رؤى

تساؤلات المشهد السياسي الإيراني.. بعد فقدان “رئيسي”

تعرضت طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، الأحد 19 مايو الجاري لحادث، بعد اختتام حفل افتتاح سد “قيز قلعة سي” على الحدود  الإيرانية الأذربيجانية، بينما كان الرئيس على متنها، مع عددٍ من القيادات الإيرانية، في مقدمتهم وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان؛ وذلك حسبما ذكرت وكالة “تسنيم” الإيرنية.

وقد أعاد إعلان سقوط الطائرة “المروحية” التي كانت تُقل الرئيس رئيسي، وعددًا من مرافقيه، إلى الأذهان حوادث مماثلة تعرض لها مسئولون سابقون في إيران؛ من بينهم أول رئيس بعد سقوط نظام الشاه، أبو الحسن بني صدر، في 16 أغسطس 1980؛ وأيضا الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، في 2 يونيو عام 2013.

ورغم نجاة هؤلاء المسئولين من الحوادث التي تعرضت لها طائراتهم؛ إلا أن طائرة إبراهيم رئيسي ومرافقيه لم تنج من التحطم؛ في إحدى أصعب المناطق من حيث وعورة الجغرافيا والتضاريس، فضلا عن الطقس السيّئ وهطول الأمطار بغزارة.

بداية، يبدو أن واقعة مصرع الرئيس الإيراني ووزير خارجيته، مع اثنين آخرين من المسئولين المحليين، أثناء رحلة عودتهم من دولة أذربيجان إلى محافظة أذربيجان الشرقية شمالي البلاد؛ سوف تُشكل حدثًا فارقًا في المشهد السياسي الإيراني الداخلي، وعلاقته مع القواعد الاجتماعية الإيرانية، ومع المحيطين الإقليمي والدولي.

ولعل أول علامات ما سوف يُمثله الحدث من حالة فارقة في المشهد الإيراني، هو التصريح الذي أدلى به علي خامنئي المرشد الأعلى في إيران، حيث قال: “لن يكون هناك أي اضطراب في عمل البلاد”. هذا التصريح الذي صدر عن خامنئي، بعد ساعات من فقدان طائرة إبراهيم رئيسي ومرافقيه، دون صدور أي إعلان رسمي بتحطم الطائرة؛ هو -في حقيقته- إشارة سياسية على فقدان رئيسي في حادث الطائرة؛ ورسالة طمأنة للإيرانيين حول استمرار “عمل البلاد” دون أي اضطراب.

ومن ثم، فإذا كان هذا التصريح لا يصدر دونما “معلومات”، ولا يصدر عن مسئول إيراني عادي؛ بل يصدر عن أعلى مسئول إيراني في دولة تحكمها “هيراركية دينية” قوية ومتماسكة، طوال السنوات الماضية على الأقل، فإن هذا يعني استباق المرشد الإيراني الإعلان من جانب الجهات الرسمية في إيران، بفقدان الرئيس رئيسي؛ إذ لم تُعلن هذه الجهات الرسمية عن تحطم الطائرة، سوى صباح اليوم التالي.

وبالتالي يُقدم الحادث عددا من المؤشرات حول حقائق وظروف وشكل الحياة العامة في إيران؛ والأهم أنه يُثير تساؤلات حول نوعية الحادث نفسه، من قبيل: هل هو فعل مقصود، وناتج عن مؤامرة داخلية أو خارجية، أم مجرد خطأ فني وتقني؛ هذا فضلا عن التساؤل الأهم، الذي يتعلق بالتأثيرات الناتجة عن الحادث على التوازنات السياسية في إيران، بين الإصلاحيين والمحافظين، أو بالأحرى بين الشخصيات والمؤسسات ومراكز القوى ضمن الهيئة العليا لنظام الحكم.

ثم يأتي التساؤل الأكبر، الذي يخص تصريح المرشد الإيراني، وإذا كانت لديه معلومات عن فقدان الرئيس وطائرته ومن معه؛ فلماذا تأخر الإعلان الرسمي ساعات طويلة حتى صباح اليوم التالي؛ والأهم على ماذا اعتمد المرشد الإيراني في طمأنة الإيرانيين في “عدم الاضطراب في عمل البلاد”.. هل على معرفة الدستور الإيراني، وكيفية معالجته لمثل هكذا حادث، أم على درجة تحكمه هو ومعاونيه، في المشهد السياسي الإيراني، واقعه ومستقبله؟!

