يعكس فوز الرئيس قيس سعيد بفترة ولاية ثانية، في الانتخابات الرئاسية التونسية، تحولات سياسية واجتماعية هامة في تونس ما بعد الثورة. منذ توليه منصب الرئاسة، في عام 2019، أصبح قيس سعيد وجهًا سياسيًا مثيرًا للجدل، وذلك نظرًا لرؤيته السياسية القائمة على التغيير الجذري للنظام السياسي التونسي.
وكانت هيئة الانتخابات قد أعلنت، مساء الاثنين 7 أكتوبر الجاري، عن فوز الرئيس سعيد بنسبة 90.69% من الأصوات، بما يعني أن سعيد سيبقى على رأس السلطة لولاية أخرى تستمر لمدة “خمس” سنوات قادمة.
ومن الواضح، أن ثمة عوامل متعددة قد ساعدت على فوز قيس سعيد بهذه النسبة العالية من الأصوات؛ كما أنه من الواضح أيضا، أن تداعيات سوف تلقي بظلالها على المشهد السياسي التونسي، نتيجة الفوز بهذه النسبة الكبيرة.
عوامل متعددة
ضمن أهم العوامل التي أدت إلى فوز قيس سعيد بفترة ولاية ثانية، ما يلي:
1- تنامي الشعبية الشخصية؛ إذ إن أحد الأسباب الرئيسية لفوز قيس سعيد بفترة ثانية هو الشعبية الواسعة، التي يتمتع بها بين شريحة واسعة من التونسيين، خاصة الشباب. فمنذ وصوله إلى السلطة، في عام 2019، اعتمد سعيد على خطاب سياسي قائم على انتقاد النخب السياسية التقليدية، وتقديم نفسه على أنه ممثل للشعب ضد النخب الفاسدة. هذا الخطاب وجد صدى لدى فئات واسعة من المجتمع التونسي، التي شعرت بخيبة أمل تجاه الأداء السياسي للأحزاب والحكومات المتعاقبة، منذ ثورة 2011.
2- الأزمة السياسية والاقتصادية؛ الفترة التي سبقت الانتخابات شهدت أزمة سياسية حادة في تونس، حيث كانت البلاد تعيش حالة من الانقسام بين الأحزاب السياسية ومؤسسات الدولة. وقد استطاع قيس سعيد استغلال هذه الأزمة لزيادة شعبيته من خلال اتخاذ خطوات حاسمة، مثل قراراته في 25 يوليو 2021، التي أدت إلى تعليق عمل البرلمان وحل الحكومة؛ وهي خطوات اعتبرها العديد من المواطنين محاولة لاستعادة الاستقرار والحد من الفوضى السياسية. هذا التحرك عزز صورته كرجل قوي قادر على اتخاذ قرارات صعبة، ما جذب دعما شعبيا أوسع.
3- تراجع الثقة في الأحزاب السياسية منذ الثورة شهدت تونس تعددية حزبية غير مسبوقة، لكن هذا لم يؤدِ إلى تحسين الأوضاع السياسية أو الاقتصادية. بل على العكس، شهدت البلاد حالة من الركود السياسي والاقتصادي، مع عدم قدرة الأحزاب على تشكيل حكومات مستقرة، أو تقديم حلول فعالة للمشاكل الاقتصادية المتفاقمة. هذه الظروف جعلت العديد من التونسيين يفقدون الثقة في الأحزاب السياسية التقليدية، ما أدى إلى توجههم نحو خيار قيس سعيد الذي قدم نفسه بديلا لهذه الأحزاب.
4- رفع شعار مكافحة الفساد؛ فمنذ بداية توليه الرئاسة، جعل قيس سعيد من مكافحة الفساد شعارًا رئيسيًا في برنامجه السياسي؛ وأطلق العديد من التحقيقات في قضايا فساد استهدفت شخصيات بارزة في النظام السياسي والاقتصادي. هذا النهج ساعده في الحصول على دعم شعبي واسع، حيث رأى العديد من التونسيين في هذه الإجراءات، خطوة نحو تحقيق العدالة الاجتماعية واستعادة الثقة في مؤسسات الدولة.
تداعيات محتملة
عدد من التداعيات المحتملة لفوز قيس سعيد، من المتوقع أن يؤثر على المشهد السياسي في تونس.. أهمها ما يلي:
1- السلطة التنفيذية وتهميش الأحزاب؛ من المرجح أن يعزز فوز قيس سعيد بفترة ثانية سلطته على حساب المؤسسات الأخرى، مثل البرلمان. بعد حل البرلمان، في يوليو 2021، أصبحت السلطة التنفيذية في يد الرئيس بشكل شبه كامل، وهذا التوجه قد يستمر خلال فترة ولايته الثانية. ومن المتوقع، أن يستمر سعيد في تهميش الأحزاب السياسية، التي يعتبرها جزءًا من الفساد السياسي. هذا قد يؤدي إلى تقويض دور الأحزاب في النظام السياسي التونسي، ما يثير تساؤلات حول مستقبل الديمقراطية في البلاد.
2- تراجع الديمقراطية التونسية؛ تُعتبر تونس من بين الدول القليلة التي نجحت في التحول الديمقراطي بعد موجة “الربيع العربي”. لكن التطورات الأخيرة، بما في ذلك توسيع سلطات الرئيس وحل البرلمان، تثير مخاوف بشأن مستقبل هذا المسار الديمقراطي. بعض المراقبين يرون أن فوز قيس سعيد بفترة ثانية قد يؤدي إلى تعزيز نمط من الحكم الفردي، ما قد يهدد المكاسب الديمقراطية التي حققتها تونس في السنوات الماضية. في المقابل، يعتقد مؤيدوه أن هذه الإجراءات ضرورية لإصلاح النظام السياسي وضمان استقراره.
3– التحديات والمشكلات الاقتصادية؛ على الرغم من نجاحه السياسي، يواجه قيس سعيد تحديات اقتصادية جسيمة؛ حيث تعاني تونس من ارتفاع معدلات البطالة، والتضخم، وزيادة الدين العام. وقد فشل الرئيس حتى الآن في تقديم حلول واضحة لهذه المشاكل، ما أثار استياءً واسعًا لدى الشعب التونسي. استمرار هذه الأزمات الاقتصادية قد يؤدي إلى اندلاع موجات جديدة من الاحتجاجات، خاصة في ظل تزايد الشعور بالإحباط تجاه الحكومة والرئيس. فوز سعيد بفترة ثانية قد يؤدي إلى تأجيج هذه الاحتجاجات، إذا لم يتمكن من تقديم إصلاحات اقتصادية عاجلة وفعالة.
4– إعادة تشكيل النظام السياسي؛ من المتوقع أن يواصل قيس سعيد دفع أجندته الإصلاحية، التي تشمل تعديل الدستور وتغيير النظام السياسي في تونس. ومن المُلاحظ أن سعيد يدعو إلى نظام رئاسي مركزي، يعزز من سلطات الرئيس ويقلل من دور الأحزاب والبرلمان. هذا التوجه قد يؤدي إلى إعادة تشكيل النظام السياسي في تونس بشكل جذري، وهو أمر قد يثير جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والشعبية. البعض يرون في هذه التعديلات فرصة لإصلاح النظام السياسي المعطل، بينما يرى آخرون أنها خطوة نحو العودة إلى الحكم الفردي.
تحولات سياسية
لعل فوز قيس سعيد بفترة ولاية ثانية يعكس تحولًا كبيرًا في المشهد السياسي التونسي، حيث أصبح الرئيس يمثل تيارًا يعارض النخب السياسية التقليدية، ويدعو إلى تغيير جذري في النظام السياسي. لكن على الرغم من شعبيته، يواجه سعيد تحديات كبيرة، أبرزها الأزمة الاقتصادية المستمرة، وتراجع الثقة في مؤسسات الدولة. ومن ثم، فإن تأثير فوزه على الديمقراطية التونسية والعلاقات الخارجية للبلاد، سيتوقف إلى حد كبير على قدرته على تنفيذ إصلاحات فعالة، وعلى كيفية تعامله مع التحديات الداخلية والخارجية خلال فترة ولايته الثانية.
إذ، يكفي أن نُلاحظ أن فوز قيس سعيد بفترة ثانية سيكون له تأثير على علاقات تونس الدولية، وربما الإقليمية أيضًا. في الفترة الماضية، اعتمد سعيد على خطاب قومي يرفض التدخل الأجنبي في الشئون الداخلية لتونس، ورفض التعاون مع العديد من الجهات الدولية. هذا التوجه قد يستمر خلال ولايته الثانية، مما قد يؤثر على قدرة تونس على الحصول على الدعم المالي والدولي، اللازم لمعالجة أزماتها الاقتصادية. في المقابل، قد يسعى سعيد إلى تعزيز علاقاته مع بعض الدول العربية التي أبدت دعمها لسياساته، ما قد يؤدي إلى تحول في تحالفات تونس الخارجية.