رؤى

هل اقتربت “رقبة” جالانت.. من مقصلة الإقالة؟

ربما تُقلقُ إلى حدٍ كبير واقعيةُ جالانت؛ خيال نتنياهو المريض.. الذي يصوّر له أن توسيع الحرب في جبهة الشمال، وإرساء حكم عسكري صهيوني في قطاع غزة- ربما يمثّل له طوق نجاة، في خضم الفشل الذريع الذي سقط فيه، بعد مرور قرابة العام، من اندلاع الحرب على القطاع، التي بدأتها المقاومة الفلسطينية بهجوم واسع شمل أكثر من خمسين موقعا بالتزامن.

تهديد وزير الدفاع بالإقالة من جانب نتنياهو، تكرر قبل ذلك في مارس من العام الماضي، عندما رفض جالانت تعديلات قضائية؛ مثّلت من وجهة نظر المعارضة؛ انقلابا يتيح للسلطة التنفيذية السيطرة على القضاء.

كان رئيس الوزراء الصهيوني، قد قرر بالفعل إقالة جالانت.. لكنه تراجع عن القرار بعد اندلاع احتجاجات داخل الكيان.. وردود فعل غاضبة في أكثر من عاصمة.. كانت واشنطن على رأسها.

الخلاف بين أقوى رجلين في دولة الاحتلال -كما يحلو للبعض وصفهما- تصاعد مع تسارع وتيرة الحرب في غزة؛ حين منع نتنياهو، وزير الدفاع يوآف غالانت من عقد لقاء بشأن صفقة المحتجزين في قطاع غزة، مع رئيسي الموساد والشاباك. ليتطور الأمر بعد أسبوع، في الحادي عشر من يوليو الماضي؛ بتجدد الخلاف الذي كان محتدما -بين الرجلين- حول إصلاح القضاء، والإجراءات الواجب اتخاذها حيال جنود الاحتياط الذين يهددون بالاستقالة.. كذلك تباعد وجهات النظر في قضية تجنيد الذكور من طائفة الحريديم المتدينين في صفوف الجيش، وما إذا كان بالإمكان الاستعانة ببعض موظفي السلطة الفلسطينية؛ ليحلّوا محل حركة حماس في قطاع غزة.. بعد انتهاء الحرب. بالإضافة إلى الخلاف الأهم والأبرز، بشأن صفقة تبادل الأسرى مع حماس.

ما بدر عن الخصمين اللدودين في خلاف يوليو الماضي.. وُصف بالفوضوية وفقدان الكياسة بينما اعتبره آخرون سبيل تعزيز للانشقاقات داخل الحكومة ومجلس الحرب، كما أنه يعمِّق الشروخ والانقسامات داخل المجتمع، واعتبر البعض العداء بين الرجلين، دليلا على انكشاف الاستقطاب السياسي والحزبي والديني، واحتدام الصراع ما بين التيارين الصهيونيين العلماني والمتدين.

وقبل ساعات نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مصدر بمكتب نتنياهو أنه يستعد لإقالة وزير الدفاع يوآف جالانت خلال وقت قصير، وأن جدعون ساعر النائب المعارض في الكنيست مرشح لخلافته.

ربما تكون ثقة الأمريكيين في جالانت أكبر بكثير من ثقتهم في غريمه، وقد أبلغ جالانت نظيره الأمريكي لويد أوستن أن فرص التوصل لتسوية على حدود لبنان أوشكت على الزوال.. بسبب التصعيد الذي يمارسه نتنياهو.. ويرى الأمريكيون أن الوقت غير مناسب لذلك على الإطلاق، مع تنامي دعوات وقف الحرب في أمريكا، ومطالبة الإدارة الأمريكية بممارسة مزيد من الضغوط على حكومة دولة الاحتلال لإنهائها.. كما ترى واشنطن أن تدهور الوضع الأمني في الضفة الغربية بات مُقلقا؛ وهي تُحمّل تبعة كل ذلك على نتنياهو.. مع تأكيدها على دعمها الكامل للدولة العبرية في حقها في الدفاع عن نفسها.. حسب زعم المسئولين الأمريكيين.

إلى اللحظة لا يبدو نتنياهو واثقا من نفسه بالقدر الذي يتيح له اتخاذ هذه الخطوة.. خاصة بعد تصاعد الأصوات الرافضة لها؛ ومنها صوت بيني غانتس زعيم حزب “معسكر الدولة” المعارض، الذي اعتبر الخطوة دليل على إصابة نتنياهو بـ “انفصام بالشخصية”.. كما اعتبر الأمر دليلا على “سوء الحكم والأولويات المشوهة”.

بينما سخر يائير لابيد زعيم المعارضة من الأمر على طريقته، بإعادة نشر تغريدات لجدعون ساعر، على منصة إكس “تويتر سابقا” هاجم فيها نتنياهو بضراوة؛ مؤكدا على أن عودة نتنياهو لسدة الحكم؛ هو بمثابة الكارثة.. وأن لا سبيل على الإطلاق للتعاون معه.

أمر طريف آخر تردد بقوة في أروقة الحكومة يتعلق بممانعة سارة نتنياهو، تعيين ساعر بديلا لجالانت، وتورطها في تسريب الخبر بإقالة الأخير.. ما دفع نتنياهو لتأجيل قرار الإقالة في محاولة “جس نبض” الموقف الأمريكي الذي من المرجّح أن يمانع. كما كلف نتنياهو عددا من المقربين منه بإقناع زوجته بقبول تعيين ساعر!

في دولة الكيان المؤقت تسير الأمور نحو اكتمال فصول الملهاة، بعد تصدع حقيقي طال أركان الدولة الأربعة.. ليصير الأمر هزليا بالكلية.. في ظرف بالغ الخطورة يضع بقاء الكيان واستمراره على المحك!

ماهر الشيال

باحث وكاتب ومحرر مصري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock