ثقافة

قبر مكشوف على السماء.. حين يكون الموت فوق الأرض لا في باطنها!

من المخيِّب أن نبقى في عتمة الرحم تسعة أشهر، نتحرق شوقًا لرؤية النور، فنخرج ونكتشف أن الحياة أكثر عتمة ووحشةً من الرحم بمرات.

هذا ما تستهل به الكاتبة الجزائرية الشابة وئام شرماطي، مواليد العام 1998، روايتها  الأولى “قبر مكشوف على السماء” الصادرة بالقاهرة عن دار غراب للنشر والتوزيع، بعد أن تجعل إهداءها على لسان بطلها عيسى منصوري يقول فيه: إلى جميع البشر على سطح الأرض، الذين لا يزالون يطيقون العيش بيت الرعب هذا، الذي يُدعى الحياة.

وئام شرماطي التي تبدأ روايتها، التي اقتربت  من الثلاثمائة وخمسين صفحة، بمشهد محاولة انتحار جنين في بطن أمه، عن طريق لف الحبل السري على رقبته، بعد ما لم يرَ فيه ما يسر، غير أن الأطباء أحبطوا محاولة انتحاره وبددوا فرصته للنجاة للأبد، ترى أن الحروب كالأوبئة، لا نتوقع متى ستحل علينا، لذا يجب علينا أن نكون على أهبة الموت في كل لحظة، خاصة في بلد له ماض طويل مع الموت كالجزائر.                                                                              الرواية التي ترى أن الحقيقة وإن حرقت عيوننا فهي تجعلنا نبصر، وتتمنى أن نستطيع أن نعلق للأوطان تمائم، كما تفعل الأمهات مع أطفالهن خوفًا عليهم، لنقيها من الحروب لأنها أكبر الشرور، تُصور نتائج الحروب على الأوطان: تصدح أبواق سيارات الإسعاف، تكتظ المقابر، تفتح القبور احتياطيًّا لاستقبال الموتى في أي وقت، كما تشير إلى ما يفعله الإرهاب بالبلدان، واصفة إياه بمنجل الموت، مثلما ترى أن الإنسانية التي قد لا نجدها عند بعض البشر، قد نجدها لدى الحيوانات التي تمشي على أربع، وأن الإنسان هو أكثر كائن مخيف، مصورةً بعض ما تفعله الوحوش البشرية من قتل للأطفال وشق لبطون النساء الحوامل وإخراج الأجنة منها، مؤكدة أنه مهما بلغت درجة مخيلة مؤلفي الأفلام السينمائية عن الوحوش والمسوخ فلن تضاهي قصصًا واقعية تحكي عن جرائم ارتكبتها أيدي البشر، نافية كون الحياة وردية كما يزعم بعضهم، مشيرة إلى أن الخير نادرًا ما يفوز، وأن الغلبة غالبًا ما تكون للشر، وترسم لوحة ناطقة للإنسان حين تتحول حياته كلها إلى لحظة انتظار لموت حتمي قادم.

الأوطان كالأمهات

في روايتها هذه ترى وئام شرماطي أن الأوطان كالأمهات، منها المحب الحنون، منها القاسي، ومنها البديل، كما ترى أن الحب كالمطر إذ يُحيي قلوبًا جدباء محولًا إياها من حال إلى حال، وأن ضرير العين يرى الأشياء بقلبه، فيما لا يرى بكليهما ضرير القلب، كذلك تدعونا إلى ممارسة الحلم، فالأحلام هي ما يجعل هذا العالم المزري يُطاق قليلًا، رغم كثرة أعداء الأحلام في عالمنا هذا، مؤكدة أنه ليس من العبث أن نحلم، بل العبث هو أن نعيش دون أن يكون لنا حلم نكرس حياتنا من أجله، راجية أن تُصاب القلوب كذلك بفقدان الذاكرة، أو بمرض ألزهايمر، فتنسى ما لحق بها من كسر وهجر وخذلان.

الرواية التي ترى أن السيئين هم الذين لم يحصلوا على كفايتهم من الحب، أو لم يحبهم أحد من قبل، وأن هناك أمواتًا تحت الأرض وأمواتًا فوقها، والفرق بينهما أنهم يبقون في قبر مغلق فيما نبقى نحن في قبر مكشوف على السماء، تدعونا إلى التوقف عن محاولة حلب السعادة من ضرع الحياة، لأن ضرع الحياة، مع الأسف، ناضب، وحتى إن درَّ شيئًا فهو يدر حزنًا كماء النار، يحرق الروح ويشوهها، ترى كذلك أن قلوبنا تحتاج من وقت لآخر إلى التهوية، أن نُشرع نوافذها وأبوابها، حتى نتخلص من المشاعر السامة المتراكمة، ونسمح لمشاعر نقية بالدخول إليها والتغلغل فيها.

أسئلة مؤرقة

في روايتها التي ترصد فيها كم يتعرض الإنسان للكثير من المآسي وكيف أن مصير حياته يتغير من لحظة إلى أخرى، وأن هناك الكثير من الأمور التي تحدث لنا دون أن تكون لنا يد فيها، وترى فيها أن الخوف من المستقبل لا يفعل شيئًا سوى أنه ينغص علينا الحاضر، وأن الحب والخوف لا يجتمعان في قلب واحد، تطرح وئام شرماطي العديد من الأسئلة المؤرقة التي ربما نعجز كثيرًا في العثور على إجابات واضحة لها، منها: لماذا يظل الإنسان دائمًا على قيد الموت؟

وماذا لو لمْ نولد في حياة كهذه؟

وما هي الدوافع التي تجعل إنسانًا يتحول إلى شخص إرهابي يسعى إلى القتل والخراب؟

كما تتساءل.. هل ثمة فرق جوهري بين حياة بعض الأحياء وبين حياة الأموات؟  وهل هناك داعٍ لأن نتمسك بالأمل في ظل اسوداد الأفق من حولنا؟  كذلك تطرح الرواية سؤالًا جوهريًّا:

هل يمكن لفراغين أن يملأ بعضهما البعض؟

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock