رؤى

بورتسودان عاصمة جديدة.. السودان على طريق التقسيم!

رغم أن الحديث عن عاصمة جديدة للسودان، بدلا من الخرطوم، لم يكن مقبولا لدى الكثيرين من أبناء الشعب السوداني؛ إلا أن عددا من المؤشرات اللافتة؛ تؤكد أن ثمة محاولات لتحويل بورتسودان إلى عاصمة جديدة للبلاد، يأتي في مقدمتها سيطرة الجيش السوداني عليها، وانتقال عدد من الوزارات إليها، فضلا عن أهمية المدينة بالنسبة إلى قائد الجيش السوداني البرهان، من منظور أنه يُقيم فيها.

ومع ذلك، يبدو في الأفق مجموعة من الإشكاليات، التي تقف حائلا دون تحويل بورتسودان إلى عاصمة فعلية للسودان؛ لعل من أهمها ضعف البني التحتية للمدينة، ومدى ما تتمتع به الخرطوم من ثقل تاريخي؛ هذا فضلا عن أن إعلان بورتسودان عاصمة للبلاد، يمكن أن يؤدي إلى تقسيم السودان، عبر إعلان الدعم السريع عن حكومة تابعة له في المناطق التي يُسيطر عليها.

كما يبدو، فإن عددا من الدوافع يتبدى بوضوح بشأن محاولات تحويل بورتسودان، التي تقع على سواحل البحر الأحمر، إلى عاصمة للسودان، بديلة عن الخرطوم، وإن بشكل مؤقت.. لعل أهمها يبدو كما يلي:

أولا: أهمية بورتسودان لقائد الجيش البرهان؛ إذ إن للمدينة الساحلية أهمية كبرى لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان، لاسيما أنه يُقيم فيها، وانطلق منها في كافة جولاته الخارجية خلال الأسابيع الماضية. وقد وصل البرهان إلى المدينة في 27 أغسطس الماضي، بعد أيام من الخروج من الحصار الذي كانت تفرضه قوات الدعم السريع على مقر قيادة الجيش في الخرطوم؛ حيث أصبحت بورتسودان -منذ ذلك الحين- مقرا دائما له يُدير من خلاله شئون البلاد.

ثانيا: تحول المدينة إلى مركز حكومي وإداري؛ فإضافة إلى البرهان، تحتضن المدينة مسئولين حكوميين، خرجوا من العاصمة الخرطوم بعد اشتداد القتال فيها؛ ومن ثم تحولت بورتسودان إلى “عاصمة مُصغرة” للبلاد، حيث أصبحت مقرا حكوميا وإداريا، خاصة بعد نقل بعض الجهات الحكومية عددا من دواوينها المهمة إليها. فالمدينة التي تبعد عن الخرطوم العاصمة بنحو 850 كيلو مترا، يعمل بها وزراء الصحة والمعادن والمالية، إلى جانب ممثلين من وزارات أخرى كالخارجية والتجارة والصناعة، إضافة إلى بنك السودان والغرفة التجارية القومية.

ثالثًا: محاولة إظهار المدينة كواجهة حضارية؛ فبالإضافة إلى أن بورتسودان هي بالأساس مركز ثقل اقتصادي وتجاري مهم، باعتبارها الميناء الرئيس (تضم خمسة موانئ للاستيراد والتصدير، ثلاثة منها للمواد الزراعية والصناعية)؛ فقد شهدت المدينة مؤخرًا، محاولات تحويلها إلى واجهة سياحية بحرية للسودان. إذ فضلا عن مطارها الدولي، الذي يُعد الثاني في الأهمية بعد مطار الخرطوم الدولي، فإنها تتفوق على العاصمة الخرطوم في عديد من الجوانب السياحية، خاصة مشروع تشجير المدينة، الذي تقوم عليه حكومة ولاية البحر الأحمر، باعتبار أن بورتسودان هي عاصمة الولاية.

