اختتمت القمة السابعة لرؤساء دول وحكومات منتدى البلدان المُصدِّرة للغاز، بالعاصمة الجزائرية، بالمُصادقة على “إعلان الجزائر” في 2 مارس الجاري؛ الذي جاء ليكشف عن طموح كبير للدول الأعضاء بمحاولة إطلاق استراتيجية “الحوار القوي ركيزة مستقبل الغاز”، بالشكل الذي يحاول فيه أعضاء المنتدى رسم “رؤية مشتركة”، للحفاظ على مصالح المنتجين والمستهلكين في آن واحد.
لكن، رغم ذلك ورغم أن إعلان الجزائر قد شدّد على تعزيز مكانة منتدى الدول المُصدرة للغاز، ودعا إلى الحوار بين المنتجين والمستهلكين؛ إلا أنه أشار، وإن بشكل غير مباشر، إلى عددٍ من القضايا الإشكالية التي تواجه المنتدى، والدول الأعضاء داخله؛ هذه الدول التي تمتلك 70 % من احتياطيات الغاز المثبتة في العالم، والتي توفر 51 % من صادرات الغاز الطبيعي المُسال إلى دول العالم.
فمن جانب، تبدو تداعيات القيود الاقتصادية أحادية الجانب؛ إذ تأتي هذه القيود ضمن أهم القضايا في إعلان الجزائر، الذي جاء ليُدين العقوبات الاقتصادية أُحادية الجانب؛ خاصة تلك القيود المُتخذة دون الموافقة المُسبقة من مجلس الأمن الدولي، التابع لمنظمة الأمم المتحدة، ضد الدول الأعضاء في المنتدى؛ من حيث إن هذه القيود تؤثر بشكل سلبي على تطوير منظومة الغاز الطبيعي وتجارته؛ بل وتُشكل تهديدًا على أمن الإمدادات بالغاز الطبيعي.
وكما يبدو، فإن هذه الإدانة التي يتضمنها إعلان الجزائر، إنما تُشكل رسالة موجهة بالتحديد إلى الولايات المتحدة الأمريكية، والدول الغربية في أوروبا، التي فرضت عقوبات أحادية الجانب على روسيا، منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.
وفي هذا الإطار، يأتي التأثير السلبي للحرب الروسية الأوكرانية؛ حيث كشفت هذه الحرب أنه لا يُمكن الوثوق في أسواق الغاز بالشكل الحالي لها. فقد أثرت الحرب الروسية الأوكرانية، بشدة، في الأسعار، خاصة بالنسبة إلى أوروبا التي كانت تعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي؛ وهذا ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير إلى مستويات قياسية، في بدايات هذه الحرب وفرض العقوبات الأوروبية والأمريكية على الغاز الروسي.
ولكن، في ما بعد ومع مرور الوقت، عادت الأسعار لتستقر؛ بسبب أن الدول الأوروبية اتخذت العديد من الإجراءات الاحترازية لتفادي التبعية لروسيا بخصوص الغاز؛ وفي مقدمتها تنويع مصادر استيراد الغاز. ومن ثم، يبدو أنه من المهم تواجد أسلوب للحوار بين المنتجين والمستهلكين، بشأن التوصل إلى توافق حول الأسعار العادلة لكل الأطراف، من أجل استقرار الأسواق، واستقرار الأسعار أيضًا.
من جانب آخر، تبدو محدودية تأثير المنتدى في أسواق الغاز؛ إذ يبدو أن المنتدى يسعى إلى أن يكون له تأثير في أسواق الغاز، في محاولة للتشابه مع ما تقوم به منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك” عالميًا، ومدى تأثيرها على أسواق النفط. وكما هو واضح، ونتيجة لأن النفط يظل أكثر أهمية من الغاز، على الأقل في الوقت الحالي، لذلك فإن ثقل منتدى الدول المُصدرة للغاز، لم يصل بعد إلى مستوى الثقل والتأثير الذي تتمتع به “أوبك”.
لكن، هذا لا ينفي أن دول المنتدى تتحكم في إنتاج النسبة الأكبر من صادرات الغاز، على مستوى العالم، بما يجعلها قادرة على التأثير في مدى استقرار أسعار الغاز عالميًا. فإضافة إلى ما تتمتع به هذه الدول أعضاء المنتدى، من السيطرة على 70 % من احتياطيات الغاز العالمية؛ فهي تتحكم في 43 % من أنابيب الغاز العالمية أيضا، وذلك بحسب خبير الطاقة عبد الرحمن مبتول، الذي عمل في شركة سوناطراك الجزائرية لسنوات، في حوار له مع فضائية “TRT عربي”، في 27 فبراير الماضي.
وفي هذا الإطار، وضمن الإشكاليات التي يواجهها المنتدى، يأتي تزايد المُطالبة بالتخلي عن الطاقة الأحفورية؛ حيث يبدو أن العالم، خاصة الغرب الأوروبي، كان يُخطط للتخلي عن الطاقات الأحفورية، مع حلول العام 2050، وذلك قبل أن تأتي الحرب الروسية الأوكرانية، وتقوم بخلط كل الأوراق، تلك المتعلقة بالطاقة، وفي مقدمتها الغاز؛ وخاصة مع تراجع احتياطيات الغاز الأوروبية، بسبب هذه الحرب، لأقل من 60 % في شتاء العام الماضي، 2023.
والمُلاحظ، أن الأمر لم يتوقف عند هذه الحدود، ولكن وصل، عبر تداعيات هذه الحرب، إلى التأكيد على أن الغاز، كمورد طبيعي، يبقى الأكثر طلبًا والأقل تلويثًا، والأقدر ديمومة على تموين المصانع الكبرى بالطاقة اللازمة للإنتاج. وهذا، ما تبدى بوضوح في إثر قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن، بوقف الصادرات الجديدة للغاز الطبيعي، الذي أدى إلى الإضرار بالاقتصادات الأوروبية، التي لن تجد بديلا عن الغاز الطبيعي لسد احتياجاتها من الطاقة، حتى وإن تطلب الأمر منها “تخفيض البصمة الكربونية”؛ وهو ما تعمل عليه، في الوقت نفسه، كافة الدول المُصدرة للغاز.
ثم، من جانب أخير، يبدو تنامي النزوع نحو طلب الطاقات المتجددة؛ فمع ظهور وتنامي النزوع العالمي، وخاصة في القارة الأوروبية، نحو الطاقات المتجددة، خلال السنوات الأخيرة؛ تحاول الدول المُنتجة والمُصدرة للغاز الحفاظ على هذا المورد، باعتباره ضمن أهم موارد الطاقة الضرورية، والتي سوف يستمر الطلب عليها لسنوات قادمة.
وتأتي محاولات هذه الدول في اتخاذ خطوات فعالة، وفاعلة، لأجل الحفاظ على الغاز كمورد طاقة طبيعي نظيف وأقل تلويثًا، في إطار سعي الاتحاد الأوروبي لخفض انبعاث “ثاني أكيد الكربون”، بنسبة 90 %، مع حلول عام 2040، كما يؤكد خبير الطاقة عبد الرحمن مبتول، وهو ما يتطلب اعتمادًا أوروبيًا أكبر على الطاقات المتجددة والنظيفة، مثل الكهرباء والهيدروجين الأخضر والأزرق؛ بما يستدعي بالتالي، اهتمامًا متناميًا من الدول المُصدرة للغاز، في مواجهة هذه الإشكالية، وتحديدًا بالنسبة للدول التي تعتم ميزانياتها على تصدير الغاز الطبيعي.
في هذا السياق يُمكن القول بأن الغاز الطبيعي سوف يظل من مصادر الطاقة عالية الأهمية، بفضل العديد من السمات التي تميزه عن المصادر الأخرى، مثل الفحم والنفط؛ فهو الأقل تلويثًا للبيئة والأكثر توافرًا؛ هذا بالإضافة إلى سهولة إمكانيات نقله عبر الأنابيب، وكذلك إمكانية تصديره بعد تحويله إلى الحالة السائلة.
ورغم القضايا الإشكالية التي تواجه أعضاء منتدى الدول المُصدرة للغاز، ومدى تأثيرها السلبي على العلاقة بين المنتجين والمستهلكين، فإن المنتدى نفسه، وإمكانية تحوله إلى “آلية تنسيق” وتعاون بين الأعضاء، من أجل تحديد مستويات الإنتاج واستراتيجيات التسويق، سوف يؤدي إلى قرارات تُساهم في ضبط الأسواق، والتحكم في الأسعار من خلال تحديد الكميات المعروضة من الغاز.