بقلم: حسين عبد الغني، إعلامي وصحفي مصري
نقلًا عن موقع عروبة 22
يمكن تلخيص الموقف الراهن المتعثّر لمفاوضات غزّة، والضغوط الأمريكية والعربية على المقاومة في فكرة واحدة؛ ألا وهي محاولة واشنطن جعل التاريخ يعيد نفسه. كما يُمكن تلخيصه في أنّ واشنطن وكأنها ترغب بعد ٣٠ سنة كاملة، في استعادة لقطة تاريخية مريرة، تمكّنت فيها هذه الضغوط من إكراه الطرف الفلسطيني المفاوض، على التوقيع على اتفاق يراه مجحفًا.
كأن واشنطن تريد أن يوقّع هنية في ٢٠٢٤، مُكرهًا على اتفاق يُخرج إسرائيل منتصرة -رغم هزيمتها في الحرب- كما وقّع عرفات في ١٩٩٤، مُكرهًا في القاهرة اتفاق “غزّة – أريحا”.
الضغوط التي مورست على المقاومة قبل موافقتها على صفقة أقرّها ويليام بيرنز نفسه في ٦ مايو/أيار الماضي ورفضتها إسرائيل، لا يمكن مقارنتها بحجم الضغوط الهائلة التي تُمارس وتتصاعد منذ إعلان بايدن في ٣١ مايو/أيار عن مقترحه الجديد.
السبب في ذلك لا يعود لواقع أنّ المقاومة لم تُبدِ مرونة في الاتفاق الأول، بالعكس فقد أبدت الكثير من المرونة، ولكنها وافقت في الأخير لأنّ المقترح لم يكن مجحفًا تمامًا، وتضمّن العناصر الرئيسة لموقفها، وهي وقف الحرب والانسحاب وإعادة الإعمار، أما اقتراح بايدن فهو مجحف للغاية كما نُقل مكتوبًا كورقة إسرائيلية عبر الوسطاء.
يعترف المحللون الغربيون والإسرائيليون؛ بأنّ المكتوب خلافًا لخطبة بايدن العامة تضمّن تراجعًا أمريكيًا صريحًا عن مواقف سابقة، فلم يتضمّن على الإطلاق أي بند صريح لإنهاء الحرب؛ كما منح إسرائيل مكاسب في توقيتات عودة النازحين إلى الشمال وأعطاها “فيتو” على السجناء الفلسطينيين الذين تود المقاومة مبادلتهم.
لم تُفلح كل الحيل اللغوية والألاعيب القانونية، في سد الفجوة بين موقف المقاومة وموقف نتنياهو الرافض لقرار إنهاء الحرب، حتى لو كان هذا الإنهاء يجسّد رغبة بايدن لأسباب انتخابية بحتة.
اللافت في ضغوط الأسبوعين الأخيرين على المقاومة ليس أنها كانت قاسية وفجة فحسب، ولكن شاملة ومركّبة استخدم فيها نفوذ أمريكا بشكل مفرط على جميع الأطراف العربية التي تعمل في إطار الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط، والتي تمتلك تأثيرًا على المقاومة.
التطوران المهمّان في هذه الضغوط هما:
أولا الطبيعة الشاملة: حيث استخدمت القوة العسكرية والدبلوماسية القسرية، والهيمنة الإعلامية الغربية، على وسائل إعلام دولية وعربية إبراهيمية أو في طريقها للإبراهيمية.
ثانيا التورط العسكري الأمريكي المباشر في الحرب: وليس فقط عن طريق نهر الأسلحة الذي لا يتوقف لجيش الاحتلال الصهيوني.
التطور الثاني هو الأكثر خطورة، وتبدى في مجزرة النصيرات، وما صحبها من تمكن إسرائيل لأول مرة من تحرير أربعة من أسراها لدى المقاومة، وتعترف مصادر غربية أنّ المعلومات التي أوصلت لمكان الأسرى؛ كانت أمريكية لا تستطيع إسرائيل لوحدها جمعها، وأنّ مجموعات من مقاتلي النخبة الأمريكية شاركوا مباشرةً في العملية.
لقد أفصحت حقيقة ما تسرّب من العملية؛ أنّ أمريكا تريد من هذه المشاركة المباشرة إحداث تغيير نوعي في نتائج الحرب التي فشلت إسرائيل في تحقيقها منذ ٨ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وأنّ هذا التغيير ربما يدفع المقاومة لحائط مسدود؛ تجد فيه نفسها مضطرة إلى التخلي عن ثباتها، على موقفها الحالي الرافض لاتفاق لا يشمل ضمانات بوقف الحرب.
واشنطن تستهدف من هذا التورط العسكري المباشر -غير المسبوق- أن تهدي إسرائيل قوّتَي ضغط على المقاومة الصامدة. قوة الضغط الأولى هي الوصول لبعض قادة “حماس” و”الجهاد” الكبار أسرًا أو قتلًا؛ بما يضعف من الروح المعنوية للمقاومين وحاضنتهم الشعبية.
وقوة الضغط الثانية هي، أن تتمكن من تحرير مزيد من الرهائن بمعلومات وقوات نخبة أمريكية، بما يضيّع جزءًا مهمًا من ورقة المقاومة الرابحة، فيتسرّب اليأس إلى النفوس في المقاومة محل الأمل في النصر.