تُنذر الأوضاع في ليبيا باشتعال أزمة سياسية وأمنية، في غرب البلاد، في ظل توترات بشأن معبر “رأس جدير” الحدودي بين ليبيا وتونس؛ حيث عاد المعبر إلى واجهة الأحداث، بعد احتدام الخلاف بين حكومة الوحدة الوطنية، منتيهة الولاية، التي يترأسها عبد الحميد الدبيبة، والمجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا، الذي يُشرف على إدارة المعبر عبر قوة تتبع المجلس العسكري لمدينة زوارة الأمازيغية الساحلية في غرب ليبيا.
وقد أقدمت مجموعات مسلحة من مدينة زوارة، الاثنين الماضي، 24 يونيو الجاري، على غلق الطريق الرئيس المؤدي إلى المعبر، وهو ما تسبب في تأجيل إعادة فتحه أمام حركة العبور، الذي كان مُقررًا في اليوم ذاته. يأتي هذا رغم أن وزارة الداخلية، في حكومة الدبيبة، قد أعلنت في بيان لها، الأحد الماضي، 23 يونيو الجاري، أن المعبر الحدودي مع تونس سيُعاد افتتاحه بحضور مسئولين من ليبيا وتونس.
وجاء إغلاق المجموعات المسلحة للطريق المؤدي إلى المعبر، احتجاجا على محاولة إقصاء وزير الداخلية عماد الطرابلسي، الجهات العسكرية بمدينة زوارة من الإشراف على تأمين المعبر، وعدم تنفيذ حكومة الوحدة الوطنية مطالب الأمازيغ. وقد تسببت هذه الخلافات بين الحكومة في طرابلس (حكومة الدبيبة) والأمازيغ في غرب ليبيا، في تأجيل إعادة افتتاح المعبر؛ ليستمر تعطل حركة النقل والعبور بين ليبيا وتونس، المتوقفة منذ 20 مارس الماضي.
والواقع، أن هذه الخلافات، كانت قد بدأت منذ نوفمبر الماضي، عقب قرار يقضي بتشكيل غرفة أمنية مشتركة، تابعة لحكومة الوحدة الوطنية، وتكليفها بالسيطرة على المعبر. ومع احتدام الخلاف، حول تشكيل الغرفة الأمنية، والرد الغاضب من مجلس الأمازيغ، ورفض وجود أي قوة مسلحة من خارج مدينة زوارة، تراجعت قوات غرفة العمليات المشتركة “إلى مواقعها في مدينة زليطن، بناءً على أوامر المجلس الرئاسي الليبي”.
ورغم خفوت حدة المخاوف، بعد نجاح المجلس الرئاسي الليبي، الذي يقوده محمد المنفي، في الوساطة بين الدبيبة والمجلس الأعلى للأمازيغ في ليبيا، منذ ذلك الحين؛ إلا أن غياب تسوية حقيقية للاختلاف المحتدم بين الطرفين، بشأن إدارة معبر “رأس جدير” الحدودي، قد أعاد التوتر من جديد إلى منطقة المعبر، بدليل نجاح مُسلحي الأمازيغ من إبطال إعادة افتتاح المعبر.
ضمن أهم الأسباب الدافعة إلى إثارة التوتر، بخصوص هذا المعبر الحدودي الهام بين ليبيا وتونس، من جانب حكومة الوحدة الوطنية، في غرب ليبيا، يأتي السببان التاليان:
من جانب، اختبار التوازنات السياسية والميدانية منذ 2011؛ حيث يأتي هذا الاختبار من جانب الدبيبة، وحكومة غرب ليبيا، في إطار محاولة فرض السيطرة العسكرية على كامل منطقة غرب البلاد، ومن بينها مناطق تواجد الأمازيغ في زوارة وغدامس. إلا أن احتدام الخلاف بين الدبيبة والأمازيغ حول إدارة المعبر، أدى إلى تهديد المجلس الأعلى للأمازيغ، بأن “كل من يحاول الهجوم على زوارة أو المدن التابعة لها، بحرب شعواء لن تنتهي إلا بإنهاء وجود الأمازيغ”، وذلك في بيان نشرته بلدية زوارة، في نوفمبر الماضي.
ويبدو هذا التهديد الصريح بالحرب، من جانب الأمازيغ، استمرارا لرفض سياسة الإقصاء والمُطالبة بفرض هويتهم، وتثبيتها في الدستور الليبي؛ بعد انخراطهم، منذ 2011، في تحالف قادته مدينة صبراتة للإطاحة بالقذافي، الذي كان يُنكر وجود أعراق أخرى في ليبيا. ولذا اختار الأمازيغ الرد على الدبيبة بتحذيرات صارمة، التف حولها كل مكوناتهم في غرب البلاد.
من جانب آخر، محاولة الدبيبة منع الأمازيغ من إدارة المعبر؛ حيث إن هناك أطرافا داخل حكومة الوحدة الوطنية، في العاصمة طرابلس، تتبنى فكرة “حسم الموقف” مع الأمازيغ، كنوع من السيطرة الأمنية والعسكرية على غرب البلاد. وكما يبدو، يأتي حسم الموقف من خلال منع الأمازيغ من التفرد بالسيطرة الأمنية على معبر رأس جدير، وكذلك على معبر ذهيبة وازن، وهما المعبران الحدوديان بين ليبيا وتونس.
وقد تمثل رد الفعل، من جانب الأمازيغ، في اتفاق مكونات المدن الأمازيغية على إعلان حالة الطوارئ بين كافة التشكيلات العسكرية التابعة لها. ومثل هذه التطورات، يمكن أن تؤدي إلى اشتعال “حرب” في غرب ليبيا.
لعل هذا ما يُساهم في عديد من التداعيات السلبية، بخصوص هذا المعبر الهام وكيفية إدارته.. تلك التي يتمثل أهمها في ما يلي:
من جهة، استمرار التوتر بين المكون الأمازيغي والدبيبة؛ حيث تبدو محاولة الأخير في منع أمازيغ ليبيا من الانفراد بإدارة المعبر، هو ما أدى بهم إلى رد فعل حاد وغاضب، على استمرار محاولات تهميشهم، وإقصائهم؛ بل وتحذير الدبيبة من إمكانية اندلاع “حرب” في المنطقة الغربية.
ورغم تراجع قوات غرفة العمليات المشتركة، التي شكلها الدبيبة “إلى مواقعها في مدينة زليطن، بناءً على أوامر المجلس الرئاسي الليبي”؛ فإن احتدام الخلاف حول تشكيل الغرفة الأمنية، والرد الغاضب من مجلس الأمازيغ، ورفض وجود أي قوة مسلحة من خارج مدينة زوارة، سوف يستمر استنادًا إلى إصرار كل من الأمازيغ وحكومة الوحدة على مواقفهما بخصوص إدارة المعبر.
من جهة أُخرى، تمديد تحالفات الجيش الليبي إلى الغرب؛ حيث يأتي التحالف بين قائد الجيش الليبي خليفة حفتر، والقائد العسكري البارز في غرب ليبيا أسامة جويلي، ضمن المسكوت عنه في أسباب التوتر بين عبد الحميد الدبيبة والمكون الأمازيغي؛ فهذا التحالف يُثير مخاوف حكومة الوحدة الوطنية، منتهية الولاية، بإمكانية فقدان السيطرة على بعض المواقع في غرب البلاد، بما في ذلك مناطق الأمازيغ.
في هذا السياق، يُمكن القول بأن أية محاولة من جانب حكومة الدبيبة، لإزاحة القوات الأمازيغية المسلحة من معبر رأس جدير، يُمكن أن تدفع إلى مواجهات عسكرية مفتوحة على كافة الاحتمالات؛ خاصة في ظل إصرار المكون الأمازيغي على إثبات الوجود، بعد تعرضه طويلا للتهميش والإقصاء خلال فترة حكم القذافي التي امتدت أربعين سنة.
بل، تبدو خشية الأمازيغ من استغلال الدبيبة إحكام السيطرة على المنطقة الغربية، بما فيها المناطق الخاصة بهم، لأجل تصفية حسابات قديمة، ومحاولة تهميشهم؛ خاصة أن تفردهم بإدارة معبر رأس جدير، قد أعطاهم مكانة متميزة في الغرب الليبي، لما لهذا المعبر من أهمية، وما يُمثله من بُعد استراتيجي، من خلال ما يُسهم به في تنشيط حركة العبور والتبادل التجاري بين ليبيا وتونس.