“الثمن”.. هكذا عنْوَنَتْ صحيفة يديعوت أحرونوت (إحدى أكبر الصحف في الكيان الصهيوني) صفحتها الأولى، صبيحة الأول من نوفمبر ٢٠٢٤.
حيث توسطت الصفحة، كلمة “الثمن” باللغة العبرية محاطة بصور عشرات الصهاينة، ممن قتلوا أو لقوا حتفهم خلال شهر أكتوبر ٢٠٢٤، سواء من الجنود أو من المستوطنين.
وذكرت الصحيفة نقلا عن مصادر رسمية صهيونية، أنه خلال شهر أكتوبر، قُتل 64 جنديا، و24 مستوطنا.. وأضافت أن 4600 صاروخا ومُسَيَّرة أطلقوا خلال الشهر ذاته، نحو الداخل المحتل، وأن صفارات الإنذار، دوَّت 14 ألف مرة في مختلف أنحاء البلاد، ناهيك عن حقيقة أن أكثر من ١٠٠ أسير صهيوني، لايزالون في قبضة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.
في الوقت ذاته.. نشرت صحيفة هآرتس، اعترافات لقيادات في جيش الاحتلال الصهيوني، حول ارتفاع عدد الحوادث، التي قُتل فيها جنود بعبوات ناسفة في قطاع غزة، خلال شهر أكتوبر ٢٠٢4، مقارنةً بعدد القتلى بسبب الصواريخ المضادة للدبابات أو في الاشتباكات المباشرة؛ حيث قتل -وفقا للصحيفة- في غزة 17 جنديا، منهم 11 قتلوا جرّاءَ عبوات ناسفة، من بينهم 5 في جباليا وثلاثة في محور نتساريم، و3 في رفح جرّاءَ انفجار عبوات داخل مبانٍ.
وأرجعت الصحيفة ارتفاع عدد القتلى، في صفوف جيش الاحتلال في قطاع غزة، إلى ما اسمته اعتماد سياسة تتعلق باقتصاد استخدام السلاح، من قبل سلاح الجو، والدعم المدفعي للقوات البرية.
حيث أكد الجيش الإسرائيلي أنه يتعامل مع اقتصاد تسليح ضيق؛ بسبب العقوبات المفروضة على إسرائيل، من قبل الدول التي تزوده بالسلاح، وبسبب النشاط البري في لبنان، الذي أصبح الآن يحظى بالأولوية، حتى الآن.
وهو اعتراف يُظهر جليًا؛ أثر كلٍ من التظاهرات والفعاليات التضامنية مع الشعب الفلسطيني، التي دعت حكومات أكثر من بلد -إسبانيا نموذجا- لإعادة النظر في بيعها أسلحة للكيان الصهيوني، وكذلك تأثير الجبهة اللبنانية، التي تحولت منذ سبتمبر ٢٠٢٤، من جبهة إسناد لقطاع غزة المحاصر، إلى جبهة قتال ثانية في هذه المعركة.
إن الثمن الذي تتحدث عنه كلتا الصحيفتين -المشار إليهما أعلاه- هو ثمن يبدو أن الكيان الصهيوني ومجتمع المستوطنين الذي يقطنه على حساب سكان البلاد الأصليين – غير قادر أو غير مستعد لدفعه.
فعلى عكس أهل البلاد، الذين يعانون منذ أكثر من عام من جرائم آلة الاحتلال الصهيوني، المدعومة أوروبيا وأمريكيا إلى أقصى درجة – لا يبدو مجتمع المستوطنين مُرحِبا بفكرة التضحية، وتقديم ضريبة الدم من أجل هذه الأرض التي يدور عليها وحولها، ومن أجلها الصراع منذ أكثر من سبعين عاما.
فالخسائر تصيب جيشه بالإنهاك وتدفع جنود الاحتياط الذين استدعوا بالكامل، منذ بداية المعركة في أكتوبر ٢٠٢٣، للتململ من الخدمة العسكرية.
ويبدو أن الإنهاك في هذه الحالة غير مقتصر على الجنود، حيث كشفت صحيفة هآرتس، أن الجيش الصهيوني يعاني من فقدان الكثير من الكلاب البوليسية، التي تُستخدم في كشف المتفجرات.. حيث أصيب بعضها وقتل البعض الآخر؛ وأصيبت البقية بالإرهاق الشديد؛ نتيجة النشاط العملياتي الزائد، ما جعلها غير لائقة للعمل؛ في ظل تأكيد قادة جيش الاحتلال، على عدم وجود بديل لها في الوقت الحالي.
الأمر الذي دعا الكاتب الصهيوني يديديه ياعر، للاعتراف صراحة على صفحات جريدة يديعوت أحرونوت “ليس لدينا ما يكفي من الفرق العسكرية للبقاء في غزة ولبنان؛ ولن نجد لبنانيا واحدا مستعدا لكي يتجند في “جيش لبنان الجنوبي” مرة أُخرى، كذلك لن نجد فلسطينيا سيتجرأ على التعاون مع حُكم عسكري إسرائيلي، وسيقع كل العبء على قوات الاحتياط، وليس لدى إسرائيل القدرة على تحمُّل هذا العبء”.
واللافت في هذا الصدد.. أن المقاومة استطاعت أن تجبي هذا “الثمن” الدامي من العدو، في ظل تصاعد جرائمه في شمال قطاع غزة، ضمن “خطة جنرالاته” الهادفة إلى تهجير سكان الشمال؛ أي أن كافة الجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال، في إطار هذه الخطة، لم تؤثر على إمكانيات المقاومة، ولا على قدرتها على إلحاق الخسائر بجيش الاحتلال.
هذه الخسائر تجعل سيناريو تكرار أحداث السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، سيناريو لا يزال قائما في ذهن الصهاينة، رغم كافة المجازر التي ارتكبتها حكومتهم لإشعارهم بالأمن.
وهو ما عبّر عنه رئيس الموساد السابق تامير فاردو، في تصريحات للقناة ١٢ العبرية حين قال: “أوضح السابع من أكتوبر الخطر الكامن في الاجتياح البري، واحتلال النقب الغربي على مدار يوم كامل حُوّل هذا الخطر -وبحق- إلى كابوس”.
والحق أن هذا الكابوس الذي يشير إليه فاردو، سيبقى قائما إلى أن يزول الاحتلال.