في أواخر الستينات من القرن الماضي، عمد جيش الاحتلال الصهيوني، إلى بث دعاية كقسم من حربه النفسية ضد العرب، مفادها أن هذا الجيش يستطيع أن يجتاح أي أرض عربية متى يريد.
ومن أمثلة تلك الدعاية: نكتة سمجة تدل على مدى الصلف الصهيوني، في تلك الآونة ملخصها أن مجرم الحرب الصهيوني موشيه دايان، كان يتحدث إلى أحد جنرالات جيشه ثم سأله: ماذا نفعل اليوم؟ فرد الجنرال ساخرا: نحتل بلدا عربيا آخر! فيرد ديان ضاحكا: وماذا نفعل بعد الظهر؟
هذه الدعاية التي تمثلها هذه النكتة لم تدم طويلا، إذ سرعان ما تقهقر الجيش الصهيوني؛ تحت وطأة الضربة العربية المباغتة في أكتوبر من عام ١٩٧3.
ورغم اجتياحه للبنان من أقصاه إلى أقصاه عام ١٩٨٢، إلا إنه اضطر إلى التراجع مرة أخرى، تحت وطأة ضربات المقاومة اللبنانية ٢٠٠٠.
واليوم تبدو نكتة دايان أو قل دعايته المشار إليها أعلاه أبعد ما تكون عن الواقع.
فالجيش الذي تباهى ذات يوم بقدرته على احتلال أرض العرب؛ بل على احتلال بلد مثل لبنان بإرسال فرقة الموسيقى العسكرية إليه فقط – لا يستطيع التقدم سوى بضع أمتار في جنوب لبنان.
حيث يبدو “تقدُّم” القوات الصهيونية في قرى الجنوب اللبناني، أشبه بزحف بطيء حذر؛ يواكبه في كل خطوة، ضربات من قِبَل المقاومة اللبنانية، تُكلّفه خسائر جمة في الأرواح والمعدات على حد سواء.
هذا الوضع هو ما دعا صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، في تقرير لها للقول صراحة أن “50 ألف جندي لم يحتلّوا قرية واحدة في جنوب لبنان” منذ بداية الحملة البرية الصهيونية في تلك المنطقة.
حيث كتب يوسي يهوشع في يديعوت أحرونوت أنه “بعد شهر من المواجهة البرية، لم تنجح خمس فرق عسكرية إسرائيلية مع لواء احتياط، في التقدم والتمركز في الجنوب اللبناني”
وأضاف “والحديث يدور حول أكثر من خمسين ألف جندي، أي ثلاثة أضعاف الجنود الذين شاركوا في حرب تموز 2006، ورغم القوة النارية التي يمتلكها الجيش الإسرائيلي واستعماله سلاح الجو، فقد فشل في احتلال ولو قرية واحدة في الجنوب اللبناني”.
ولم يجد الكاتب مَفَرًا من الاعتراف، بأن سبب هذا الفشل في التقدم هو “نجاعة التكتيك الميداني الذكي الذي ينتهجه حزب الله، والذي يعتمد على تتبع مجريات الحرب، على عدد من خطوط الدفاع التي تشمل خطوطا ثابتة، وأخرى متحركة ومجهزة بشتى أنواع القذائف التي تقنص المدرعات والدبابات والجنود الإسرائيليين بشكل دقيق.
وأضاف “كما أن حزب الله يستخدم تقنية الاختفاء، حيث لا يرصد الجيش الإسرائيلي في الغالب مصادر النار التي تفاجئه، وتفشل خطته في التقدم حتى الآن، كما أن سلاح الجو الإسرائيلي لا ينفع مع قوات متخفية في مناطق صعبة جغرافيا؛ لذلك يلجأ إلى ضرب البُنى التحتية والمدنيين”.
وأشار إلى “أن فشل الجيش في التقدم، ناجم عن صعوبة رسم خريطة دقيقة لتمركز قوات حزب الله، حيث يفاجأ عند كل تقدم بكثافة نارية رهيبة؛ وما يزيد من خطورة التقدم، المُسيّرات الصغيرة التي لا يمكن مواجهتها”.
وبطبيعة الحال فإن التكلفة البشرية في هذه الحالة “تكون مرتفعة وربما أكثر من حصيلة قتلى الجيش الإسرائيلي طوال الحروب التي خاضها منذ أواخر الأربعينيّات؛ حتى طوفان الأقصى.. لذلك سيدخل الجيش الإسرائيلي في مأزق حربي، إذا ما تقدّم وسيكون أمام سيناريو رهيب”.
كما أوضح مراسل القناة الثانية عشرة العبرية بعد عودته من الحدود اللبنانية أن المقاومة هناك “لديها وسائل رؤية ليلية وراصدين، ولديهم فهم حول كيفية توجيه كل شيء لأنها منطقتهم”
أما على جبهة قطاع غزة، فلا تبدو الصورة أفضل بالنسبة لجيش الاحتلال، فبعد عام كامل من المعركة؛ لم يتوقف خلالها نهج التدمير الممنهج والمجازر المتعمدة بحق السكان من قبل الجيش الصهيوني، لم ينجح هذا الأخير في استعادة أسراه أو في وقف المقاومة، أو في جلب الأمن للمستوطنين أو في استعادة صورة الردع.
وفي شمال القطاع -تحديدا- حيث يمارس جيش الصهاينة ما وصفه الكاتب إيال بنفينيست في صحيفة هآرتس “خطة إجرامية” وأنها “تُعتبر جريمة حرب، لأنها تستند إلى حصار سيؤدي إلى تجويع المجتمع المدني الذي لم يخرج من المنطقة التي فُرض الحصار عليها. هذا التجويع ممنوع، حسب القانون الدولي، والإخلاء أيضا مثلما هو مخطط له، مخالف أيضا لهذا القانون”.
رغم ذلك.. فإن خسائر جيش الاحتلال تتوالى على يد المقاومة الفلسطينية حيث اعترفت صحيفة يسرائيل هيوم أنه “في عملية جباليا سقط 19 جنديا وهو رقم مرتفع نسبيا يشير إلى صعوبة القتال”.
وأضافت “في جباليا للمرة الأولى منذ عدة أشهر، يواجه الجنود الإسرائيليين المسلحين في قتال وجها لوجه من مسافة قريبة”.
كما اعترفت جريدة يديعوت أحرونوت بأن مقاتلي المقاومة الفلسطينية “بدأوا بتغيير أنماط قتالهم، ويضللون جنود الجيش في جباليا”.
ومع توالي ضربات المقاومة في كل من جنوب لبنان وقطاع غزة لقوات العدو، ومع تزايد خسائره.. فإن نكتة دايان المشار اليه في بداية هذا المقال، لا تبدو سمجة فحسب، وإنما تبدو صفحة طوتها المقاومة، ومرحلة أنهتها منذ السابع من أكتوبر عام ٢٠٢٣.