رؤى

دارفور.. ودوافع نقل الصراع إلى غربي السودان

تجددت المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، خلال الأيام القليلة الماضية، في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور غربي السودان؛ وتصاعدت حدة المعارك بين الطرفين، حيث استخدم طرفا الصراع المسيرات والصواريخ والمدفعية الثقيلة، والطيران الحربي.. ما أسفر عن مقتل وإصابة العشرات من أبناء الإقليم.

ومع توسع نطاق الصراع الدائر منذ 15 أبريل من العام الماضي، وتمدده ليصل إلى إقليم دارفور، يثور التساؤل حول “مغزى” انتقال الصراع، أو نقله إلى الإقليم. وكما يبدو، فإن ثمة أهداف ومقاصد للجيش السوداني، في محاولة نقل الصراع إلى الأطراف بعيدا عن العاصمة، لتخفيف الضغط عليها؛ وفي الوقت نفسه، لا يخلو الأمر أيضا، من دوافع للدعم السريع في انتقال الصراع، أو جزء منه، إلى الإقليم، حيث الانتماء القبلي ونافذة الإمداد اللوجيستي عبر الجوار السوداني.

ثمة دوافع متعددة، سواء للجيش السوداني، أو للدعم السريع، في نقل الصراع إلى إقليم دارفور؛ ويتبدى أهم هذه الدوافع كما يلي:

أولا يتميز إقليم دارفور الذي كان في أحايين كثيرة بؤرة الصراعات في السودان، بتنوعه العرقي. إذ إن الإقليم بتداخلاته الإثنية وامتداداته القبلية الخارجية، يُمثل تاريخيا أحد أهم الأرقام الصعبة في أي صراع يشهده السودان، وطالما وظّفت التركيبة القبلية لهذا الإقليم في توجيه الصراعات الداخلية السودانية.

ومن ثم، فهذا التنوع يُمثل دافعا للدعم السريع في الاعتماد بشكل كبير على المكونات العربية في الإقليم، بينما يحاول الجيش استغلال هذا التنوق العرقي لصالحه. لذا فإن نقل الصراع إلى دارفور يعد استغلالا للتركيبة السكانية لتحقيق مكاسب عسكرية وسياسية؛ حيث إن جنرالات الجيش يحاولون استقطاب القبائل الأفريقية إلى جانب القوات المسلحة، لإضعاف حواضن الدعم السريع من القبائل العربية، التي ينتمي إليها أغلب مقاتلي الدعم.

ثانيا، الاستفادة من الجغرافيا الوعرة التي يتسم بها الإقليم؛ حيث إن مثل هذه الطبيعة الجغرافية تعطي القوات شبه النظامية، مثل الدعم السريع، ميزة تنافسية في مواجهة الجيش النظامي، أي الجيش السوداني. فالاستفادة من الطبيعة الجبلية والشاسعة للإقليم، تتيح لتلك القوات مرونة الحركة وسرعتها، بشكل يُضعف من فاعلية الجيش السوداني.

رغم ذلك، فإن من مقاصد الجيش نقل الصراع إلى دارفور، بعيدا عن العاصمة الخرطوم وضواحيها. فمن خلال الخبرة التاريخية للجيش السوداني، في إدارة الصراعات مع الحركات المسلحة في الداخل السوداني، يتبدى بوضوح أن أيًا من هذه الحركات لم يستطع أن يُشكل تحديا وجوديا للجيش، أو للحكومة السودانية في الخرطوم. فقد اعتادت الحكومات السودانية المتعاقبة، التعايش مع حركات التمرد طالما كان نشاط هذه الحركات في الأطراف.

ثالثا، التنافس على الشرعية والهيمنة السياسية؛ فمن مصلحة طرفي الصراع السوداني، السيطرة على إقليم دارفور، من منظور أن هذه السيطرة على الإقليم تمنح الطرف المُسيطر أوراق ضغط سياسية، أمام القوى السياسية الداخية، فضلا عن القوى الدولية والإقليمية.

وبالتالي، فمن مصلحة الجيش السوداني، انتقال الصراع إلى إقليم دارفور، حيث يُمكن “حصار” قوات الدعم في نطاق الإقليم، ويكون من السهولة حسم المعركة عسكريا لصالح الجيش، إذ إن انحسار قوات الدعم في إقليم دارفور فقط، سيؤدي إلى تفكك هذه القوات إلى مكوناتها القبلية، ومن ثم يسهل السيطرة عليها. أضف إلى ذلك، أن بعض الحركات المسلحة الدارفورية، وإن كانت علانية تأخذ موقف الحياد من الصراع؛ لكنها -واقعيًا وعبر خبرتها التاريخية- مع “الجنجويد”، تقف إلى جانب الجيش، من منظور أن حسم الصراع لصالح الجيش، يُقوي من موقفها أمام الدعم السريع.

رابعا، التصارع على نافذة الإمداد اللوجيستي؛ حيث يبدو أن من دوافع قوات الدعم في إشعال معارك في دارفور، هو منع الجيش من إغلاق الحدود مع ليبيا وأفريقيا الوسطى، لضمان تدفق الإمدادات العسكرية واللوجيستية من الداعمين الدوليين والإقليميين أيضا؛ بما يعني أن الحرب في دارفور ليست مقصودة في ذاتها، من منظور الدعم السريع، بقدر ما يتمثل الهدف منها في الإبقاء على خطوط الإمداد من خارج السودان مفتوحة.

ولعل ذلك يتبدى بوضوح إذا لاحظنا “الضعف النسبي” لموقفها العسكري بالنسبة إلى الجيش، خاصة في مدن العاصمة السودانية الثلاث، وتحديدا في الخرطوم؛ حيث تحاول هذه القوات الحفاظ على بعض مكتسباتها وتحسين وضعها التفاوضي، في حال الضغط الدولي على الجيش للدخول في محادثات مع قوات الدعم، وذلك من خلال الانتقال إلى الحاضنة الاجتماعية والقبلية في دارفور، لإطالة أمد الحرب حتى التوصل إلى حل تفاوضي.

في هذا السياق، يُمكن القول بأن إقليم دارفور يُمثل أهمية استراتيجية، بالنسبة إلى طرفي الصراع السوداني؛ إذ بينما يحاول الجيش دفع مقاتلي الدعم السريع إلى التخلي عن مواقعهم، والتوجه نحو الأطراف بعيدا عن العاصمة، فإن قوات الدعم تحاول، بدورها، التمدد والتواصل مع جذورها القبلية والعرقية في دارفور، لأجل إعادة ترتيب صفوفها والحصول على مزيد من التعزيزات.

ولعل هذه الأهمية الاستراتيجية لإقليم دارفور، تتزايد عبر ما يتميز به الإقليم من موارد طبيعية، بما في ذلك الذهب، بما يجعلها هدفا اقتصاديا مُهمّا لطرفي الصراع السوداني، وغيرهما. فالسيطرة على هذه الموارد تمثل مصدرا مهمًّا للتمويل؛ وبالتالي، فإن نقل الصراع إلى دارفور يتجاوز البعد العسكري، ليدخل في إطار البعد الاقتصادي والصراع على الموارد.

إلا أن ما لا يهتم به طرفا الصراع السوداني، ومن ورائهم الداعمين لهما، أن نقل الصراع إلى دارفور، أو تمدده ليشمل الإقليم، سيزيد من معاناة السكان المحليين؛ بل وقد يعيد إشعال الصراعات العرقية، خاصة في ظل الانقسام القبلي في دعم طرفي الصراع.

فرغم أن بعض القبائل العربية، وجزءا كبيرا من إثنية الرزيقات، ضمن قبائل وإثنيات دارفور، تدعم قوات الدعم السريع، بسبب انخراط نسبة كبيرة من أبنائها في صفوف هذه القوات؛ إلا أن أغلبية القبائل الأفريقية، إضافة إلى أجزاء من القبائل العربية، تقف إلى جانب الجيش السوداني. ويعود موقف القبائل الأفريقية تحديدًا، إلى انتهاكات “الجنجويد”، التي شكلت الأصل في قوات الدعم السريع، ضد هذه القبائل، خلال الحرب في دارفور، خلال الفترة من عام 2003، وحتى عام 2009.

وهكذا، فإن نقل الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى إقليم دارفور، ليس مجرد صدفة؛ بل، هو نتيجة لمجموعة من العوامل، السياسية والاقتصادية والعرقية؛ هذا فضلا عن محاولة كل طرف الاستفادة من الأهمية الاستراتيجية للإقليم، خاصة في إطار الارتباط الجيوسياسي و”التمازج الاجتماعي” لدارفور، مع أربعة من دول الجوار الجغرافي للسودان، هي: ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock