رؤى

من أبو جهاد وأبو علي مصطفى إلى “أبو العبد”.. دلالات المشهد والشهادة!

بدا مشهد اغتيال العدو  الإسرائيلي للقائد الفلسطيني المناضل إسماعيل هنية (أبو العبد) مشهدا حافلا بالدلالات لذوي البصيرة.

وفي مقدمة هذه الدلالات، نموذج القيادة الذي شكله أبو العبد؛ وهو امتداد بشكل أو بآخر لقيادات مناضلة سابقة في مجال العمل الفلسطيني المقاوم -رغم الاختلاف الحركي والتنظيمي – أبو علي مصطفى و(أبو جهاد) خليل الوزير.

والمقصود هنا نموذج القيادة الملتحمة بشعبها، غير المنعزلة عنه في برج عاجي أو في مكاتب مكيفة.

أتى استشهاد أبو العبد؛ ليكون خير رد على من شككوا في قيادة المقاومة، في معركة طوفان الأقصى، الدائرة رحاها على أرض غزة، منذ أكثر من عشرة أشهر، وكالوا لها اتهامات التخلي عن شعب غزة المحاصر، وإدارة المعركة من فنادق فارهة.

وتناسى هؤلاء.. أن أبا العبد، لم يبخل بأفراد عائلته -بما فيهم عدد من أولاده وأحفاده- على قضية بلاده؛ فسبقوه إلى الشهادة؛ وتقبّل هو نبأ فراقهم بنفس راضية، قبل أن ينال الشرف ذاته.

ثانيا: كان مشهد تشييع الشهيد، في كل من العاصمة الإيرانية طهران، في موكب مليوني مهيب، ثم في العاصمة القطرية الدوحة – تأكيدا على مبدأ جسّده أبو العبد  -على مدى سنوات طوال- وهو وحدة الأمة وتجاوز الخلافات المذهبية والطائفية

مادامت مضبوطة علي بوصلة فلسطين وبوصلة المقاومة.

لم يبد أبو العبد طيلة سنوات قيادته، لواحد من أبرز فصائل المقاومة الفلسطينية- أي غضاضة في مد جسور التواصل مع طهران، ومع حلفائها من فصائل مسلحة تنتمي إلى المذهب الشيعي؛ متجاهلا سهام النقد الذي وجهتها له فصائل سنية أخرى، تنتمي إلى ما يعرف بـ”الاسلام السياسي” بسبب هذا التوجه تحديدا.

كانت القاعدة عند أبي العبد، هي الالتقاء على أرضية (المقاومة ومقارعة الاحتلال) مؤمنا أن هذه الأرضية يمكنها أن تُقرّب  بين الفصائل المختلفة، أيا كانت انتماءاتهم المذهبية.

وكما جسّد أبو العبد هذا التوجه في حياته؛ جسدته جنازته -بعد استشهاده- فجمعت صلاة الجنازة على جسده في طهران بين قيادات إيران (الشيعية) وقادة الفصائل الفلسطينية (السنية) وجمعت بين الفرس والعرب؛ في سابقة تاريخية.

أما تشييعه في الدوحة؛ فشهد تجاوزا لعامل تفرقة آخر هو القُطرية الضيقة.. حيث شارك في جنازته المئات من جنسيات عربية مختلفة، وبدا أن المشيعين -على اختلاف جنسياتهم- قد أجمعوا على أبي العبد كرمز من رموز المقاومة.

ثالثا: أكد استشهاد أبي العبد، على ظاهرة متكررة في مسيرة المقاومة الفلسطينية، الممتدة منذ ما قبل نكبة عام ١٩٤٨، وحتى اليوم.. وهي أن اغتيال القيادات لا يعني -مطلقا- توقف العمل المقاوم، كما يُمنِّي العدو نفسه في كل مرة؛ ينفذ فيها اغتيالا كهذا، ويسوّقه لجمهوره كإنجاز عسكري واستخباراتي؛ بل لعلها تزيد المقاومة ضراوة وشراسة لأنها تجعل منها وسيلة للثأر لتلك القيادات التي اغتيلت على يد العدو غيلة وغدرا.

بل لعل كاتب هذه السطور لا يبالغ إن قال أن سياسة الاغتيالات الصهيونية تأتي بنتائج عكسية؛ فكتائب أبو علي مصطفى، في وضع أقوى اليوم مما كانت عليه يوم اغتيال القائد الذي تحمل اسمه، وسرايا القدس اليوم تبدو أقوى مما كانت عليه يوم اغتيال القائد المؤسس فتحي الشقاقي.

أما كتائب عز الدين القسام فتشي تسجيلاتها المصورة الأخيرة التي ترصد عملياتها المسلحة  وعمليات مقاتليها في قطاع غزة بحالها وهم يوقعون يوميا بجنود الاحتلال وجيش الإبادة الجماعية في كمائن تحمل اسم الشهيد إسماعيل هنية ويصيح قناصوها وهم يحصدون برصاصهم جنود العدو “لعيونك يا أبا العبد”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock