رؤى

الاتحاد الأوروبي.. وتحديات الهجرة “غير النظامية” عبر ليبيا

يُعد تطوير البعد الإقليمي، وتعزيز  الحوار و”التعاون” بين ليبيا ودول الساحل، أحد الأهداف الرئيسة للاتحاد الأوروبي، الذي يتطلع إلى مواجهة مشكلة الأمن المعقدة في المنطقة، التي تمر من الصحراء إلى شمال أفريقيا، مع تأثيرات مباشرة على منطقة البحر المتوسط وأوروبا؛ خاصة ما يتعلق بإشكاليات الهجرة غير النظامية وأسبابها، ومحاولة البحث في إيجاد حلول لها.

وهذه المسألة بالتحديد، كانت هي محور المؤتمر “الأوروبي – الأفريقي”، الذي عُقد في مدينة بنغازي، في شرق ليبيا، قبل أكثر من شهر، في 25 مايو الماضي، 2024؛ والذي ُطرح من خلاله عدد من القضايا الخاصة بأساليب مواجهة الهجرة غير النظامية، من الدول الأفريقية جنوب الصحراء، إلى القارة الأوروبية، عبر الأراضي الليبية.

ضمن دوافع الاتحاد الأوروبي، في الاهتمام بالتعاون بين ليبيا ودول الساحل الأفريقي.. تأتي الدوافع التالية:

فهناك أولا، الأولويات الاستراتيجية الأوروبية في تأمين الحدود؛ حيث تتمثل الأولويات الاستراتيجية الجديدة للاتحاد الأوروبي، بالنسبة إلى منطقة الساحل الأفريقي، في ضرورة وجود نهج أكثر شمولية لمواجهة عدم الاستقرار الإقليمي، الذي تتسبب به عوامل كثيرة لاسيما الإرهاب. ورغم أن التركيز الجغرافي الرئيس ينصب على دول الساحل “الخمس”، تشاد والنيجر ومالي وبوركينا فاسو وموريتانيا؛ إلا أن الاستراتيجية التي تتبعها الممثلة الخاصة للاتحاد الأوروبي في المنطقة ديل ري، تركز على سياق إقليمي أوسع يشمل ليبيا.

وتُظهر إحصائيات الأمم المتحدة أن ليبيا تؤوي قرابة 704 آلاف مهاجر، من 43 جنسية، بحسب بيانات جُمعت من 100 بلدية ليبيا، في منتصف عام 2023. ولعل ذلك ما دفع أسامة حماد رئيس الحكومة المُكلفة من قِبل البرلمان، في شرق ليبيا، إلى القول “إن الحلول المستدامة لقضايا الهجرة، لا بد أن تتبناها دول المصدر والعبور، ودول المقصد أو الاستقبال” داعيًا إلى “خلق برامج تطوير وتنمية في دول المصدر، تساعد على توفير حياة آمنة ومستقرة لتفادي خيار الهجرة”.

وهناك ثانيا، أهمية مواجهة الإرهاب وتهريب البشر؛ فمن خلال بعثته للمساعدة الحدودية “يوبام ليبيا”، يسعى الاتحاد الأوروبي إلى المساعدة في تأمين الحدود الليبية، والتصدي للجرائم التي تعبر منها إلى داخل ليبيا، أو إلى دول الجوار بما في ذلك الدول الأوروبية شمال المتوسط. واللافت، هو إشارة رئيسة بعثة “يوبام” ناتالينا تشيا، إلى أن المؤتمر يهدف إلى دعم الأمن والاستقرار الإقليميين، من خلال “تعزيز التعاون عبر الحدود في مكافحة الجرائم الحدودية، خصوصا الإرهاب وشبكات الإتجار بالبشر”.

إلا أن المسئول الليبي في المؤتمر أسامة حماد، أكد على أن “دول الساحل تحتاج اقتصاديا للمساعدات، حتى تستطيع تأمين حدودها الشاسعة، حيث إن السيطرة عليها شبه مستحيلة”. ولم يكتف حماد بذلك، ولكنه أضاف “إن دول الساحل أحوج ما تكون لمساعدة الاتحاد الأوروبي، بأن يمدها بالتكنولوجيا لمراقبة حدود ليبيا الجنوبية، التي لا يمكن تأمينها بسهولة لأنها مترامية الأطراف”.

وهناك ثالثا، التأكيد على مكافحة الجرائم العابرة للحدود؛ إذ إضافة إلى مسألة تأمين الحدود تهدف الاستراتيجية الجديدة للاتحاد الأوروبي إلى تعزيز الاستجابات على المستوى الإقليمي والوطني والمحلي؛ ومن ثم، جاء المؤتمر كفرصة لتسهيل السُبل الممكنة للتعاون الفني بين حكومات ليبيا وحكومات دول الساحل الخمس، وذلك في مجال إدارة وأمن الحدود، وفقا لموقع “ديكود 39” الإيطالي؛ الذي ذكر أيضا أن الاتفاق الرباعي، في عام 2018، لمكافحة الإرهاب والإتجار غير المشروع وتهريب البشر، الذي وقعته ليبيا وتشاد والنيجر (والسودان)، يُعد مثالا على هذا الإطار العملي.

تشكل منطقة الساحل الأفريقي معضلة أمنية تكاد تستعصي على المقاربات الأمنية المعتادة، إلى الدرجة التي يمكن معها وصف المنطقة بأنها بمثابة مُركّب أمني بالغ التعقيد والتشابك. وقد أضاف انهيار الدولة في ليبيا، منذ عام 2011، إشكاليات أخرى، إلى الإشكاليات التي تتسبب بها منطقة الساحل.

وهكذا، فإن ثمة إشكاليات هيكلية تُمثل معوقات أمام المقاربة التي يحاولها الاتحاد الأوروبي من أجل التعاون بين ليبيا والساحل.. لعل أهمها ما يلي:

من جهة، تبدو التحديات الاقتصادية وهشاشة الوضعية الاجتماعية؛ إذ تواجه مجتمعات الساحل الأفريقي مجموعة مترابطة من التحديات الاقتصادية، مع الأزمات المتكررة والضغوط المتزايدة على الأراضي والموارد والتوظيف، ما يجعل هذه الدول من بين أكثر الدول ضعفا في العالم. وتُعد المناطق التي استطاعت الجماعات المتطرفة، التي تمارس العنف المسلح، التغلغل فيها، من بين أكثر المناطق تهميشا ومعاناة من حيث الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

وفضلا عن التدهور البيئي وتغير المناخ، الذي أضاف طبقة من الضعف إلى بيئة اقتصادية هشة بالفعل؛ فإن المنطقة تعاني كذلك، من غياب مفاهيم الحكم الرشيد والتنمية المستدامة. إذ عادة ما تركز النخبة السياسية على ديناميات القوة في العاصمة، أكثر من التركيز على التنمية على المستوى الوطني. لذلك لم يكن من الغريب أن تتراجع تشاد والنيجر ومالي كأمثلة لسنوات عديدة، إلى ذيل دليل التنمية البشرية للأمم المتحدة، الذي يقيس المؤشرات الأساسية، مثل: الصحة والتعليم ومستوى المعيشة.

من جهة أخرى، تتسم المنطقة بانتشار الجماعات المسلحة والميليشيات العرقية؛ التي تشمل حركات التمرد، وشبكات الجريمة المنظمة، وجماعات تهريب البشر؛ وفوق ذلك جماعات التطرف والإرهاب.

والملاحظ، أن الخطوط بين هذه المجموعات لا تكون واضحة تماما؛ حيث تظهر التحالفات وتتفكك اعتمادا على طبيعة المصالح والشخصيات، والسياق السياسي والأوسع. وتشهد منطقة الساحل أيضا العديد من الجماعات المسلحة التي تشكلت حول الهويات العرقية والعشائرية، أو حول أجندات سياسية وطنية أوسع.

من جهة أخيرة التنافس الدولي وتباين المقاربات الأمنية؛ فقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية هي أول جهة خارجية أطلقت مبادرة أمنية إقليمية، في نهاية 2002؛ حيث أطلقت عليها اسم مبادرة “عموم الساحل” بهدف “حماية الحدود، وتتبع حركة الأشخاص، ومكافحة الإرهاب”. وفي عام 2005، أطلقت الولايات المتحدة مبادرة “مكافحة الإرهاب عبر الصحراء” (التي أُعيد تسميتها في ما بعد بـ”الشراكة عبر الصحراء لمكافحة الإرهاب”)، بهدف تعزيز حوكمة الأمن الإقليمي، وتوسيع النطاق الجغرافي لمبادرة الأمن الدولية، وتوسيع عضويتها لتشمل دولا عربية وأفريقية، من خارج دول الساحل.

في هذا السياق يمكن القول بأن منطقة الساحل الأفريقي قد أضحت ميدانا لتدافع القوى الدولية، والإقليمية أيضا بأجنداتها المختلفة؛ إذ إن الاستراتيجية الأمنية للولايات المتحدة تختلف عن المقاربات الأوروبية والفرنسية مثلا؛ ما أنتج تنافسا في المنظورات الأمنية الدولية تجاه المنطقة، مع الاختلاف الحاصل، في الوقت نفسه، بين التفاعلات الإقليمية. ففي الوقت الذي ترفض فيه الجزائر، كمثال المقاربة الأمريكية بإنشاء القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم)، فإن هناك ترحيبا من دول أفريقية أخرى، تعتبر نفسها شريكا للولايات المتحدة.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock