عام

وفد عسكري روسي رفيع المستوى في بنغازي.. تساؤلات الأسباب والدوافع!

تلبية لدعوة من قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر، وصل نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكوروف، على رأس وفد عسكري رفيع المستوى إلى بنغازي، في شرق ليبيا، خلال الأيام القليلة الماضية. وبحسب بيان صادر عن وزارة الدفاع الروسية، فإن زيارة الوفد العسكري الروسي “تُعد أولى ثمار المحادثات الروسية الليبية، في إطار مؤتمر موسكو الدولي الحادي عشر للأمن، والمنتدى العسكري التقني (الجيش 2023)، في بطرسبورغ مؤخرًا”.

واللافت، أن زيارة هي الأولى من نوعها، لوفد عسكري روسي رفيع المستوى والتمثيل؛ لذلك لابد وأن تُثير تساؤلات متعددة، أهمها ما سر توقيتها وما أهدافها، وما أهم الملفات التي  طرحت في المباحثات بين الجانبين الروسي والليبي؟

ملفات متعددة

كما يبدو، فإن عددا من الملفات المشتركة تأتي على رأس الأولويات، بالنسبة إلى زيارة الوفد الروسي.. لعل أهمها هي التالية:

أولا: التعاون والتنسيق العسكري مع الجيش الليبي؛ حيث تؤكد بيانات وزارة الدفاع الروسية، فضلا عن بيان الجيش الليبي، على أن التعاون والتنسيق العسكري، كانا ضمن جدول أعمال الزيارة؛ خاصة أن موسكو تمتلك علاقات وثيقة مع الجيش الليبي، وسبق أن دعمته في حروبه ضد الميليشيات والجماعات المسلحة.

تضمنت المباحثات أيضا بحسب الناطق باسم الجيش الليبي أحمد المسماري، كيفية صيانة الأسلحة والمعدات الروسية، التي يمتلكها الجيش الليبي، والتي تعتبر العمود الفقري في تسليح الجيش.

ورغم أن الزيارة جاءت بدعوة من المشير خليفة حفتر؛ فإنها تأتي في توقيت يكتسب كثيرا من الأهمية، حيث التوترات على الحدود الليبية الجنوبية، خاصة ما يحدث في شمال تشاد، فضلا عن الحرب الدائرة في السودان؛ بالإضافة إلى التطورات في النيجر، والتلويح بإمكانية التدخل العسكري لإنهاء الانقلاب هناك، من جانب المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس”.

ثانيا: إشكالية التصعيد في إقليم فزان جنوب ليبيا؛ إذ يبدو أن أحد أهداف زيارة الوفد العسكري الروسي إلى ليبيا، ولقائه بقيادات في الجيش الليبي، يتعلق بشأن ما يجري من تصعيد في الجنوب، في إقليم فزان، الذي يُعاني توترا أمنيا مستمرا، والذي يمكن أن يتحوّل إلى ساحة للصراع بين الروس والغرب، خاصة أنه يحتوي على عدد من الحقول النفطية المهمة.

هذا، فضلا عن أن الزيارة تتزامن مع الأنباء المتواترة حول تجهيز الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي، لقوات كبيرة مدعومة فرنسيا، لمهاجمة المعارضة التشادية المتحالفة مع فاغنر الروسية في جنوب ليبيا؛ وذلك في محاولة لرد الاعتبار حيال هجوم المعارضة على تشاد، في أبريل 2021، الذي أدى إلى مقتل رئيس تشاد السابق إدريس ديبي.

ثالثا: تصاعد حدة تفاعلات الجوار الجغرافي الليبي؛ فإضافة إلى ما يجري من تصعيد في إقليم فزان في الجنوب الليبي، تبدو عدة إشكاليات سوف تتأثر بها الساحة في ليبيا، نتيجة التفاعلات الجارية في منطقة الساحل والصحراء، خاصة التفاعلات الناتجة عن الانقلاب العسكري في النيجر، وخسارة فرنسا والغرب كثيرا من النفوذ لصالح روسيا.

وبالرغم من المحاولات الغربية لعزل روسيا عن مناطق كثيرة في العالم، فإن الاهتمام الروسي بتعزيز النفوذ في أفريقيا، ومنطقة الساحل والصحراء بشكل خاص، يمر عبر البوابة الليبية؛ حيث لا تزال موسكو تمتلك أوراقا عديدة في ليبيا، يمكن استخدامها للحفاظ على مصالحها.. من أهمها العلاقات مع الجيش الليبي، فضلا عن العلاقات مع عدد من القيادات السياسية التي تتصدر المشهد على الساحة في البلاد.

رابعا: إعادة ترسيخ التواجد الروسي في ليبيا؛ حيث تتطلع موسكو إلى تحقيق تقدم في ترسيخ التواجد في ليبيا، بشكل يتجاوز مسألة الدعم التقليدي للمشير خليفة حفتر في شرق ليبيا. ففي الوقت الذي تفكر فيه الإدارة الأمريكية في إعادة فتح سفارتها في ليبيا، يستعد السفير الروسي الجديد لتولي مهام منصبه في العاصمة طرابلس.

إلا أن الأمر بالنسبة إلى روسيا، لا يتوقف عند حدود توسيع النفوذ الدبلوماسي – لكنه يتجاوز ذلك إلى التركيز على النفط الليبي؛ إذ تمتلك موسكو – عبر مجموعة فاغنر- إمكانية الوصول إلى منشآت النفط الرئيسة في ليبيا؛ وهي الآن – لثر زيارة الوفد العسكري- تستهدف تعزيز قبضة الجيش على إمدادات النفط الليبي، التي تضم 40 % من احتياطيات النفط في القارة الأفريقية.

خامسا: نفي أنباء الفتور بين موسكو والمشير حفتر؛ فقد بددت زيارة الوفد العسكري الروسي إلى بنغازي، ما كان قد تواتر من أنباء حول وجود فتور في العلاقة بين قائد الجيش وموسكو. وقد تواترت هذه الأنباء بعد تراجع حفتر عقب فشله من دخول العاصمة طرابلس، بعد أخبار عن تفاهمات روسية تركية، أفضت إلى انسحاب مجموعة فاغنر، التي كانت تُساند قوات حفتر، من مواقعها في محيط طرابلس.

والملاحظ، أن الأنباء بشأن الفتور في العلاقة بين موسكو والمشير حفتر، لم تتوقف على مدى السنوات الماضية؛ ومن ثم جاءت هذه الزيارة للوفد العسكري الروسي؛ نفيا لهذه الأنباء، خاصة أن الزيارة كانت بناءً على دعوة من المشير حفتر.

أبعاد ضاغطة

في هذا السياق، يُمكن القول بأن زيارة وفد عسكري روسي إلى بنغازي، في شرق ليبيا تأتي في توقيت مهم من منظور التفاعلات الجارية في الجوار الجغرافي الليبي، فضلا عن توترات إقليم فزان في جنوب ليبيا.

استهدفت الزيارة بالإضافة إلى التنسيق الأمني والعسكري مع الجانب الليبي – تثبيت الحضور العسكري الروسي في ليبيا.. فمن خلال هذا الحضور تكتسب موسكو نفوذا كبيرا  وتفوقا على الأوروبيين على المدى الطويل، عبر ملفين رئيسين هما: ملف الطاقة وملف الهجرة غير الشرعية، حيث يُمكن للروس من خلالهما الضغط على دول الاتحاد الأوروبي.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock