رؤى

الاتحاد الأوروبي ودعم الاقتصاد المصري.. بين الإقدام والإحجام!

نظرا للأهمية الكبرى للدور المصري في الحرب الدائرة في قطاع غزّة بين قوات الاحتلال الصهيوني الإجرامي، والمقاومة الفلسطينية الباسلة- تحركت أطراف عدّة على المستوى الإقليمي والدولي؛ لخطب ود مصر ومحاولة استرضائها بكافة الطرق؛ ما أعاد للدور المصري زخمه وقوته بالإضافة إلى الإدارة الحازمة للأزمة من جانب الدولة المصرية التي وضعت الأمن القومي المصري على رأس أولوياتها، مع التأكيد على الوقوف مع الحق الفلسطيني، وعدم الموافقة على أي إجراء يكون من شأنه إضعاف القضية أو إهدار الحقوق الفلسطينية، وعلى رأس تلك الممارسات المرفوضة، جاء تهجير أهالي القطاع إلى سيناء، ولو بصفة مؤقتة لحين انتهاء العمليات العسكرية؛ كما زعم بعض ساسة وإعلامي الكيان الغاصب.

على رأس تلك الكيانات التي تحاول تعميق علاقاتها مع مصر- جاء الاتحاد الأوروبي الذي كان قد أصدر بيانا منذ نحو عام بشأن حقوق الإنسان في مصر- كان محل رفض واستهجان النظام المصري.

في سبيل دعم الاقتصاد المصري المأزوم منذ الربيع الماضي- وبدعوى مساعدة مصر في مواجهة التداعيات الناتجة عن الصراع الدائر على حدودها الشرقية، من المقرر أن يُقدّم اقتراح بخطة استثمارية تهدف إلى ضخ 9 مليارات يورو (9.8 مليار دولار) في قطاعات مثل: المبادرات الرقمية والطاقة والزراعة والنقل.. كما يتضمن المقترح عمل منتدى استثماري يُعقد في الربيع القادم.

يسعى الاتحاد الأوروبي أيضا إلى تعميق علاقاته بمصر من أجل حث الدولة المصرية على مضاعفة جهودها في ما يخصُّ منع الهجرة غير الشرعية لأوروبا عبر المتوسط.. وهي من أهم القضايا التي تشغل دول الاتحاد الأوروبي، لما تمثّله من ضغوط متزايدة ليس على المستوى الاقتصادي فحسب؛ بل في أكثر من جانب.. وتُشكّل مصر مركز الثقل في قضية المهاجرين، بوصفها الأولى بين دول الشمال الإفريقي من حيث عدد السكان.

لكن هناك أمور تعوق -إلى حد ما- هذا التقارب، يأتي على رأسها أدوار وتصريحات رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين الوزيرة الألمانية السابقة، والتي كانت قد أعلنت عن دعمها غير المشروط للدولة العبرية، وذلك أثناء زيارتها للكيان المحتل عقب الضربة القوية التي وجهتها المقاومة الفلسطينية للعدو صباح السابع من أكتوبر الماضي، ما أثار غضب وانتقاد الكثيرين، حتى أن موظفي الاتحاد الأوروبي في جميع أنحاء العالم كتبوا رسالة إلى فون دير لاين، ينتقدون فيها “دعمها غير المشروط” لإسرائيل.. وقد جاء في الرسالة التي كشفت عن انقسامات عميقة داخل الكتلة الأوروبية، حول كيفية التعامل مع الحرب، إن الاتحاد الأوروبي “يفقد كل مصداقيته باعتباره “وسيطا عادلا ومنصفا وإنسانيا”.

الرسالة الموقعة من 842 مسئولا، اتهمت المفوضية الأوروبية صراحة بإطلاق اليد لتسريع وشرعية جريمة حرب في غزة، حيث قُتل أكثر من 4000 شخص في أقل من أسبوعين. وجاء في الرسالة نصا: “إننا لا نرى قيم الاتحاد الأوروبي في اللامبالاة الظاهرة التي أظهرتها مؤسستنا خلال الأيام القليلة الماضية تجاه المذبحة المستمرة ضد المدنيين في قطاع غزة”.

كانت رئيسة المفوضية الأوروبية قد أجرت محادثات مع الرئيس المصري مطلع الشهر الجاري؛ لمناقشة التطورات في الشرق الأوسط، والوضع الإنساني في غزة.. عقب عقد الرئيس المصري مؤتمرا أنهى أعماله في الحادي والعشرين من أكتوبر الماضي حول الأزمة في غزة.

فهل يستطيع الطرفان تجاوز نقاط الخلاف، وتقريب الرؤى حول هذه الملفات الشائكة، أم سيُحجم الطرف الأوروبي عن دعم مصر؛ بحجة تشبث النظام المصري ببعض الأمور التي يراها مبدئية ولا تقبل المساومة، في ظل ممارسات أوروبية؛ يرى كثير من المصريون أنها تعتبر تدخلا سافرا في شئونهم الداخلية؟

يبدو أن الطرفين ليس لديهم ترف التمترس حول مواقف حدّية؛ لذلك من المتوقع أن يبادر الأوروبيون بتفعيل المقترح المذكور في أقرب وقت ممكن؛ فلربما تكون تلك الخطوة في المسار الصحيح الذي يدفع الوضع المتفاقم إلى الانفتاح على حلول أكثر نجاعة؛ هذا إذا ما تراجع الكيان الغاصب -المهزوم فعليا بكل المقاييس على الأرض- عن بطشه الوحشي الجنوني بالمدنيين من سكان القطاع، مفسحا المجال للقوى الأكثر تعقلا؛ لإنهاء تلك المأساة المروعة التي فاقت الجرائم الصهيونية السابقة بشاعة وفُجرا.. في ظل تواطؤ دنيء من القوى الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.

ماهر الشيال

باحث وكاتب ومحرر مصري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock