عندما قرر أبو علي مصطفى، العودة إلى فلسطين بعد اتفاقيات أوسلو- اتهمه البعض بأنه وضع السلاح ورضي بالخيار السلمي.. لكنه قال قولته الخالدة “عدنا لنقاوم لا لنساوم” ولم يقف الأمر عند حدود القول، إذ أخذ المناضل يسابق الزمن في إعادة بناء التنظيم، وإعداده ميدانيا والاستعداد لبدء عمليات المقاومة من الداخل المحتل.
خلال أربع سنوات من(1996-2000) لم يتوقف أبو على مصطفى عن التخطيط لعمليات تستهدف قوات الاحتلال في القدس ويافا وغيرها من بقاع الوطن.. ما دفع الدولة العبرية لاتهامه صراحة بالمسئولية المباشرة، عن عمليات تفجير في القدس وتل أبيب وبالقرب من مطار اللد.
كان أبو علي هدفا للاغتيال من الموساد قبل عودته عام1996، بعد نفي استمر 32سنة، فبعد الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982، دبّر الموساد أول محاولة لاغتيال مصطفي عندما ترك أحد عملائهم سيارة مفخخة أمام البناية التي كان يقطنها مصطفى بمنطقة الكولا.. لكن حرَّاسه اليقظين كشفوا الأمر مبكرا، لينجو الرجل من تلك المحاولة.
هناك محاولة أخرى نفذها الموساد وباءت بالفشل أيضا في منطقة غور الأردن.. بعد تحديد السيارة التي كان يستقلها مصطفى، واستهدافها بقصف مدفعي كثيف.. ألقى بطلنا بنفسه من السيارة واختبأ في المزارع المجاورة.. كان العدو على يقين أنه نجح في مهمته الدنيئة.. لكنه فوجئ أن أبو علي على قيد الحياة، ولم يصب بسوء بعد أن احترقت سيارته تماما.
رحلة المنفى بدأت وهو في الثانية عشرة، عندما اضطرت الأسرة للانتقال إلى عَمَّان عام 1950، وهناك تعلم أبو علي في المدارس الأردنية، وعندما بلغ السابعة عشرة انضم إلى حركة القوميين العرب.
نشاط الفتى في الحركة لفت إليه الأنظار، وجعله هدفا للسلطات الأردنية أيضا.. فبعد إعلان الأحكام العرفية في الأردن عام 1957، ألقي القبض على أبو علي مصطفى وحوكم عسكريا، وحكم بالسجن خمس سنوات في سجن الجفر، بصحراء الأردن.
الشاب الذي مارس العمل مبكرا بين الكادحين في مهن عديدة.. نجارا وعاملا في مصنع زجاج ثم في مصنع كرتون.. لم يبرح خندقه في صفوف البسطاء حتى آخر يوم في حياته.. فلقد كان للطبقة العاملة الدور الأكبر في صياغة فكر مصطفى وشخصيته ومنهجه في الحياة.. كما عُرف بزهده وبساطته وتواضعه الشديد، وكان وحدويا بحق.. ينبذ الخلاف، ويُعلي قيمة النضال الوطني الذي رأى أنه القاسم المشترك بين كل الفصائل الفلسطينية مهما اختلفت أيدولوجياتها.
بعد سنوات من خروجه من المعتقل تزوج أبو علي من رفيقة دربه السيدة العظيمة أم هاني في 23 يوليو 1964، وقال أنه اختار عيد الثورة المصرية الثاني عشر ليكون يوم زواجه؛ محبة بزعيم الأمّة جمال عبد الناصر، الذي رحّب به في العام التالي في القاهرة؛ ليلتحق مصطفى بمدرسة أنشاص العسكرية ليتخرج فيها ضباطا فدائيا بعد عام.
ثم كانت العودة إلى جنين (مسقط رأسه) لقيادة الحركة هناك، والاستقرار أسريا لبعض الوقت، وممارسة عدد من الأنشطة التجارية، لكنه اعتقل عام 1966، بعد أحداث معركة السموع جنوب مدينة الخليل، وبقى في السجن عدة أشهر، وخرج بعد هزيمة يونيو 1967.
وفي عام 1969، حدث خلاف داخل الحركة.. وتمسَّك أبو علي بالخط القومي التاريخي للجبهة الشعبية، ووقف ضد مجموعة نايف حواتمة وعبد الكريم حمد وياسر عبد ربه وقيس السامرائي.. إلى أن كان انشقاقهم عن الحركة، وتأسيسهم الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.
ظل الرجل طوال مسيرته النضالية والسياسية إلى جانب حبش والقيادة الأولى لحركة القوميين وديع حداد وهاني الهندي وحبش وأحمد الخطيب وحامد الجبوري وصالح شبل، وإلى جانب القادة الجدد أمثال أحمد اليماني وغسان كنفاني وتيسير قبعة.
وعندما أعلنت الجبهة الشعبية في مؤتمرها الثالث عام 1972، أنها تتبنى الماركسية اللينينية.. لم يُعر مصطفى الامر كبير التفات.. فلقد كان يرى أن المسائل التنظيرية تأتي تالية بعد الحركة على الأرض.. والأهم ما يجمّع ويوسع رُقعة المشترك الكفاحي.
قاد أبو علي مصطفى عمليات تهريب السلاح والأفراد إلى الداخل الفلسطيني عبر نهر الأردن إلى الداخل، وإعادة بناء التنظيم ونشر الخلايا العسكرية، وتنسيق النشاطات ما بين الضفة والقطاع. وكان ملاحقا من الاحتلال واختفى عدة أشهر بالضفة بدايات تأسيس الجبهة، وتولى مسئولية الداخل في قيادة الجبهة الشعبية، ثم أصبح المسئول العسكري لقواتها بالأردن إلى عام 1971.
شارك أبو علي في معركة الكرامة عام 1968، ومواجهات “أيلول الأسود” 1970. ثم غادر الأردن سرا إلى لبنان عام 1971.
وأثناء وجوده في لبنان، شارك أبو علي في مقاومة الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، وخرج مع عناصر المقاومة الفلسطينية إلى سوريا، ورأس وفد الجبهة الشعبية في حوارها مع حركة التحرير الوطني (فتح) في عدن والجزائر عام 1984، وفي بلغاريا عام 1987، وأصبح عضوا بالمجلس المركزي، وعضوا باللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بين عامي 1987 و1991.
لم يتخل المناضل الشهيد أبو علي مصطفي عن نهجه المقاوم، وعمل على وحدة الصف واستمرار الأعمال الفدائية والعسكرية ضد العدو الصهيوني في الداخل والخارج؛ لكنه كان يرى أن العمليات في الداخل أقوى وأبعد أثرا؛ لما لها من دور في إشعال الثورة ضد المحتل الغاصب.
وفي مثل هذا اليوم من عام 2001، قصفت طائرات العدو مكتب أبو علي مصطفى في مدينة رام الله.. ليرتقي شهيدا بعد أن قدم القدوة والمثل لكل مقاوم شريف.. مخلدا اسمه في سجلات الفخر والعزة إلى جانب أسماء شهدائنا الكرام الذين ما زالوا يرتقون إلى يومنا هذا بآلة الإجرام الصهيونية في غيبة الضمير العالمي.. وموت الضمير العربي.