هذه وغيرها كثير، تساؤلات تطرح نفسها في إطار محاولة قراءة الحادث وملابساته فضلا عن الاحتمالات المتوقعة مستقبلا بخصوص مؤسسة الرئاسة الإيرانية.

لعل الملاحظة المبدئية، التي نود أن نسوق بخصوص الاحتمالات المستقبلية، للمشهد السياسي والأمني الإيراني، هي تلك التي تتعلق بأن إيران ليست دولة واضحة المعالم والسلطات. إذ إن مجموع الجهات ذات الأدوار المتشابهة والمتداخلة من جيش نظامي و”حرس ثوري” وأجهزة استخباراتية، وتنظيمات أمنية خاصة مثل “فيلق القدس”؛ وإن كان يسيطر عليها من جانب المرشد الأعلى علي خامنئي ومعاونيه، إلا أن النقطة المركزية للمرشد ترتكز على جمع أكبر عدد من التناقضات في ما بين هذه الأجهزة جميعها، من منظور إمكانية التحكم في مساراتها.

بهذا المعنى، فإن حادث الطائرة الذي طال “عصب النظام”، سوف يتطلب تحقيقا من جهة ما داخل إيران وتاليا، فهذه المسألة سوف تخلق حساسية وهواجس لدى باقي الجهات، ضمن المنظومة الأمنية الحاكمة، بما يُمكن أن يُزيد من التوتر بين أطراف هذه المنظومة، خاصة أن هذه التناقضات كانت قد ظهرت جلية في أكثر من مناسبة.

ويتبقى بعد ذلك، المسار الانتخابي بحسب الدستور الإيراني؛ إذ ينص الدستور الإيراني على تولي لجنة مؤقتة مهام الرئاسة الإيرانية، وهو ما  أعلن عنه بالفعل صباح اليوم التالي لحادث الطائرة. ومن ثم، وبموجب المادة 131، فإن اللجنة، التي وافق المرشد على تشكيلها، ستتولى مهام الرئيس رئيسي، ويترأسها نائب الرئيس، وعضوية كل من رئيس البرلمان ورئيس الجهاز القضائي. وهذه اللجنة، أو تحديدا رئيسها، ستكون المهمة الرئيسة له هي تنظيم الانتخابات الرئاسية في غضون 50 يومًا، من لحظة تشكيلها.

لكن، في ما يبدو، فإن الأمور ليست بهذه السلاسة؛ فإمكانية تمديد المرشد الأعلى عمر اللجنة المُكلفة بمهام الرئاسة في البلاد، تظل قائمة إضافة إلى الشكل الذي سوف تجري من خلاله الانتخابات، والقرارات الخاصة التي يُمكن للمرشد والجهات التابعة له أن تتخذها، خلال هذه الفترة الاستثنائية.. هذه كلها أمور سوف توضح الكثير من التفاصيل الحاصلة في الداخل الإيراني، خاصة على المستوى السياسي والأمني.

الملاحظة الأهم في هذا السياق، أن هذه هي المرة الثالثة، التي تواجه فيها إيران تشكيل لجنة مؤقتة، تتولى مهام الرئاسة في البلاد. كانت المرة الأولى، بعد عزل الرئيس الأسبق أبو الحسن بني صدر، من جانب الخميني، المرشد الإيراني الأول، في 22 يونيو 1980؛ أما المرة الثانية، فكانت بعد اغتيال الرئيس الإيراني محمد علي رجائي، ورئيس الوزراء محمد رضا باهنر، في 30 أغسطس 1981.

ويتبقى التساؤل الرئيس، الذي سوف تكشف عنه الأيام القادمة، كيف ظهرت الإدارة الإيرانية، سياسيًا وتقنيًا وإعلاميًا، في مواجهة حادث كبير مثل تحطم الطائرة التي تُقل الرئيس ووزير خارجيته؟.. والأهم، هل تستطيع إيران تجاوز محنة غياب رئيس مثل رئيسي، في قادم الأيام؟

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock