رؤى

غرب ليبيا.. وإشكاليات التوتر العسكري

يدفع تحرك الوحدات العسكرية التابعة للجيش الليبي، الذي يقوده المشير خليفة حفتر، باتجاه مناطق في الجنوب الغربي، إلى إشعال بؤرة توتر إقليمية ونزاع داخلي يخلط أوراق البلاد والمنطقة التي تجاور ليبيا عموما. ورغم تأكيد رئاسة أركان الجيش الليبي بأن تحرك هذه الوحدات لا يستهدف أيا من دول الجوار (الجزائر وتونس) إلا أن التوتر العسكري بات هو سيد الموقف، على الأقل في منطقة غرب ليبيا.

وبالتالي، بينما كانت ليبيا على وشك الدفع بحكومة جديدة، تحاول توحيد شرقي وغربي البلاد، تمهيدا لإجراء انتخابات والخروج من الأزمة المستمرة، بات البلد العربي الأفريقي على أبواب “انتكاسة”، قد تؤدي إلى المزيد من التقسيم الحاصل على الساحة السياسية والأمنية هناك؛ وذلك في ظل التحشيد العسكري الحاصل، سواء من جانب وحدات الجيش الليبي، أو من قوات أخرى تابعة لحكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية، التي يترأسها عبد الحميد الدبيبة.

بات المشهد العسكري والسياسي في ليبيا مشوبا بالكثير من التوتر والمخاوف من انهيار الأوضاع الأمنية في البلاد، في حال الاحتكاك العسكري المحتمل بين القوات الموالية للجيش الوطني الليبي، والقوات التابعة لحكومة الدبيبة.

ومن ثم، يبدو أن هذه الخطوة تتضمن عددا من الأبعاد الأمنية.. كالتالي:

من جانب، تأكيد تحالفات الجيش في الغرب؛ فمن الملاحظ أن الكتيبة “17 حرس حدود”، التي تُسيطر على معبر الدبداب البري بين ليبيا والجزائر، كانت قد أعلنت قبل أيام، حالة النفير العام للقوة المساندة لها بهدف مواجهة قوات اللواء “444” ومنعها من التقدم إلى غدامس. وكانت الكتيبة “17 حرس حدود”، التابعة لقوات آمر المنطقة العسكرية بالجبل الغربي، اللواء أسامة

جويلي، المتحالف مع الجيش الليبي- قد أعلنت إصابة اثنين من عناصرها، في عملية لمواجهة المهربين في المثلث الحدودي بين ليبيا وتونس والجزائر.

وكما يبدو، يأتي تحرك قوات من الجيش الليبي في اتجاه الجنوب الغربي الليبي، نوعا من تأكيد التحالف مع قوات اللواء أسامة الجويلي؛ خاصة أن القوات التابعة للجيش الليبي، هي وحدات موضوعة تحت الإشراف المباشر لصدام حفتر نجل المشير حفتر.

من جانب آخر، استنفار الميليشيات في غرب ليبيا؛ حيث رفعت القوات الموالية لحكومة الوحدة الوطنية، التي يترأسها عبد الحميد الدبيبة، درجة التأهب واستعداد قواتها تحسبا لهجوم محتمل من قوات الجيش الليبي. وقد تحدث آمر “قوة الإسناد بعملية بركان الغضب”، الموالية لحكومة الوحدة، الخميس 8 أغسطس الجاري، عن انطلاق حشود عسكرية من مصراتة إلى العاصمة طرابلس.

واللافت، أن هذا التطور الحاصل يأتي وسط أجواء من التوتر في العاصمة طرابلس، إثر خلاف نشب على رئاسة المجلس الأعلى للدولة، بين رئيسه المنتهية ولايته محمد تكالة، ورئيسه السابق خالد المشري؛ هذا فضلا عن أمر النائب العام باعتقال وزير النفط والغاز المُكلف بحكومة الدبيبة، خليفة عبد الصادق.

من جانب أخير، السيطرة على معبر “الدبداب” الحدودي؛ إذ بالرغم من أن رئاسة أركان الجيش الليبي لم توضح وجهة قواتها العسكرية، لكنها أكدت أن هذا التحرك يأتي بتوجيهات من القائد العام، خليفة حفتر “في إطار خطة شاملة لتأمين الحدود الجنوبية، من خلال تكثيف الدوريات الصحراوية، والرقابة على الشريط الحدودي مع الدول المجاورة”.

وفي المقابل، رجحت تقارير إعلامية محلية إمكانية شن قوات الجيش الليبي هجوما على مدينة غدامس، التي تقع في أقصى غرب ليبيا، على بعد 543 كيلو مترا جنوب غرب العاصمة طرابلس، وذلك بهدف بسط نفوذها على معبر “غدامس – الدبداب” الحدودي مع الجزائر.

مثل هذا التحشيد العسكري، في الوقت الذي يدفع فيه إلى التساؤل حول احتمال المواجهات العسكرية بين الجانبين، وتكرار سيناريو معركة الكرامة في عام 2019، التي نفذها الجيش الليبي في محاولة للسيطرة على العاصمة طرابلس؛ إلا أنه يؤشر أيضا إلى رغبة فرقاء سياسيين في إعادة خلط الأوراق، للحؤول دون أي تقدم في اتجاه بلورة حل للأزمة المتفاقمة منذ عام 2011.

وبالتالي.. يدفع هذا الوضع، ليس فقط إلى التدخلات الإقليمية والدولية، ولكن أيضا إلى استدعاء الدور التركي في غرب ليبيا.

من جهة الدفع إلى التدخلات الإقليمية والدولية؛ فإن تحرك بعض قوات الجيش الليبي نحو الجنوب الغربي الليبي، وتحديدا نحو مدينة غدامس، يمكن أن يضع المنطقة الغربية كلها على حافة بركان من التوتر، ومن التدخلات الإقليمية والدولية. فالجزائر مثلا ترفض أي تواجد لقوات الجيش الليبي في المنطقة الحدودية معها، خاصة أنها اختارت منذ البداية التقارب مع معسكر غرب ليبيا، نتيجة الاقتراب الحدودي معها.

أضف إلى ذلك، أن التوترات الحاصلة قرب غدامس تُعد جزءا من الصراع الدولي في منطقة الساحل الأفريقي، التي تأتي ليبيا على تماس حدودي مع دولها. وبالتالي، تُعبر التوترات الحاصلة هذه عن محاولة كل طرف، في الداخل الليبي، في السعي إلى تعزيز قواته عبر حلفائه العسكريين، بقصد إحكام السيطرة على غدامس، ومطارها ومعبرها البري، لفتح نافذة حدودية جديدة على منطقة الساحل الأفريقي.

أما من جهة استدعاء الدور التركي في غرب ليبيا؛ فيمكن أن تؤدي التوترات الحاصلة في منطقة جنوب غرب ليبيا، إلى استدعاء الدور التركي، على غرار ما حدث من قبل عام 2019، باعتبار أن تركيا تتماهى مع مصالح القوى الغربية الدولية في غرب ليبيا، لاسيما أن تركيا ما تزال تضطلع بدور مباشر في ضبط المسألة الأمنية والعسكرية في المناطق الخاضعة لحكومة الدبيبة.

هذا، فضلا عن أهمية ليبيا للأيديولوجية التركية الجديدة؛ إذ إضافة إلى اعتبارات المصالح التي تستهدفها تركيا من فرض وجودها في الغرب الليبي، فإن ليبيا تُعتبر ركيزة محورية لتركيا لأسباب “أيديولوجية”، كما هي لأسباب “اقتصادية”.. فهي ساحة يتنافس فيها لاعبون متعددون على تمثيل “الإسلام السني”؛ حيث إن تركيا التي هي المركز السابق للخلافة العثمانية، تواجه على الساحة الليبية: مصر التي تُعد المركز السني بعد انهيار سلطة العثمانيين، وكذلك المحور السني المُتشكل بمشاركة دول الخليج العربية.

في هذا السياق، يمكن القول بأن وجود تحركات عسكرية غير مسبوقة في غرب ليبيا، من جانب القوات والميليشيات التابعة لحكومة الدبيبة، تحسبا لكافة الاحتمالات الناتجة عن التحركات العسكرية لبعض قوات الجيش الليبي، في مناطق الجنوب الغربي من البلاد، يُنذر بإمكانية  العودة بالبلاد إلى مربع “المواجهات المفتوحة” على كافة الاحتمالات.

ولعل أهم هذه الاحتمالات، هو تنامي “التوتر الأمني” والتوجه إلى سيناريو التقسيم “الرسمي” للدولة الليبية، في ظل ما تشهده ليبيا من أزمة سياسية متصاعدة، نتيجة وجود حكومتين في البلاد، واحدة مُكلفة من البرلمان، والأخرى منبثقة عن اتفاقات سياسية رعتها الأمم المتحدة.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock