رؤى

غياب منصب رئيس البرلمان العراقي.. إشكاليات وتداعيات

لعل الأمر المُثير للتأمل، بخصوص الساحة السياسية في العراق، أن قضية اختيار رئيس للبرلمان ما تزال بعيدة عن التحقق، بعد أكثر من “ستة” أشهر على إقالة رئيس البرلمان العراقي السابق، محمد الحلبوسي، الذي كان يُعد أحد الأرقام الصعبة في العملية السياسية في العراق.

وكما يبدو، فإن اختيار بديل للحلبوسي، يُمثل تحديًا كبيرًا للنظام السياسي القائم في العراق؛ إذ في الوقت الذي يأتي فيه هذا التحدي ليُعبر عن مستوى التنافس السياسي، بين الفاعلين السياسيين المُتعددين، على الساحة السياسية السُنية، باعتبار أن اختيار رئيس البرلمان يتم من بين نواب هذه الساحة؛ ولكن أيضا لأن مثل هذا التحدي يأتي ليؤكد مدى تحكم القوى الشيعية، المُهيمنة على السُلطة ضمن مجموعة “الإطار التنسيقي”، في اختيارات المُكون السُني.

ويأتي مشهد خلوّ منصب رئيس البرلمان العراقي، لينسجم تماما مع السياق السياسي الذي يعيشه العراق راهنا؛ وهو بشكل واضح سياق يتسم بـ”الاختلال السياسي”، الذي ساهمت فيه مجموعة من العوامل، منها انسحاب التيار الصدري من المعادلة السياسية العراقية، ومنها الانقسام الحاد بين مكونات التيار السُني، والتيار الكردي أيضا؛ وهي العوامل التي ساعدت في هيمنة “الإطار التنسيقي” على المشهد السياسي في العراق بشكل كبير

ورغم أن الصراع على منصب رئيس البرلمان، الذي يُمثل الركن “الثالث” بين الرئاسات العراقية “الثلاث”، من المفترض أن يكون بين القوى السياسية السُنية؛ إلا أنه من المنظور الواقعي، يدور بين أقطاب الإطار التنسيقي الشيعي، في إطار “الاستفراد” السياسي الذي تحاول الوصول إليه قوى الإطار، منذ تشكيل حكومة محمد شياع السوداني.

وقد سمح ذلك “الاستفراد” السياسي للقوى الشيعية، التي يتشكل منها الإطار التنسيقي؛ إضافة إلى القوى الكردية (الاتحاد الوطني الكردستاني، والاتحاد الإسلامي)، وكذلك السُنية (السيادة والعزم والحزب الإسلامي)، الأكثر قُربا من إيران، بالعمل على إضعاف خصومها المحليين؛ بل إن الجدل حول منصب رئيس البرلمان، لا يخرج عن الخطوط العامة لهذا المشهد.

وبهذه الحال، فإن تقليص حزب “تقدم” بزعامة الحلبوسي، لطموحاته في استمرار السيطرة على منصب رئيس البرلمان، يؤدي إلى عدد من التداعيات المؤثرة على الساحة السياسية الداخلية في العراق، من منظور أن زعيم الحزب، حزب “تقدم”، يُمثل أحد الأرقام الصعبة على هذه الساحة.

في إطار ما يُمثله الحلبوسي وحزبه من رقم “صعب” في العملية السياسية في العراق، التي بنيت على أساس التوازن المكوناتي؛ تبدو مجموعة من التداعيات المتوقعة نتيجة استمرار مشهد خلوّ منصب رئيس البرلمان العراقي.

ولعل أهم هذه التداعيات .. تلك التي تتمثل في ما يلي:

أولا، تأثر المناطق الغربية ذات الأغلبية السُنية؛ إذ وفق عُرف سياسي سائد في العراق، بعد أول انتخابات برلمانية عام 2005، يتولى الشيعة رئاسة الحكومة والأكراد رئاسة الجمهورية والسُنة رئاسة مجلس النواب؛ ومع قرار المحكمة الاتحادية العليا المُفاجئ، والذي يُمثل “سابقة” هي الأولى من نوعها، بعزل الحلبوسي، أُصيبت المناطق الغربية من البلاد، وهي المناطق التي تتمتع بأغلبية سُنية، بـ”صدمة سياسية”، كان من نتائجها التراجع الحاد في الحضور السياسي لهذه المناطق بالشكل المُلاحظ حاليًا.

