قبل عام من الآن.. كانت القضية الفلسطينية قد شارفت على الموات.. داخليا وعربيا ودوليا.. بعد أن سارعت دول الخليج إلى تطبيع سافر مع الكيان المؤقت، وتصاعد لهجة التبرير الفج من قبل البعض تخليا عن القضية، بحجة أنها تخص الفلسطينيين فقط دون غيرهم.. وأن السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس بوصفها الممثل الرسمي للشعب الفلسطيني- غارقة حتى أذنيها في التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال.. كذلك حماس في غزة تفتح مسارات تفاوضية حول أعداد العمال الفلسطينيين المسموح لهم بالعمل داخل الأرض المحتلة.
على كل الأصعدة لم يكن هناك سبيل لإعادة الأمور إلى وضعها الصحيح- سوى حدث ضخم يقلب الأوضاع القائمة “المغلوطة” رأسا على عقب؛ مهما كانت التكلفة.
وجاء السابع من أكتوبر من العام الماضي حاملا معه “طوفان الأقصى” الذي أوجع العدو بضربة لم يعرف لها مثيلا عبر تاريخه.. إذ جاء الهجوم برا وبحرا وجوا بالتزامن مع قصف صاروخي تجاوز الخمسة آلاف صاروخ في الثلث ساعة الأولى من الهجوم.
مع استمرار الهجوم على مستوطنات غلاف غزة، والسيطرة لأول مرة على عدد كبير من الرهائن- ظهر الفشل الاستخباراتي لدى العدو واضحا بما لا يدع مجالا للشك.. ومع تحرك قوات الاحتلال للرد.. كان الفشل أكثر وضوحا بسقوط عدد كبير من المستوطنين بالنيران “الصديقة”.
بدا قادة الكيان في حالة هلع غير مصدقين قوة الضربة التي طالت – بالتزامن- أكثر من خمسين موقعا، وخلفت من القتلى عددا كبيرا ما زال العدو يحاول إخفاءه إلى الآن.. فيما أشارت بعض الجهات إلى أن عدد القتلى والجرحى خلال الشهرين الأولين من بدء المعارك؛ قارب السبعة آلاف.. في حين اعتبر نحوا من سبعمئة وخمسين شخصا في عداد المفقودين.
لم يجد العدو أمامه أي سبيل لمواجهة عسكرية على الأرض مع رجال المقاومة؛ إذ يعلم قادة الكيان فداحة الثمن الذي سيدفعونه إذ هم أقدموا على ذلك- فكان خيارهم القصف الجوي واستهداف المدنيين والمنشآت الصحية؛ لترتفع حصيلة الشهداء بعد عام إلى اثنين وأربعين ألف شهيد معظمهم من النساء والأطفال، بينما بلغ عدد المصابين نحوا من مئة ألف مصاب، وبلغت نسبة النزوح تسعة من كل عشرة أشخاص.. في حين بلغ حجم الدمار الهائل نحوا من 90% بمعدل 37 مليون طنا من الركام (300كيلو جرام لكل متر مربع).
في المقابل تسارعت خلال العام وتيرة الهجرة العكسية (إلى خارج الكيان الصهيوني) لتتخطى لأول مرة حاجز الخمسة وخمسين ألفا، ومع تصاعد عمليات الإسناد في الجبهة الشمالية نزح أكثر من ثمانين ألف مستوطن إلى وسط الأرض المحتلة (منطقة غوش دان) في سابقة هي الأولى في تاريخ دويلة الكيان.
كلفت الحرب العدو إلى الآن نحوا من اثنين وعشرين مليار دول، وتوقف شبه تام في عدد من أهم المجالات على رأسها السياحة بالإضافة إلى الخسائر الهائلة التي خلفها نزوح مزارعي الشمال (33% من حجم الإنتاج الزراعي).
ومع تصاعد وتيرة الحرب الوحشية التي يشنها الكيان الغاصب على القطاع.. بدأ الطلاب في جامعات أمريكا وأوروبا تنظيم احتجاجات واسعة ضد الكيان والدول الداعمة له، بشكل لم يسبق له مثيل.. وصارت القضية الفلسطينية ملء السمع والبصر، وتحركت الشعوب الحرة في أركان الأرض الأربعة دعما لعدالة القضية، ورفضا لهذا الإجرام الذي تمارسه دولة الاحتلال بدعم غير مسبوق من الولايات المتحدة ودول غرب أوروبا.
لقد أحيا طوفان الأقصى القضية الفلسطينية وأعادها إلى الواجهة محورا للأحداث، كما كشف عن حجم التخاذل العربي الفاضح الذي بلغ درجة التعاون المكشوف مع الكيان الغاصب في مواجهة المقاومة الفلسطينية؛ لكنه أوقف الارتماء العلني من قبل بعض الأنظمة في أحضان الصهاينة، وأعاد التعاون والتنسيق إلى خلف الأستار وفي الغرف المغلقة.
ومع اقتراب العام الأول من الحرب على الانتهاء كان العدو الذي خسر فعليا على الأرض الحرب في القطاع- يحاول الخروج من ورطته المستحكمة بشن هجوم على لبنان بعدد من الغارات التي أسفرت إحداها عن استشهاد عدد من قادة المقاومة اللبنانية، كان على رأسهم السيد الأمين العام لحزب الله.. ثم كان الهجوم البري الذي أنبأت أيامه الأولى عن خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات تلقاها العدو.
بعد مرور عام على طوفان الأقصى تغيرت العديد من المعطيات؛ على نحو يجعل من المستحيل العودة إلى ما قبله.. ورغم فداحة الثمن إلا أن خسائر العدو أفدح بكثير.. إذ أصبح وجوده وبقاؤه محل شك كبير حتى داخل الكيان المؤقت نفسه.. مع اقتراب نهاية العقد الثامن من عمر دولة الاحتلال.. لتعود نبوءة لعنة العقد الثامن إلى الأذهان، إذ لم تعمر أي مملكة لليهود عبر التاريخ لأكثر من ثمانية عقود.. هذا ما يردده اليوم الكثيرون داخل الكيان، وعلى رأسهم إيهود باراك ونفتالى بينيت رئيسا الوزراء الأسبقين، والكاتب والمحلل الصهيوني روجيل ألفير الذي قال: أن دولته -بالفعل- وقعت على شهادة زوالها خاصة بعد تماديها الأخرق في خوض حرب متعددة الجبهات.
وربما تشهد الأيام القليلة القادمة عددا من المؤشرات الهامة التي ستؤكد أن ورطة الكيان المؤقت أكبر بكثير من قدرته على الخروج منها مهما مارس من أساليب “العربدة” في المنطقة معتمدا على دعم أمريكا وبعض الدول الأوروبية التي لم تعد بعيدة عن المساءلة.