رؤى

75 عاما علي النكبة: دولة الاحتلال تواصل محو ذاكرة الجغرافيا البشرية الفلسطينية

ترجمة: كريم سعد

في عام 1967، طردت إسرائيل سكان إمواس، وهي قرية فلسطينية تقع شمال غرب القدس، استولى الصهاينة عليها خلال حرب الأيام الستة، وهُدِمت البلدة.

وفي الوقت الحالي، تحت أشجار الأوكاليبتوس والبلوط غير محلية النمو، تكمن بقايا القرية، جنبًا إلى جنب مع ثلاث قرى أخرى، جزءا من حديقة آيلون كندا، حيث لا يوجد سوى أثر ضئيل لحياة سكانها السابقة.

وأصبحت أكثر من 180 قرية فلسطينية – هُجّر سكانها خلال التطهير العرقي لفلسطين المعروف بـ”النكبة” في عامي 1947/ 1948، الآن مواقع ترفيهية إسرائيلية.

وبعد تأسيس دولة إسرائيل في عام 1948، بدأت الجهات الحكومية والمنظمات غير الربحية -مثل الصندوق القومي اليهودي- في تحويل القرى الفلسطينية المُهجّرة إلى مساحات خضراء، بزعم أسطورة صهيونية تقول أن الاستيطان يجعل الصحراء تزهر.

وأشارت نجوان بركدار، مديرة الإعلام والدعاية في منظمة “ذاكرات”، التي تعزز مساءلة المجتمع الإسرائيلي عن النكبة، قائلة: “إن الحقيقة التي تظهر فيها بعض هذه الغابات بدون أسماء، ولا تحظى بالعناية، ولا يمكن الوصول إليها للمشي أو أي نوع من الأنشطة، تدل على أن هدفها الوحيد هو الاستيلاء فعليًا على الأرض وتغطية بقايا القرى ومنع عودة اللاجئين”.

واعترف حيدر أبو غوش، الذي طُرِدَ من إمواس وعمره 14 عامًا، بأن العديد من سكان القرية الذين أصبحوا لاجئين لا يمكنهم حتى زيارة الأرض التي كانت تعود لهم في الماضي.

وصرح أبو غوش “أصبحت هذه الحديقة منطقة ترفيه لليهود الإسرائيليين، وأي شخص مسموح له بالوصول إليها، لكن للأسف، الأشخاص القادمون من القرية الذين لا يزالون يعيشون في الضفة الغربية لا يستطيعون الوصول إليها”.

بعد أن هُجّر، نشأ أبو غوش في رام الله في الضفة الغربية المحتلة. واليوم يستطيع الوصول إلى أرضه؛ فقط لأنه حصل على الجنسية الإسرائيلية، عندما تزوج من امرأة فلسطينية تحمل الجنسية الإسرائيلية.

دور الصندوق القومي اليهودي في إخفاء التاريخ

تأسس الصندوق القومي اليهودي في عام 1901 خلال المؤتمر الصهيوني في سويسرا، وكانت مهمته شراء الأراضي في فلسطين للاستيطان اليهودي.

وكانت العملية تتم عادةً من خلال ملاك الأراضي الغائبين، ولكن عندما أدرك الفلسطينيون جهود الصندوق القومي اليهودي في العشرينات من القرن الماضي، رفضوا بيع أراضيهم للمنظمة. لذلك، توجه الصندوق القومي اليهودي إلى طرق أكثر خبثًا للاستيلاء على الأراضي، مثل تجنيد فلسطينيين لشراء قطع أراضٍ للصندوق.

وبحلول عام تأسيس الكيان، تحول ما يقرب من 90 % من الأراضي الفلسطينية التي المُسْتَولَى عليها خلال النكبة، إلى ملكية الدولة والصندوق القومي اليهودي، بموجب أوامر وتشريعات عسكرية إسرائيلية.

وشرحت نوجا كادمان، مرشدة سياحية إسرائيلية ومؤلفة كتاب “محو من المكان والوعي: إسرائيل والقرى الفلسطينية المهجرة عام 1948″، أن الصندوق القومي اليهودي بدأ حملته لتشجير الأراضي لجعل فلسطين تشبه الدول الأوروبية التي جاء منها المستوطنون الصهاينة. ولكن بعد عام 1948، أصبحت زراعة الأشجار وسيلة لإخفاء تاريخ الفلسطينيين.

وقالت كادمان، “تجاهلت سلطات الحدائق، القرى تمامًا”، ووصفت كيف أن اللافتات نادرا ما تذكر أن المنطقة كانت قرية فلسطينية في الماضي.

وأكدت أنهم يعرضون القرى على أنها كانت عنيفة تجاه اليهود أو الإسرائيليين أو ضد الاحتلال، دون أن يتحدثوا عنها بوصفها أماكن مدنية عاشت فيها العائلات”، وأضافت كادمان. “هم لا يصفون أبدًا الأسباب الحقيقية لفراغ تلك الأماكن الآن”.

وأوضحت كادمان أن المعلومات المقدمة في هذه الحدائق تعمل على تعزيز السرد الخاطئ لبلد ذو غالبية يهودية، حيث قالت “إنه جزء من ألية تشكيل الوعي الإسرائيلي أو عدم الوعي بالقصة الكاملة للتاريخ والجغرافيا في البلاد”.

نكبة لم تنتهِ

وأكدت بركدار من زخروت أن حملة التشجير التابعة للصندوق القومي اليهودي لم تنتهِ، وشددت على أن عملية المحو من خلال البيئة مستمرة.

 وقالت بركدار: “لم يلعب الصندوق القومي اليهودي دورًا فقط في تهجير الفلسطينيين في عام 1948، بل إنهم ما زالوا يلعبون تلك الدور حتى اليوم”.

وفي الوقت الحالي، يعمل الصندوق القومي اليهودي، على تعزيز التنمية الحصرية لليهود في المناطق الفلسطينية الكثيفة بالسكان مثل الجليل والنقب. ما يؤدي إلى استمرار السياسات التمييزية والتهجير وتصفية المشاعر الوطنية للفلسطينيين، وتجاهل حقوقهم المشروعة وتاريخهم.

إن النكبة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني لم تنتهِ، بل لا تزال تستمر عبر سياسات الاستيلاء على الأراضي والتهجير والتهويد. ومن المهم العمل على توعية المجتمع الدولي، ونشر الوعي حول هذه الحقائق والممارسات الظالمة، والتأكيد على ضرورة إقامة عدالة حقيقية وإحلال السلام العادل في المنطقة.

وقال أبو غوش: “حتى بعد مرور أكثر من 50 عامًا، لا أزال أشعر بالقلق. وأحيانًا يكون من الصعب أن أمنع نفسي من البكاء، لست أحب ذلك ولكن يجب علي أن أذهب فقط لأتحدث عن ما حدث”.

وعلى الرغم من محاولة إسرائيل لمحو ذاكرة الفلسطينيين، إلا أن الأرض مثابرة مثل شعبها وتنمو أجزاء صغيرة من فلسطين.

وتقول بركدار: “في كل منطقة فلسطينية تقريبًا أو في كل حديقة للصندوق القومي اليهودي التي قمنا بزيارتها، يمكننا رؤية الصبار. وهذا يخبرنا أن هناك قرية فلسطينية كانت موجودة هنا، وإذا نظرت بعناية حولك، ستجد أشياء يمكن أن تساعدك في التعرف على أنها أرض فلسطينية”.

ورغم محاولات التهويد والتهجير، فإن حقيقة الوجود الفلسطيني ما زالت تتسلل وتظهر من خلال عناصر صغيرة ومقاومة شعبها. ومن الضروري الاستمرار في رفع الوعي وإظهار حقيقة الوجود الفلسطيني والعمل على إحقاق العدالة والمصالحة لتحقيق سلام شامل في المنطقة.

كريم سعد

مترجم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock