أمس الخميس قرَّرت لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي المصري، خلال اجتماعها الثالث لهذا العام، الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير.. وبلغ عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة، وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي 27.25%، 28.25% و27.75% على الترتيب، بينما بلغ معدل الفائدة الحقيقية (معدل الفائدة الاسمي مطروحا منه معدل التضخم) سالب 5.25%.
توقعات المركزي بشأن التضخم؛ أشارت إلى احتمالية أن يشهد انخفاضا ملحوظا خلال النصف الأول من العام القادم، ما أرجعه البنك إلى عدة عوامل منها: الأثر الإيجابي لفترة الأساس، إلى جانب تقييد السياسة النقدية، وتوحيد سعر الصرف.. لكن المؤكد أن رفع أسعار الفائدة المتكرر خلال العام المنقضي؛ لم يساعد على الإطلاق في الحد من التضخم الذي ما زالت معدلاته فوق 30%.. هذا ومن المتوقع أن تكون بداية خفض أسعار الفائدة، خلال الربع الأخير من العام الحالي.
كانت مصر قد خفّضت من توقعاتها بشأن نمو الاقتصاد إلى ما بين 2.8 و2.9% في السنة المالية الحالية الموشكة على الانتهاء، عن توقعات سابقة سجّلت 3%.. وقد أرجعت مصادر رسمية ذلك إلى ما تشهده المنطقة من اضطرابات جيوسياسية؛ هبطت بعائدات قناة السويس إلى ما بين 60 و65% في الثلث الأول من العام الحالي؛ ليصل معدل النمو في تلك الفترة إلى 2.4% مقابل 3.9% عن نفس الفترة من العام الماضي.
كان المركزي قد أقدم في ذات الفترة (الثلث الأول من 2024) على خفض سعر العملة المحلية ليصل سعر الدولار رسميا إلى 49.45 جنيها؛ عقب رفع لجنة السياسات النقدية لأسعار الفائدة بواقع 600 نقطة أساس على نحو مفاجئ.. لتصل إلى 1900 نقطة منذ مارس 2022، إلا أن سعر الدولار ما لبث أن تراجع بنحو 5% ليصل إلى 46.90 جنيها للدولار الواحد.
كان تخفيض سعر صرف العملة المحلية أحد الشروط الأساسية لصندوق النقد الذي تزور بعثته القاهرة حاليا استعدادا لإجراء المراجعة الثالثة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي.
وكان الصندوق قد اعتمد المراجعتين المؤجلتين من العام الماضي أواخر مارس المنقضي، ووافق على زيادة قيمة البرنامج الأصلي بنحوٍ من 5 مليارات دولار، ليصل الإجمالي إلى 8 مليارات دولار، مع اعتماد صرف 820 مليون دولار لمصر على الفور.
برنامج الإصلاح الذي بدأ في ديسمبر 2022، استند إلى 15 معيارا هيكليا، عجزت مصر عن تنفيذ 8 معايير منها، وقَبِلَ الصندوق في مراجعتيه الإصلاحات السبعة الأخرى؛ ويتوقع الصندوق أن تحقق مصر نموا يصل إلى 3% في العام المالي الجاري، فيما يُقدّر النمو للعام المالي القادم بنحوٍ من 4.5%، بحسب ما يرى خبراء الصندوق، وكان الربع الثاني من العام المالي، قد شهد تباطؤا في نمو الاقتصاد المصري ليصل إلى 2.3% مقارنة بـ2.63% خلال الربع الأول.
وحسب موقع الشرق بلومبيرج؛ فإنه من المتوقع أن تنتهي المراجعة الثالثة لبرنامج التمويل في 15 يونيو 2024، أو بعده والمراجعة الرابعة في 15 سبتمبر 2024، أو بعده.. حسب تقرير الصندوق.. مع تعهّد مصر بتقديم بيانات دقيقة، وفي الوقت المناسب لانتظام المراجعات ومراقبة البرنامج، وكذلك تقديم أية معلومات لها تأثير مادي على الظروف الاقتصادية وأهداف البرنامج!
فهل ستدفع تلك الإجراءات الأوضاع إلى تحسنٍ ملموسٍ؛ يصل أثره إلى المواطن المصري البسيط، الذي دفع ثمن هذه الإصلاحات الاقتصادية غاليا، على مدى العقد الماضي، الذي شهد الكثير من الأحداث على المستويات المحلية والإقليمية والدولية؛ كانت ذات انعكاسات خطيرة على الاقتصاد المصري الذي يعاني ضعفا كبيرا في بنيته الأساسية منذ عقود نتيجة تراكمات السياسات غير الرشيدة التي اتبعتها الدولة في العهود السابقة.. نقصد على وجه التحديد الانفتاح الاستهلاكي في عهد الرئيس السادات، وعقود مبارك الثلاثة التي شهدت إجراءات الخصخصة وبيع القطاع العام بأسعار بخسة.. لنصل إلى ما وصلنا إليه من وضع اقتصادي مأزوم ومعاناة لا تنتهي للطبقات الفقيرة، التي تتحمل وحدها عبء ذلك الفشل المتتالي والفساد المالي والإداري المتراكم منذ زمن.