رؤى

تداعيات الانقلاب العسكري في النيجر.. على الجزائر

في الوقت الذي كانت أنظار العالم تتابع تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وتأثيراتها في النظام الدولي والقوى المتحكمة في مساراته؛ قفزت أفريقيا إلى قلب المشهد العالمي، عبر البوابة التقليدية لها: الصراعات الداخلية والانقلابات. فبعد الصراع الدائر في السودان بين الجنرالات؛ قفزت النيجر إلى الواجهة، بعد الانقلاب العسكري والإطاحة بالرئيس محمد بازوم.

وبالنظر إلى التداعيات المحتملة، على المستويين الأمني والإنساني، تُعد الأزمة الناجمة عن انقلاب النيجر والإطاحة بالرئيس، أهم تحدٍ يواجه دول الجوار الإقليمي لهذا البلد، وفي مقدمتها الجزائر؛ إذ تجمعها مع النيجر حدود يبلغ طولها نحو ألف كيلو متر. هذا فضلا عن المصالح الاقتصادية والأمنية المشتركة بين البلدين، التي تجعل من أي اضطراب أو عدم استقرار في النيجر، أمرا يًثير قلق الجزائر.

عوامل متداخلة

وبعد التهديد بالتدخل العسكري في النيجر، من جانب أطراف إقليمية، يبدو الموقف الجزائري في التحذير من محاولات التدخل العسكري والرفض القاطع لها- مستندا إلى عدد من العوامل المتداخلة.. أهمها ما يلي:

أولًا: تحول النيجر إلى ساحة تنافس دولي وإقليمي؛ فرغم أن الانقلاب العسكري في النيجر لا تخلو حيثياته من دوافع وأسباب داخلية، تختص بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والعرقية أيضًا؛ إلا أن ثمة مجموعة من الأسباب الخارجية، تُضيف إلى حيثياته الداخلية أبعادًا أخرى، تتعلق بموقع النيجر على خطوط تقاطع الاستراتيجيات الدولية للقوى الكبرى، من حيث المصالح والتموضع لهذه القوى على ساحة القارة الأفريقية.

ففي الوقت الذي يعني فيه انقلاب النيجر، خروجًا مبدئيا لكل من باريس وواشنطن؛ فهو في المقابل يؤشر إلى مدى تقدم روسيا في أفريقيا، التي يتمدد حضورها من ليبيا إلى غربي السودان وأفريقيا الوسطى والنيجر ومالي وبوركينا فاسو، وصولًا إلى غينيا؛ لذا فإن احتمال حدوث توافق بين روسيا والصين، خصوصًا في منطقة غرب أفريقيا، يبدو متوقعا.

لذلك من المُرجّح أن يتسبب انقلاب النيجر، في إحداث آثار كبيرة على المعسكر الغربي؛ إذ إن أول القرارات التي اتخذها المجلس العسكري الجديد في النيجر، هو حظر صادرات الذهب واليورانيوم إلى باريس؛ بما يعني أن أي تدخل عسكري في النيجر، يُساهم في تحوّل هذا البلد إلى ساحة للتنافس الدولي، بكافة تداعياته المتوقعة، وإشكالياته على الأمن القومي الجزائري.

ثانيًا: حسابات مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء؛ فإضافة إلى أن النيجر تُمثل ممرا مُهما للجزائر إلى قلب أفريقيا، ضمن استراتيجيتها لتعزيز صادراتها إلى القارة؛ يأتي مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء، ضمن حسابات المصالح التي تستند إليها الجزائر، في محاولة تجنيب النيجر تداعيات التدخل العسكري، ونتائجه في الاضطراب الأمني وعدم الاستقرار.

فهذا المشروع الضخم، الذي يبلغ طوله حوالي 4 آلاف كيلومتر، وتصل تكلفته إلى نحو 13 مليار دولار، ويُتوقع أن ينقل ما يصل إلى 30 مليار متر مكعب من الغاز إلى أوروبا سنويًا؛ هذا المشروع الذي تراهن عليه الجزائر وكل دول المنطقة، يمتد من نيجيريا مرورًا بالنيجر وصولًا إلى الجزائر، ومن موانئ الأخيرة إلى أوروبا، ووقّع الاتفاق الثلاثي بشأنه، في يوليو 2022؛ وهو ما تُعَّول عليه الجزائر، وهي ثالث مُصدِّر للغاز إلى أوروبا، لترفع صادراتها إلى ضفة المتوسط المُقابلة، مُستفيدة من تعثر الإمدادات الروسية، في إثر الحرب الروسية الأوكرانية.

ثالثًا: اكتشافات “سوناطراك” النفطية في النيجر؛ إذ لا تتوقف المصالح الاقتصادية بين الجزائر والنيجر عند حدود أنبوب الغاز العابر للصحراء، ومروره بالنيجر؛ ولكن تتعدى ذلك إلى الاكتشافات النفطية التي حققتها شركة سوناطراك الجزائرية في شمال النيجر، في عام 2018؛ حيث أعلنت الشركة حينذاك عن أول اكتشاف لها للخام الثقيل، في كتلة الاستكشافات الخاصة بها هناك. وبحسب تصريح المدير العام لسوناطراك، في 25 أبريل 2018، فإن هذا الاكتشاف يُمثل مقدمة لاكتشافات أخرى مستقبلًا.

ومثلما ستكون النيجر حريصة على إبقاء التعاون مع جارتها الشمالية، لاستغلال آبار النفط المكتشفة حديثًا، ترى الجزائر مصالحها في تقاسم الإنتاج في حقل “كفرا” النفطي شمالي النيجر، والذي تُقدر احتياطاته بنحو 400 مليون برميل.. إذ كانت شركة سوناطراك قد وقعت اتفاقا بهذا الشأن، في فبراير 2022، مع وزارة الطاقة في النيجر.

رابعًا: إشكاليات اللجوء والهجرة غير النظامية؛ حيث إن عدم الاستقرار في النيجر، لن يؤثر فقط على مصالح الجزائر المتعلقة بالنفط والغاز، ولكن أيضا سوف يُضيف عليها عبئا آخر، يُضاف إلى جانب عدم الاستقرار الذي تتسم به منطقة الجوار الجزائري، في ليبيا ومالي، فضلا عن بوركينا فاسو.

وهنا، يبدو بوضوح ما يتوافر لدى الجزائر من هواجس ومخاوف، من أن تنزلق الأوضاع في النيجر إلى مستوى العنف والاضطرابات الأمنية. إذ إن مثل هذا الاحتمال، في حال أي تدخل عسكري، سيكون بابًا لموجات جديدة من المهاجرين، سواء أولئك الفارين من العنف، أو ممن لديهم طموح بالذهاب إلى أوروبا؛ خاصة أن الجزائر تستقبل عددا كبيرا من المهاجرين غير النظاميين من النيجر، وترحّلهم إلى بلادهم بناءً على اتفاقية أمنية مع نيامي، في أبريل الماضي.

أضف إلى ذلك، أن أي احتمال للتدخل العسكري في النيجر، يُشكل أرضية خصبة لنمو الجماعات الإرهابية وتنامي نشاطها؛ إذ إن  تنظيم داعش، الذي يُسيطر على المثلث الحدودي بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر، سيتمكن من إحكام السيطرة على مناطق أكبر وأكثر اتساعًا، في حال استهدف الجيش النيجري؛ إضافة إلى الاضطرابات التي سوف تنتج عن تنافس تنظيمي القاعدة وداعش الإرهابيين، للتمدد في الساحل الأفريقي؛ وكذلك تنظيم بوكو حرام الذي يتواجد على حدود النيجر الجنوبية.

تأثيرات سلبية

في هذا السياق، يُمكن القول بأن التدخل العسكري يمكن أن يؤدي إلى حالة من الاضطراب الأمني وعدم الاستقرار، وهو ما تتخوف منه الجزائر؛ خاصة أن مثل هذا التدخل قد يساعد على اندلاع حرب أهلية هناك، على غرار النموذج الليبي الذي يجاور الجزائر جغرافيًا. ومن ثم، فإن رفض الجزائر لأي تدخل عسكري في النيجر، وإن كان يعود إلى “التأثيرات السلبية” اقتصاديًا على الجزائر ومشروعاتها المختلفة؛ فإنه، في الوقت نفسه، يستند إلى التداعيات الأمنية لهذا التدخل، التي تتمثل بالأساس في خلق مزيد من بؤر التوتر وعدم الاستقرار في محيط الجزائر، بعد ليبيا ومالي، فضلًا عن بوركينا فاسو.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock