية، الذي أكد على أن هذا الإغلاق سيؤدي إلى “فقدان الثقة في ديمومة تزويد السوق العالمية بالنفط الليبي، ليبقى دون تسويق أو يقل الطلب عليه”. ولم يكتف بيان الوزارة بذلك، بل أضاف “إن هذه الحوادث تؤدي إلى احتمالية فقدان المستوردين للنفط الليبي، لتخوفهم من عدم الاستقرار في الإمدادات”.
من جهة أخرى، هناك التأثير على سعر صرف العملة الليبية؛ حيث تحظى أزمة حقل الشرارة في الجنوب، على الاهتمام في شمال البلاد؛ وذلك من منظور مدى تأثير التراجع في الإنتاج النفطي، على الخدمات عمومًا، وعلى سعر صرف العملة الليبية أمام العملات الأجنبية بشكل خاص. إذ، تتنامى المخاوف من تداعيات هذا الإغلاق، على الاقتصاد المترنح في الأصل منذ سنوات.
والملاحظ، أن مثل هذا التأثير على سعر صرف الدينار، وتراجع قيمته السوقية، سوف ينعكس على كافة أنواع السلع والخدمات في ليبيا؛ من حيث إنها تعتمد بشكل كبير على الاستيراد في توفير السلع الاستراتيجية؛ فما يتم إنتاجه بالداخل الليبي، لا يُغطي إلا قليلًا من احياجات السوق المحلية.
من جهة أخيرة، التأثير على النفط في الأسواق الدولية؛ فالحجم الكبير الذي يوفره حقل الشرارة الليبي، من الإمدادات النفطية، أدى إلى تجاوز تأثيره المستوى المحلي، ليمتد إلى الأسواق الدولية للنفط. فقد تسبب هذا الإغلاق في ارتفاع أسعار النفط بما نسبته 3 بالمائة، مع نهاية الأسبوع الماضي، بحسب منصة الطاقة على موقعها الإلكتروني؛ حيث تجاوز سعر خام برنت العالمي 79 دولارًا للبرميل.
واللافت، أن وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية قد بينت، الأحد 7 يناير الجاري، أن توقيت إغلاق حقل الشرارة الليبي، هو ما ضاعف تأثيره على الأسواق الدولية؛ مؤكدة أن “وقف الإمدادات في ليبيا قد يدعم الأسعار العالمية، لكن القلق الأكبر وعدم اليقين في الأسواق، لا يزال يتركز حول التوترات في الشرق الأوسط”.
أبعاد سياسية
تتعدد أبعاد الإغلاقات المتكررة لعددٍ من حقول وموانئ النفط الليبي، خاصة تلك الحقول التي يتواجد معظمها في جنوب البلاد.. وذلك عبر بعدين أساسيين:
أولًا: تنامي الخلافات بين جنوب البلاد وغربها؛ وهو ما ظهر بوضوح عبر إعلان المحتجين، في مدينة أوباري، عن إغلاق حقل الشرارة النفطي، إلى حين تحقيق “حقوق إقليم فزان”، وفق بيان لهم؛ حمَّلوا فيه المؤسسة الوطنية للنفط وحكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية، التي يترأسها عبد الحميد الدبيبة، في طرابلس غرب ليبيا “مسؤولية ما سيترتب على الإغلاق من آثار سلبية”.
ورغم أن حكومة الدبيبة قد حاولت، منذ بداية الأزمة، امتصاص غضب المحتجين بإعلانها زيادة كميات الوقود المتجهة لمحطات الجنوب، كنوع من محاولة تلبية جزء من مطالب المحتجين؛ إلا أن الناطق باسم تجمع فزان، أبو بكر شريعة، قال في تصريحات صحافية، الاثنين 8 يناير الجاري، إن “الإغلاق جاء بسبب عدم استجابة الحكومة لمطالب إقليم فزان بتوفير الخدمات والتنمية في الجنوب”؛ بما يعني تنامي الخلافات بين مناطق الجنوب الليبي والحكومة في طرابلس، ما قد يؤدي إلى تأخر استئناف الإنتاج النفطي قبل تحقيق هذه المطالب، أو على الأقل جزء كبير منها.
ثانيًا: المُطالبة بحقوق فزان في الاتفاقات السياسية؛ إذ، لم يتوقف المحتجون عند حدود المطالبة ببعض الخدمات أو التنمية في إقليم فزان جنوبي البلاد؛ ولكنهم طالبوا، عبر دعم المجلس الأعلى لقبائل ومدن فزان، بأهمية التأكيد على حقوق فزان الواردة بالاتفاقات السياسية، بخصوص المناصب السيادية، والمطالبة بالتمثيل العادل لأبناء الجنوب الليبي فيها.
وبناءً على ذلك، طالب المحتجون “منح وتفويض كافة صلاحيات واختصاصات حكومة الوحدة الوطنية، المتعلقة بالإشراف والمتابعة للمشاريع التنموية الخاصة بمنطقة فزان، إلى نائب رئيس الحكومة عن الجنوب”؛ هذا، إضافة إلى المطالبة بنسبة 33 % لأبناء الجنوب، في السلك الدبلوماسي والقنصلي والملحقيات التابعة لوزارة الخارجية في الخارج.
هزة اقتصادية
في هذا السياق، يُمكن القول بأن إغلاق حقل الشرارة النفطي، والإغلاقات المتكررة لعدد من حقول وموانئ النفط، خاصة في منطقة الجنوب الليبي، يُساهم في ما يُمكن توصيفه “الهزة الاقتصادية”، لما له من ارتدادات قد تطاول الكثير من القطاعات الحيوية في ليبيا؛ خاصة في إطار ملاحظة أن حقل الشرارة هذا، يُنتج حوالي “ثُلث” إنتاج ليبيا من النفط الخام يوميًا، وأن الإغلاقات المتكررة خلال العام الفائت، عام 2023، قد تسببت في تراجع إيرادات النفط إلى 99.1 مليار دينار (حوالي 20.69 مليار دولار)، بعد أن كانت 105.4 مليار دينار، في عام 2022، بحسب المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا.
بل، إن هذا التأثير لا يتوقف عند حدود الداخل الليبي، ولكنه يمتد إلى الأسواق النفطية الدولية؛ وهو ما تبدى بوضوح عبر ارتفاع أسعار النفط بما نسبته 3 %، إضافة إلى وصول خام برينت العالمي إلى 79 دولارًا للبرميل.