في اجتماع لحكومته، تحدث رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، عن مؤامرة تُحاك لاستغلال أوضاع الليبيين والتضييق عليهم؛ مُؤَكِدا أن “الحديث عن إفلاس ليبيا، هدفه إبقاء البلاد على وضعها الحالي”، وأن الحكومة ستعمل على كشف خيوط المؤامرة، التي تحاك من أجل “فرض غايات وأجندات مُعينة”.
يأتي هذا، في الوقت الذي أرسل فيه محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير، خطابا إلى الدبيبة، تناول فيه التحديات المالية التي تواجه البلاد، وفي مقدمتها “ازدياد الانفاق بشكل غير مدروس”، بما يُمكن اعتباره مُؤشرًا على تفاقم الخلافات بين الرجلين، رغم محاولات الكبير تغليفه بإطار اقتصادي.
دوافع مؤثرة
تأتي محاولة الدبيبة، إثارة الرأي العام الليبي الداخلي، بالحديث عن وجود مؤامرة اقتصادية ومالية، استنادًا إلى بعض السياقات المؤثرة والدافعة، وأهمها دافعان:
فمن جهة، هناك قرار مجلس الأمن الأخير بخصوص ليبيا؛ إذ، كان مجلس الأمن الدولي قد دعا إلى ضرورة “الانتخابات الليبية في أقرب وقت ممكن”، وهدد بمعاقبة “كل من يُعرقلون العملية السياسية”.
وبحسب الأمم المتحدة، على موقعها الرسمي، في 27 فبراير الماضي، فقد أكد أعضاء المجلس على أن “الأفراد أو الكيانات ممن يهددون السلام أو الاستقرار في ليبيا، أو يقوضون استكمال عملية الانتقال السياسي بنجاح ـ بما في ذلك عرقلة الانتخابات أو تقويضها ـ قد تدرج أسماؤهم على قوائم عقوبات مجلس الأمن”.
ولعل بيان المجلس، هذا، يُشكل مزيدًا من الضغوط على الدبيبة وحكومته، خاصة أن الدبيبة لايزال مُصرًا على التمسك برئاسة حكومة الوحدة الوطنية، وعلى استمرار الحكومة في موقعها، إلى حين إجراء الانتخابات؛ بما يتعارض مع بيان مجلس الأمن.
من جهة أخرى، هناك تزايد الضغط الشعبي الداخلي على حكومة الدبيبة؛ حيث يأتي حديث الدبيبة عن “مؤامرة اقتصادية ومالية”، في وقت يُشكل فيه ارتفاع الأسعار، نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الدينار، وتحديدًا في السوق الموازية، ضغطا شعبيًا على الحكومة، وعلى المصرف المركزي أيضا؛ وهو الأمر الذي دفع المصرف المركزي إلى مُطالبة مجلس النواب، بتنفيذ حزمة إجراءات إضافية، من أهمها إضافة 27 % على سعر صرف الدولار الرسمي.
واللافت، أن هذا الضغط الشعبي الغاضب، على حكومة الدبيبة خاصة في مناطق غرب ليبيا، يلتقي مع المحاولات التي يقودها أعضاء من المجلس الأعلى للدولة، وكذلك البرلمان، حيث طالبوا بتشكيل “حكومة وطنية جديدة”، تعمل على تحقيق الاستحقاق الانتخابي؛ بما يعني العمل على إزاحة الدبيبة وحكومته.
إضافة إلى تلك الدوافع، فإن حديث الدبيبة عن وجود مؤامرة اقتصادية ومالية، يأتي في ظل عددٍ من الخلافات العلنية، التي تُمثل في حدها الأدنى دوافع لمحاولة الدبيبة في التخلص من عدد من الضغوط الخارجية والداخلية، في الوقت نفسه.
فمن جانب، هناك الخلاف بين الدبيبة ومحافظ المصرف المركزي؛ حيث تصاعدت الخلافات مُجددًا خاصة بعد اقتراح الكبير على رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، إقرار “حكومة موحدة جديدة”، من أجل “توحيد وترشيد الإنفاق العام”، لتحقيق “الاستقرار المالي للدولة الليبية”.
والمُلاحظ، أن الخلاف بين الدبيبة والكبير قد تزايد، خلال الفترة الأخيرة، وتحديدًا بعد تصريح الأخير بأن “هناك عجزا بقيمة 11 مليار دولار، خلال هذا العام”؛ بل إن محافظ المصرف المركزي لم يكتف بذلك، ولكنه اتهم حكومة الوحدة الوطنية بـ”إهدارالمال العام، واستنزاف العملات الصعبة من خزينة المصرف المركزي”.
من جانب آخر، هناك الخلاف بين الدبيبة ورئيس حكومة “الاستقرار”؛ إذ اتهمت حكومة الاستقرار الموازية، المُكلفة من قبل البرلمان الليبي، والتي يقودها أسامة حماد، حكومة الوحدة الوطنية بـ”المسئولية عن تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد”؛ بل وحمَّلتها المسئولية عن “تردي الأوضاع بممارساتها الخاطئة”. كما طالبت الجهات المحاسبية والقضائية بالتحقيق، خاصة في إطار ما أُثير بشأن خطاب محافظ مصرف ليبيا المركزي.
ورغم أن الخلاف بين الحكومتين يعود إلى الخلاف الأصلي بين حكومة الدبيبة والبرلمان برئاسة عقيلة صالح، إلا أن حكومة حماد قامت باستغلال الفرصة وأعلنت تأييدها لموقف الصديق الكبير، بشأن دعوته بخصوص “وقف حكومة الدبيبة إهدار المال العام، وصرف الإيرادات السياسية بعيدًا عن القانون”.
من جانب أخير، هناك الخلاف بين الدبيبة والسفير الأمريكي في ليبيا؛ فقد كشف بيانان منفصلان لكل من الدبيبة، والسفير الأمريكي والمبعوث الخاص في ليبيا، ريتشارد نورلاند، عقب لقائهما في العاصمة الليبية طرابلس، الثلاثاء 5 مارس، عن وجود اختلافات بينهما.
فقد أكد بيان نورلاند أن اللقاء الذي حضره القائم بأعمال السفارة الأمريكية، جريمي برنت، ناقش أهمية مُشاركة جميع الفاعلين الليبيين في العملية السياسية، التي ترعاها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، لإزاحة ما تبقى من عوائق أمام ضرورة إجراء الانتخابات، بما في ذلك “تشكيل حكومة تصريف أعمال”، للتمهيد لهذه الانتخابات.
في المقابل جاء بيان وزّعه مكتب الدبيبة، خاليًا من أية إشارة إلى تأكيد السفير الأمريكي نورلاند، عن ضرورة “تشكيل حكومة تصريف أعمال”، أو الحديث عن “ميزانية شفافة ومستدامة”؛ واكتفى بالإشارة إلى أن الاجتماع “ناقش عددًا من الملفات السياسية والاقتصادية، والوضع في دول الجوار”؛ بما يؤكد على خلاف الدبيبة مع السفير الأمريكي نورلاند، الذي يتضح من خلال تناقض ما ورد في البيانين.
في هذا السياق، يُمكن القول بأنه مع تزايد الضغوط على رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، وفي الوقت الذي تزداد فيه الخلافات بينه وبين عدد من الفواعل داخل ليبيا، وخارجها؛ يأتي حديثه عن مؤامرة اقتصادية ومالية. وكما يبدو، فإن الحديث عن مؤامرة هو محاولة صرف الأنظار عن الموقف الضعيف لحكومة الدبيبة، خاصة مع رفض مُغادرة الحكومة لموقعها، ورفض الدبيبة مغادرة رئاستها، قبل إجراء الانتخابات.
ذلك يعني، أن مسألة بقاء حكومة الدبيبة من عدمه، ستظل قضية “خلاف سياسي”؛ هذا، رغم أن محاولة إزاحة هذه الحكومة، التي جاءت باتفاق أممي، لا يُمكن أن تنجح؛ لذلك، فمن المتوقع أن يظل الوضع على ما هو عليه، في الفترة الحالية، حتى تتوافق الأطراف السياسية، وتأتي حكومة أخرى تحل محلها؛ أو أن تُجرى الانتخابات؛ أو أن تتدخل إحدى القوى الدولية الكبرى، خصوصًا الولايات المتحدة، لإزاحة الدبيبة وإجراء الانتخابات، وهذا الاحتمال الأخير يظل احتمالا مستبعدا على أي حال.