ترجمة: أحمد بركات
تعالت في الآونة الأخيرة، أصوات بعض السياسيين الغربيين، بشأن إمكانية اندلاع حرب عالمية ثالثة بشكل لافت؛ بل وذهب بعضهم إلى أن أدخنة صراعاتها، تتراءى لهم من وراء الأفق، فوق مضيق تايوان وشبه الجزيرة الكورية وبحر الصين الجنوبي، وتمتد من هناك لتشمل آسيا بأكملها. وذهب البعض الآخر إلى حد إطلاق اسم “قوى المحور الجديدة” على روسيا والصين وإيران.
وبكل الأحوال.. تبقى الخبرات السابقة ووقائع التاريخ، طالما ما زالت حية في الذاكرة، دليلا ومرشدا إلى المستقبل.
في هذا الإطار، أكد الكاتب ومحلل الشئون الدولية شين بينغ، أن العالم يعاني “مخاض حقبة جديدة من التغيير والاضطرابات”، وأن ثَم أوجه شبه لا يخطئها، من لديه أدنى دراية بالتاريخ الحديث، بين الموقف الراهن وعشية الحربين العالميتين السابقتين.
وأشار الكاتب عبر مقال حمل عنوان Is World war III envitable? إلى أن “المشكلات الداخلية المتفاقمة في الدول المتقدمة”، من شاكلة التباطؤ الاقتصادي وغيرها، قد امتدت آثارها وبقوة إلى دول أخرى، حيث تعمل القوة المهيمنة المسكونة بالحفاظ على تفوقها وسيادتها، على تأجيج المنافسة بين القوى العظمى. ومن ثم فإن احتمالية أن تخرج الصراعات الإقليمية عن السيطرة؛ تتزايد بوتيرة متسارعة، ما يفاقم من خطر المواجهة بين الكتل.
إلى ذلك، تمر النزعة الشعبوية وسياسات الحماية والأيديولوجيات اليمينية المتطرفة في الغرب، بمرحلة صعود تاريخي، فيما تفتقر الدول الكبرى إلى الثقة المتبادلة والتنسيق فيما بينها. وقد أدى ذلك كله إلى تفاقم حالة “عدم الثقين وعدم الاستقرار” التي يعاني منها العالم، و”تقويض فعالية النظام العالمي”.
وبعبارة أكثر وضوحا، فإن الولايات المتحدة، القوة العظمى التي تعزف منفردة على عرش العالم، قد باتت “مصدر خطر اندلاع حرب عالمية ثالثة بطرق عديدة”، وفق شين.
وتسعى الولايات المتحدة إلى تشكيل أنظمة الدول الأخرى، وتشكيل نظام عالمي قائم على قيمها وتصوراتها الخاصة، وتقسيم العالم إلى معسكرين “ديمقراطي و”غير ديمقرطي” من خلال الترويج لسردية “الديمقرطية مقابل الاستبداد”.
وتعمل الولايات المتحدة ضد العولمة، حيث تعمد إلى “تقويض آليات التعاون الدولي، واستغلال هيمنتها المالية لتصدير التضخم ولإجبار الدول الأخرى، خاصة الاقتصادات الناشئة، على سداد الفاتورة”.
كما تعمل على تقييد حركة التجارة والتعاون الاقتصادي، عبر الترويج لسياسات ومزاعم أمنية زائفة، وتدفع نحو فك الارتباط بين الاقتصادات، وبناء باحة خلفية صغيرة ذات أسور عالية، لإعادة تشكيل المشهد الاقتصادي والتجاري الدولي بما يحقق مصالحها الخاصة.
وفي السياق تواصل الولايات المتحدة أيضا، تأجيج الصراعات الإقليمية، فيما ينعم قطاع صناعتها العسكرية بمكاسب غير متوقعة من الحروب. ويستدل شين على ذلك بالأزمة الأوكرانية الراهنة؛ فبينما أدت تلك الأزمة إلى تدمير حياة الأفراد في منطقتي الصراع، وترى واشنطن أن تسليح أوكرانيا يؤدي إلى زيادة نمو الاقتصاد الأمريكي، واستمرار تحقيق المكاسب.
ولاحتواء الصين، تحاول الولايات المتحدة استقطاب حلفائها وشركائها من خلال مفهوم “الردع المتكامل”، والترويج لنسخة “حلف الناتو في منطقة آسيا والمحيط الهادئ”، وتعزيز سردية “أوكرانيا اليوم وتايوان غدا”، بل والإشارة إلى الرغبة في استغلال قواعد وأسلحة جيشها لدعم بعض القوى في جزيرة تايوان.
ويمثل السلام الدائم، وفق شين، مجرد “وهم” في ظل نزعة الهيمنة. فعلى مدى تاريخها الممتد لأكثر من 240 عاما، لم تخض القوة المهيمنة على العالم حربا حقيقية لأكثر من 16 عاما.
وعلى خلفية حرصها على حماية سيطرتها على العالم، يرى شين أنه “ينبغي مراقبة التحركات التي قد تقوم بها واشنطن”، خاصة في ظل “إنفاقها العسكري الذي لا تضاهيها فيه قوة أخرى في العالم”.
وبالنظر إلى هذه العومل السلبية، يتردد السؤال: هل باتت الحرب العالمية الثالثة حتمية حقا؟! وفي معرض الإجابة، شدد شين على أنه “حسنا، فكما أن لكل غيمة جانبها المشرق، فإنه لا يزال هناك العديد من العوامل الإيجابية المهمة التي يمكن أن تساعد في منع اندلاع تلك الحرب”.
وأوضح الكاتب السياسي الصيني أن قوى السلام والتنمية تواصل نموها وتطورها، كما تعمل التوجهات نحو خلق عالم متعدد الأقطاب، وإرساء أسس عولمة اقتصادية على “إنشاء روابط أوثق بين الدول وتعزيز شعور الأفراد بالعيش، في مجتمع يتشاركون فيه المستقبل”، ما سيساعد على إبعاد شبح سقوط العالم في أتون حرب كبرى ثالثة.
إضافة إلى ذلك، فإن المشاعر المناهضة للحرب لا تزال قوية. وذات مرة قال ألبرت أينشتاين “لا أعلم بأي أسلحة ستقاتل القوى المتصارعة في الحرب العالمية الثالثة، أما الحرب العالمية الرابعة فستُخاض بالعصي والحجارة”.
لقد أخبرتنا الحربان العالميتان الأولى والثانية بأن الحروب ليست الطريقة المثلى لحل الخلافات، كما أن العالم لا يستطيع تحمل المزيد من ويلات حرب شاملة أخرى. وكلما ازدادت الفوضى في العالم، ازداد توق الشعوب إلى الاستقرار.
وقد تعززت بالفعل آليات دولية لإحلال السلام، وكانت الأمم المتحدة، بحسب شين، الدعامة الأساسية لنظام الحوكمة العالمية على مدى العقود الماضية. وبرغم تعالي أصوات الشك والتشكيك في المؤسسة الدولية، من وقت لآخر في السنوات الأخيرة، إلا أنه “لا يمكن إنكار أنها تقوم بدور إيجابي في الحفاظ على الأمن الدولي، وتعزيز الحد من الأسلحة المتقدمة، ومعالجة التحديات العالمية”.
ومع خشية الولايات المتحدة كلفة الحرب النووية، يؤكد شين أن الأسلحة النووية “غيرت بعمق طبيعة الحرب”؛ فوفق آلية الردع النووي، تميل الولايات المتحدة بدرجة أكبر إلى شن حروب بالوكالة وتأجيج الصراعات الإقليمية، ما يسمح لها بمواصلة بيع الأسلحة للأطراف المعنية والاستيلاء على ثرواتها.
ويرى شين أن النمو الصيني يشكل، على الجانب الآخر، “دفعة قوية لقوى السلام العالمية”. فمع التزامها بالتنمية السلمية، تشق الصين طريقا للنهضة السلمية يختلف عن مسار القوى التقليدية. وقد أدرجت الصين “المبادئ الخمسة للتعايش السلمي” ضمن دستور البلاد، كحجر زاوية لسياستها الخارجية المستقلة من أجل السلام، كما تعمل بدأب على “تعزيز محادثات السلام كوسيلة لحل الصراعات والخلافات”.
وحذر شين من أن البشرية تقف الآن على “مفترق طرق تاريخي”، وأن “خياراتنا اليوم ستشكل العالم غدا”، ليخلص إلى أنه “في خضم ما نواجهه حاليا من اضطرابات، يتعين علينا أن نضع نصب أعيننا دروس الماضي، وأن نتحقق من أن التاريخ لن يعيد نفسه”.
مصدر الترجمة: اضغط هُنا