ثانيًا، الاختلاف حول بديل الحلبوسي في رئاسة البرلمان؛ فمنذ إصدار المحكمة قرارها، بدأت الخلافات السياسية داخل القوى والكتل السُنية تلوح في الأفق؛ ما أدى إلى عودة الصراع بشأن منصب رئيس مجلس النواب، ومحاولة عدم تكرار نموذج “ديكتاتورية الحلبوسي”، كما أصبح يصفها حلفاؤه السياسيون من الكتل السُنية الأخرى.

والمُلاحظ، أن الكتل السُنية باتت معنية في مدة غير محددة، لكنها قصيرة زمنيًا، أن تبلغ مرحلة التوافق السياسي حول مُرشح سُني واحد، لرئاسة البرلمان، والتصويت لصالحه؛ خاصة أنه من المُقرر أن يُحل مجلس النواب العراقي بحلول العام 2025؛ وبالتالي، فإن عملية اختيار المُرشح القادم، لرئاسة البرلمان، لا بد لها من تفاهمات بين الكُتل السُنية، بما يُمكن في حال الاختلاف بينها أن يؤثر على نفوذها ككتلة سياسية لصالح القوى السياسية الأخرى.

ثالثًا، تعزيز دور الإطار التنسيقي داخل البرلمان؛ فمن الواضح أن عزل محمد الحلبوسي من رئاسة البرلمان العراقي، فرض عدد من المشاهد (السيناريوهات)، على الواقع السياسي في البلاد، خاصة بعدما استطاع “الهيمنة” على الحضور السُني، بفضل قيادته لحزب “تقدم” ذي الأغلبية السُنية داخل البرلمان؛ فضلا عن تحالفات الحلبوسي الداخلية وعلاقاته الخارجية.

ومن ثم، فإن خروج الحلبوسي من رئاسة مجلس النواب، كان له تأثير سياسي مُباشر؛ وهو ما أدى إلى زيادة تعزيز نفوذ تحالف “الإطار التنسيقي” في المجلس النيابي، حيث يضم 130 نائبًا؛ إضافة إلى تعزيز نفوذه في الحياة السياسية بشكل عام.

رابعًا، الغموض في مصير “ائتلاف إدارة الدولة”؛ إذ، في إثر قرار المحكمة الاتحادية العليا، باشرت قوى “الإطار التنسيقي” الشيعي، و”ائتلاف إدارة” الدولة، اجتماعات مُباشرة بخصوص إنهاء عضوية الحلبوسي؛ إضافة إلى بحث مدى تأثير ذلك على الانتخابات المحلية، خاصة بعد إعلان مقتضى الصدر مقاطعة أنصاره لهذه الانتخابات.

واللافت، أن عزل الحلبوسي كان البند الأهم، بالنسبة إلى ائتلاف إدارة الدولة، الذي يضم كل من الأكراد والسُنة، بجانب القوى الشيعية الرئيسة والتي تُمثل الكتلة البرلمانية الأكثر عددًا. وبالتالي، ففي حال لم يُشارك التيار السُني في حل إشكالية رئاسة البرلمان، بوصفه أحد الأركان الثلاثة في معادلة الائتلاف الحاكم والداعم للحكومة، فإن مصير هذا الائتلاف سوف ينتابه الغموض، لأول مرة بعد عام على تشكيل الحكومة الحالية التي يترأسها محمد شياع السوداني.

في هذا السياق، يُمكن القول بأن إنهاء عضوية الحلبوسي، وتاليا إقالته من رئاسة البرلمان العراقي، قد ترتبت عليه توترات سياسية داخل االعراق، من حيث الصراع السُني السُني حول رئاسة البرلمان؛ فضلا عما هو متوقع من تغيير خارطة التحالفات في أية انتخابات مُقبلة، بين الكتل السياسية الثلاث السُنة والشيعة والأكراد، في ظل رفض التيار الصدري المشاركة في الانتخابات.

هذا، وإن كان يعني احتمال أن تشهد المرحلة المُقبلة نوعا من “خلط الأوراق”، فإنها في الوقت نفسه سوف تضع الكتل السُنية في موقف مُعقد، خاصة في ظل انقسام الساحة السُنية إلى أربع كتل، “الحسم الوطني” و”العزم” و”السيادة”، إضافة إلى “تقدم” الذي أعلن عن انسحابه من البرلمان ومن عضوية الحكومة؛ بما يعني إمكانية أن تفقد الكتل السُنية نفوذها في ظل حالة الانقسام والاختلاف الذي يبدو بوضوح حول البديل في رئاسة البرلمان.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock