على شاشة إحدى القنوات الفضائية العربية، يطل مذيع مصري ليستعرض ما كتبه، من يمكن تسميتهم بالـ”شامتين” في استشهاد قادة المقاومة الفلسطينية واللبنانية، سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو على منصات إعلامية وإخبارية.
اللافت في شماتة هؤلاء.. والذين يفترض أنهم عرب، بحكم أن تغريداتهم ومقالاتهم مكتوبة بعربية فصيحة، أنها ليست قاصرة على فئة دون أخرى أو مذهب دون آخر.
فإن كان منبع الشماتة هنا هو الاختلاف المذهبي، كما يتصور البعض وكما كان موقف هؤلاء من استشهاد سيد المقاومة اللبنانية حسن نصر الله، فكيف نفسر اتخاذهم نفس الموقف عند استشهاد القائد القسامي السنوار، وهو المنتمي إلى ذات المذهب؟
وإن قال قائل إن مبرر الشماتة هنا هو سياسي بحت؛ بسبب اصطفاف بعض فصائل المقاومة بالأمس القريب مع هذا النظام العربي أو ذاك، فما مبرر الشماتة التي وصلت إلى حد توزيع الحلوى؛ ابتهاجا في استشهاد من لم يتورطوا قط في أي نزاع داخلي في أي قطر عربي؟
الحق، أن الشامتين ومن يلومون المقاومة، ومن يُحمّلونها منذ السابع من أكتوبر -لا القاتل- وزر دماء أكثر من أربعين ألف شهيد في غزة، وآلاف آخرين في لبنان- لأن المقاومة -ببساطة – ووفقا لمنطقهم المعوج قد استفزت المحتل الأكثر تسليحاً والأقدر على القتل.
هذا المنطق ليس بالجديد ولا المفاجئ، فهو منطق متكرر مع كل مرحلة من مراحل النضال الفلسطيني في سبيل الحرية.
تكرر مع الانتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية على حد سواء، حين سخر “الشامتون” عبر قنواتهم الإعلامية منها باعتبارها مجرد “قذف حجارة”.
فحين لجأ الفلسطينيون إلى النضال المسلح؛ تباكى هؤلاء وذرفوا دموع التماسيح على من أسموهم بـ”المدنيين”.
وحين أطلقت المقاومة صواريخها على الداخل الفلسطيني المحتل منذ عام ١٩٤٨، عادوا للسخرية ووصفوها بـ”العبثية”.
يتضح من كل ما سبق؛ أن مشكلة هذا الفريق ليست في أداء المقاومة ولا أسلوبها المتبع؛ وإنما هو فعل المقاومة في حد ذاته، هذا ما يزعجهم لأنه يكشف عجزهم في مواجهة العدو؛ منذ ما يزيد عن نصف قرن من الزمان.
إن مجرد وجود مقاومة على أرض فلسطين؛ هو في حد ذاته دحض للمنطق الذي استند إليه هؤلاء، في تبرير تطبيعهم المتسارع والمتزايد مع الكيان الصهيوني، حيث كانت حجتهم أنه لا قِبَل لنا بمواجهة كيان مسلح ومدعوم بالكامل من أكبر قوة عسكرية في العالم.
فإذا بهذا المنطق يتهاوى مرة تلو أخرى.. مرة على يد أطفال الحجارة، ومرة على يد المقاومة اللبنانية الباسلة في حرب تموز ٢٠٠٦، ومرة ثالثة وبشكل أوضح للعيان في معركة السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، أو ما أسمته المقاومة معركة “طوفان الاقصى”.
في كل مرة، كان فعل المقاومة يكشف عن وهن داخلي، في كيان العدو، رغم كافة مظاهر القوة التي حرص على أن يحيط بها ذاته، منذ نشأته على أرض فلسطين عام ١٩٤٨.
وكما يسرف العدو في القتل والدم لمداراة هذا الوهن الداخلي؛ يسرف الشامتون أيضا في عدائهم لفصائل المقاومة لتعريتها لمنطقهم الهش للغاية.
يبدو الشامتون اليوم أشبه بمن راهنوا على الغازي في كل حرب تحريرية كـ”الحركيين” في الجزائر، وحكومة سايغون في حرب فيتنام، و”جيش” أنطوان لحد في جنوب لبنان.
ولو أن الشامتين أدركوا دروس التاريخ؛ لعلموا أنه في كافة التجارب المماثلة التي شهدها القرن الماضي، وفي اللحظة التي يقرر فيها الغزاة الانسحاب من الأراضي المحتلة، والإقلاع بطائراتهم بعيدا عنها؛ فإنهم يتركون أعوانهم المشار إليهم أعلاه لمصيرهم.. وما أسوأه من مصير!