إضافة إلى المؤشرات الدالة على محاولات تحويل بورتسودان إلى عاصمة للبلاد، إلا أن ثمة معوقات رئيسة تحد من هذه المحاولات، على أكثر من مستو.. لعل أهمها يبدو كما يلي:

من جهة، الضعف الواضح في البني التحتية للمدينة؛ فالأزمة الحالية في السودان، رغم أنها أظهرت مقدرة بعض المدن، وفي مقدمتها بورتسودان، على استضافة قطاعات إنتاجية واقتصادية كبيرة؛ إلا أنها، في الوقت نفسه، أدت إلى وضوح الضعف الكبير في البني التحتية للمدن السودانية، ومن بينها الميناء الرئيس للبلاد. إذ تكفي ملاحظة الأزمة المستفحلة في مياه الشرب في بورتسودان، حيث يبلغ عجز المياه في الأحوال العادية بين 40-50 % من الاحتياجات اليومية. وكذلك بالنسبة إلى الكهرباء، حيث تعتمد المدينة على البارجة التركية في إمداد المدينة بحاجتها منها، بما يُعادل 3 ملايين دولار سنويًا.

من جهة أخرى، إعلان بورتسودان عاصمة يؤدي للتقسيم؛ إذ إضافة إلى افتقار بورتسودان للبنية التحتية التي تجعلها عاصمة للبلاد؛ فإن سعي رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، وفق المتداول إعلاميًا، إلى تشكيل حكومة مؤقتة تتخذ من بورتسودان مقرًا لإدارة البلاد، سيكون واحدا من المداخل التي سوف تعتمد عليها قوات الدعم السريع لتشكيل حكومة موازية، خصوصا في المناطق التي تقع تحت سيطرة قوات الدعم. ومن المنطقي -في هذه الحال- عدم اعتراف أي طرف بالحكومة التي تشكلت من جانب الطرف الآخر؛ بما يؤدي فعليًا إلى “بداية النهاية” للسودان بجغرافيته الحالية، أي الوصول إلى مرحلة التقسيم الفعلي للبلاد.

من جهة أخيرة، تاريخية الخرطوم كعاصمة مركزية للسودان؛ فمنذ أن أسس محمد بك الدفتردر (زوج ابنة محمد علي باشا)، مدينة الخرطوم، في عام 1821، وحتى المرحلة الحالية، تتمتع الخرطوم بمركزيتها كعاصمة تاريخية للبلاد. إذ إضافة إلى ما تمثله الخرطوم من رمز للسيادة، وقيمة تاريخية؛ فهي تتفوق على بورتسودن، التي يحاول الجيش أن يجعلها مقرا للحكم، من ناحية البنية التحتية. بل إن الحركات السودانية المتمردة، في أطراف السودان، لم تُبادر أي منها للمطالبة بـ”عاصمة دورية”، أو نقل العاصمة من الخرطوم إلى أي مدينة أخرى، لقناعة هذه الحركات بعدم إمكانية أي مدينة سودانية أخرى، على منافسة الخرطوم في رمزيتها التاريخية والواقعية، في الحياة السودانية.

في هذا السياق، يُمكن القول بأن ثمة “مقاومة مدنية” في مواجهة محاولات تحويل العاصمة إلى بورتسودان؛ إذ نشط ذلك الوسم على مواقع التواصل الاجتماعي، وسم “العودة الحتمية” للخرطوم، كنوع من المقاومة لأي محاولة لتغيير العاصمة التاريخية للبلاد. أضف إلى ذلك، عدم مركزية بورتسودان، من حيث موقعها في الإطار الجغرافي السوداني، بالنسبة لبقية الولايات؛ فهي ليست منطقة وسطى مثل الخرطوم، وتبتعد عن بقية الولايات السودانية بمسافات كبيرة.

ربما، تصلح بورتسودان كواجهة تجارية وسياحية، على ساحل البحر الأحمر، ويمكن أن تُعقد فيها المؤتمرات الدولية، أسوة بمراكش وجدة وشرم الشيخ، كمدن ساحلية؛ ولكن العاصمة شيء آخر.

رغم ذلك، فإن الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، التي هي قد دخلت شهرها السابع؛ هذه الحرب باتت تُشكل خطرًا حقيقيًا على وحدة السودان، وسط احتمالات متزايدة بشأن أن تنفصل وتتفتت بعض أقاليمه.

ولعل هذه الاحتمالات تتأكد عبر محاولات الجيش في جعل بورتسودان العاصمة البديلة لمقر الحكم؛ إذ في حال الإعلان الرسمي بذلك، ستكون البلاد قد قُسّمت فعليا، خاصة إذا قام الدعم السريع -في المُقابل- بالإعلان عن تشكيل حكومته في المناطق التي يُسيطر عليها. بما يُشكل ما يمكن تسميته بـ”السودان الجديد” المُقسم.

 

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock