استقبل المصريون إجازة أمس الخميس، المُرَحَّلة من يوم الثلاثاء، ذكرى ثورة يوليو1952، المجيدة التي ما زال الجدل حولها وحول قائدها دائرا إلى يومنا هذا دون كلل!- بصدمة رفع لجنة تسعير الوقود؛ لأسعار كافة المحروقات، للمرة الثانية هذا العام.
نسب الارتفاعات بلغت في أعلاها 15 % وكانت من نصيب السولار، صاحب التأثير الأكبر في مجالي قطاع الانتاج والنقل.. كما تجاوزت نسب الارتفاعات في أغلبها الحد الأقصى المحدد سلفا للزيادة في المرة الواحدة؛ رغم تراجع سعر خام برنت، في بورصة لندن صباح أمس بنحو 0.61 دولار، كما تراجع سعر خام لايت في بورصة “نايميكس” بنيويورك بقدر 0.64 دولار، وتعتمد لجنة التسعير في عملها على متوسط سعر خام برنت، وسعر صرف الدولار مقابل الجنيه!
ارتفع لتر بنزين80 بنسبة 11.4% ليصل إلى 12.25 جنيه، وارتفع سعر لتر بنزين92 بنسبة 10% ليصل إلى 13.75 جنيه، بينما وصل سعر لتر بنزين 95 إلى 15 جنيها، كما ارتفع سعر لتر السولار بنسبة 15% ليصل إلى 11.5 جنيه، وارتفع الكيروسين بنفس النسبة والقيمة. كما زاد سعر المازوت الصناعي بنسبة 13% ليصل إلى 8500 جنيه للطن الواحد.
وتتوقع الحكومة أن تؤدي هذه الزيادة إلى توفير 36 مليار جنيه في ميزانية العام المالي الحالي 2024/2025، بينما توقّع خبراء أن ترتفع معدلات التضخم بعد الزيادة بين 2% و5% وهو ما يزيد احتمالات اضطرار الحكومة لرفع الرواتب والمعاشات والحد الأدنى للأجور مجددا.
وتستهدف الحكومة المصرية التخلص نهائيا من دعم المواد البترولية بنهاية 2025.
وقد ربط البعض بين توقيت رفع أسعار الوقود، وموعد نظر صندوق النقد الدولي، في اجتماع مجلسه التنفيذي في أمر صرف الشريحة الثالثة من القرض المقدم لمصر بقيمة 8 مليار دولار، والمُزمع انعقاده في 29 يوليو الجاري، بعد تأجيل دام 19 يوما، وهو التأجيل الذي أكد كثيرون أنه حدث لحين رفع أسعار الوقود، وهي أحد الاشتراطات الهامة من جانب الصندوق.
كما ربط آخرون بين ارتفاع أسعار الوقود، وتوقف تخفيف أحمال الكهرباء الذي استمر لنحو عام، بسبب عجز الحكومة عن توفير الغاز المسال بكميات كافية لتشغيل محطات الكهرباء؛ لأسباب تعود في معظمها إلى الوضع الإقليمي المضطرب، وهو ما دفع الحكومة إلى تخصيص نحو 1.2 مليار دولار في موازنة العام المالي الحالي لتأمين احتياجات البلاد من زيت الوقود والغاز الطبيعي.. قبل إقرار رفع أسعار الكهرباء لمختلف الشرائح، للمرة الثانية خلال العام الحالي.
وكالعادة انطلقت وسائل الإعلام والمواقع الحكومية لتبرير الزيادة الكبيرة في أسعار المحروقات- بالزعم أن مصر ما زالت تُعد من أرخص بلاد العالم في أسعار الوقود، وبالطبع دون التطرق إلى المقارنة بين متوسط الدخل في مصر وفي البلاد الأخرى محل المقارنة. إذ تأتي مصر في المرتبة قبل الأخيرة عالميا بين الدول الأكثر تدنيا في الأجور بمتوسط شهري يقدر بـنحو 117.85 دولار، وهو ما يؤثر بشكل كبير على القدرة الشرائية للمصريين مع الارتفاعات الأخيرة.
لم يتوقع غالبية المصريين أن تأتي حكومة مدبولي الجديدة؛ بخلاف ما أتت به القديمة، فنفس النهج ما زال قائما، وهو نهج يعتمد نفس السياسات العاجزة عن إيجاد حلول جادة للأزمات المتلاحقة التي تمر بها البلاد، كما أنه نهج يعتمد إلقاء اللوم على الأوضاع الإقليمية والدولية وثقافة المواطن المصري الذي لا يعرف الاقتصاد في الاستهلاك؛ ولا يتورع عن “سرقة الكهرباء” فيتسبب بسلوكياته تلك في حدوث المشكلات.. وهو نهج -للأسف- لا يؤدي أبدا إلى تقدم أو خروج من عنق الزجاجة الذي طال زمن البقاء فيه.