رؤى

طوفان الأقصى.. وإعادة كتابة التاريخ

أمام عدسات المصورين، تقف الناشطة الامريكية السمراء كيانا جونز مور، في قلب مدينة أتلانتا بولاية جورجيا، وهي تزيّن كتفيها بالكوفية الفلسطينية، متحدثة عن معارضتها لمشروع “مدينة الضباط”.

وهو مشروع بتكلفة تصل إلى ٩٠ مليون دولار، لإنشاء مركز تدريب لقوات الأمن الامريكية في المدينة المذكورة أعلاه، والتي يخشى المعارضون للمشروع، من أن يؤدي تأسيسه إلى مزيد من “عسكرة” قوات الأمن، واستخدامها ضد التظاهرات السلمية.. لا سيما تظاهرات الأقليات في الولايات المتحدة مثل: السود وذوي الأصول اللاتينية.

وعند سؤالها حول العلاقة بين تضامنها مع الشعب الفلسطيني، وما يواجهه الآن على أرض قطاع غزة المحاصر.. ومعارضتها للمشروع المشار إليه أعلاه، قالت مور أن معارضة المشروع تتضمن أيضا معارضة لبرنامج التبادل، الذي تقيمه ولاية جورجيا مع الكيان الصهيوني.

كيانا مور جونز

فبموجب هذا البرنامج، تستعين الولاية بقوات الاحتلال الصهيوني، التي تقتل المدنيين الفلسطينيين في الضفة وغزة، لتدريب قوات الأمن التي تقتل المدنيين السود، في الولايات المتحدة.

وأضافت مور: “إننا نطالب بوقف لحرب الإبادة ليس فقط في غزة، وإنما هنا أيضا في ولاية أتلانتا، أننا نرى رابطا واضحاً بين الأمرين لا يمكن لأحد أن ينكره”.

في مشهد آخر.. وتحديدا على أرض القارة الاسترالية٬ وبينما كان ملك إنجلترا تشارلز يحظى باستقبال حافل من قبل الحكومة الاسترالية خلال زيارته للبلاد، اقتحمت الحفل النائبة في البرلمان الاسترالي ليديا ثورب، سليلة أحدى قبائل السكان الأصليين في أستراليا، وصاحت بصوت سمعه الجميع “أنت لست ملكنا”.

وواصلت ثورب موجهة حديثها إلى تشارلز “لقد ارتكب قومك جريمة إبادة بحق شعبي، أعد لنا أرضنا التي سلبتمونا إياها” ثم هتفت بسقوط الاستعمار، قبل أن تُخرجَ قسرا من القاعة من قبل قوات الأمن، وسط ذهول الملك الانجليزي.

ثورب التي سببت حرجا بالغا لحكومتها ولضيفها، تتخذ موقفا مناصرا للشعب الفلسطيني، تُعَبّر عنها عبر موقعها الإلكتروني بالقول إن سكان أستراليا الأصليين يتفهمون تماما نضال الشعب الفلسطيني؛ لأن كلا الشعبين – على حد تعبيرها – عانى من استعمار استيطاني أدى إلى فقدان كلا الشعبين أراضيهم ومواردهم الطبيعية وهويتهم الثقافية والحضارية.

ليديا ثورب

في كلا المشهدين، ثمة إدراك مدهش ووعي عميق؛ بأن المعركة التي تدور منذ أكثر من عام على أرض قطاع غزة، ليست معركة الشعب الفلسطيني وحده، وإنما هي معركة كل من عانوا ومازالوا يعانون في هذا العالم، من فكرة مفادها أن ثمة شعب أرقى من شعب، وعرق أفضل وأسمى من عرق، وبالتالي يحق للأول أن يبيد الثاني ويستولي على أرضه.

تلك الفكرة التي بدأت منذ القرن الخامس عشر الميلادي حين وصلت طلائع سفن البرتغال إلى شواطئ غرب أفريقيا عام ١٤٤٥، لتبدأ صفحة قاتمة في تاريخ القارة السمراء، تدعى تجارة الأفارقة كعبيد إلى أوروبا.

ثم خرجت الفكرة الخبيثة من عقالها، بعد سقوط آخر معاقل العرب والمسلمين في الأندلس، وتحديدا في غرناطة عام ١٤٩٢، لتمتد التجارة المذكورة إلى مستعمرات الأوروبيين الجديدة في الأمريكتين، ويُحْضَر أسلاف الناشطة الأمريكية المذكورة، كعبيد إلى ما أسماه الأوروبيين “العالم الجديد”.

ثم يمتد نتاج الفكرة إلى أستراليا منذ مطلع العام ١٧٨٨، مع تأسيس أول مستعمرة إنجليزية على أرض القارة، وبداية إبادة المستعمرين للسكان الأصليين الذين تنحدر من نسلهم النائبة ثورب.

لم تكن المنطقة العربية بمنأى عن الفكرة المشار إليها؛ إذ أدت إلى استجلاب يهود أوروبا إلى أرض فلسطين، وتأسيس دولة لهم على حساب أهل البلاد.

ليس من المبالغة القول إن معركة “طوفان الاقصى” التي انطلقت منذ أكثر من عام، هي معركة كل الفئات السابقة، وهي محاولة لإسقاط الرؤية العنصرية المقيتة التي حكمت العالم منذ نحو سبعة قرون، واستبدال العالم الذي أنتجته بعالم مغاير، يسترد فيه المنهوبون أراضيهم والمحتلون حريتهم والمستضعفون كرامتهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock