بعد مرور أكثر من عام، على انطلاقة معركة “طوفان الاقصى”، ورغم حملات القمع الممنهج والعنيف، التي تعرضت لها التظاهرات الطلابية في عالم الشمال (أميركا الشمالية وأوروبا) إلا أن المقاطعة الأكاديمية للكيان الصهيوني، لم تتأثر بهذا القمع فيما يبدو.
حيث نقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن رئيس جامعة “بن غوريون” الصهيونية في مدينة بئر السبع الدكتور دانيال شارموفيت، قوله إنه منذ السابع من أكتوبر، رصدنا أكثر من 300 حالة مقاطعة، للنظام الأكاديمي “الإسرائيلي” قادمة من أوروبا والولايات المتحدة وكندا.
وأشار إلى أن حالات المقاطعة، تنوعت ما بين رفض المشاركة في المؤتمرات، وإلغاء النشر المشترك، وصولا إلى إلغاء الجامعات والمعاهد البحثية للعلاقات الأكاديمية مع المؤسسات “الإسرائيلية”، أو حتى وقف التبرعات والاستثمارات في الشركات التي تتعاون مع الأكاديميين أو الهيئات “الإسرائيلية”.
ولا تقتصر مقاطعة الكيان والداعمين له، على ساحات الجامعات -على أهميتها- وإنما تتعدّاها إلى حملات مقاطعة شعبية عفوية وتلقائية، لمنتجات الشركات الداعمة للكيان.
هذه الشركات بدأت تئن علنا، من وطأة هذه المقاطعة الشعبية لمنتجاتها، حيث أعلنت -على سبيل المثال لا الحصر- سلسلة محلات كارفور التابعة لشركة فرنسية داعمة للكيان الصهيوني، أنها بداية من الرابع من نوفمبر ٢٠٢٤، ستوقف جميع عملياتها في الأردن، ولن تستمر في العمل داخل المملكة.
كما أعلنت شركة أمريكانا للمطاعم العالمية، التي يندرج تحت مظلتها أكثر من 4500 مطعم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وكازاخستان، من أبرزها مطاعم لعلامات كنتاكي، وهارديز، وبيتزا هت، وكرسبي كريم و تي جي آي فرايديز، وأضافت مؤخرا بيتس كوفي، إلى جانب ويمبلي، تشكن تكا – عن تراجع أرباحها بنسبة 52%، خلال الربع الأول من العام 2024 إلى 28 مليون دولار، مقارنة مع 58.1 مليون دولار في نفس الفترة من عام 2023.
أما سلسلة محلات بيع القهوة الأميركية الشهيرة “ستاربكس” فأعلنت في أكتوبر ٢٠٢٤، عن تراجع مبيعاتها بنسبة 7% خلال الفترة بين يوليو وسبتمبر 2024، مقارنة مع الفترة نفسها من العام السابق، في ظل حملات مقاطعة تستهدف الشركات الدولية الداعمة للكيان الصهيوني.
ولم يكن عملاق الوجبات السريعة الأمريكي “مكدونالدز” بأفضل حالا حيث اعترفت إدارته في فبراير ٢٠٢٤، أن الصراع الدائر في قطاع غزة كان له “تأثير محسوس” على مبيعاتها، خارج الولايات المتحدة في الربع الأخير من عام ٢٠٢٣.
واعترف الرئيس التنفيذي لماكدونالدز كريس كمبينسكي، بأنه “طالما استمرت الحرب في غزة؛ فإننا لا نتوقع أي تحسن ملحوظ في المبيعات” في أسواق المنطقة العربية، وكلا من إندونيسيا وماليزيا وفرنسا.
تأثير المقاطعة الاقتصادية المشار اليها أعلاه، لم يكن خافيا على الكيان الصهيوني، حيث اعترفت صحيفة “هآرتس” العبرية في شهر يونيو ٢٠٢٤، أن المقاطعة تتسع وستحمل تأثيرا طويل الأمد، على تكلفة المعيشة وعلى القدرة التنافسية في “إسرائيل”، مشيرةً إلى أنّ “إسرائيل” شهدت بالفعل ارتفاعا في الأسعار، خلال الأشهر الأخيرة على خلفية الحرب على عدّة جبهات.
مقاطعة الكيان اتخذت شكلا آخرَ، تجسد في ملاعب الرياضة وخاصة كرة القدم وبلغ ذروته في شهر نوفمبر ٢٠٢4، في العاصمة الهولندية أمستردام التي استضافت على أرضها مباراة بين نادي “أياكس امستردام” الهولندي، ونادي المكابي وهو أقدم نادي صهيوني لكرة القدم، حيث أسسه مهاجرون يهود في فلسطين في العهد العثماني.
ووفقا للقناة 12 العبرية، فقد أفادت التقارير أنه قبل الاضطرابات، مزّق مشجعو مكابي تل أبيب الأعلام الفلسطينية المُعَلّقة على البنايات في شوارع أمستردام.
وفي الوقت نفسه، تم الإبلاغ عن مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين خارج الملعب.
تطور الأمر بعد اعتداء عدد من المشجعين الصهاينة، على سائقي سيارات الأجرة في أمستردام، وغالبيتهم من العرب وخاصة من المغاربة.
كما زاد الأمور حدة رفض جماهير مكابي قبل بداية المباراة التي انتهت بهزيمة ساحقة للفريق الصهيوني بخمسة أهداف مقابل لا شيء- الوقوف حدادا على قتلى الفيضانات في فالنسيا الإسبانية.
وجاء هذا الرفض مصحوبا بهتافات عنصرية من قبل الصهاينة، وصلت إلى حد السخرية من ضحايا الفيضانات الإسبان، بسبب موقف حكومة بلادهم الرافض للعدوان على قطاع غزة.
أتى رد الفعل على كل ما سبق سريعا بعد المباراة؛ حيث طارد المتضامنون مع فلسطين، لا سيما أبناء الجالية العربية في امستردام، مشجعي مكابي في شوارع العاصمة، وأشبعوهم ضربا وركلا.
ورصدت مواقع التواصل الاجتماعي، مشاهد للمشجعين الصهاينة، وهم يفرون من مطارديهم الذين استهدفوا أماكن تجمعاتهم في الفنادق، وأحرقوا العلم الصهيوني أمام أنظارهم.
أسفرت المواجهات عن إصابة ما لا يقل عن 30 صهيونيا، في الحوادث المختلفة والتي استمرت نحوا من خمس ساعات متواصلة؛ اعتقل على إثرها قرابة سبعين شخصا، على يد قوات الأمن الهولندية، وتسببت في حالة من الذعر في أوساط الصهاينة، بلغت حد تحذير مجلس الأمن القومي الصهيوني، جماهير مكابي تل أبيب من حضور مباراة للنادي في بولونيا الإيطالية، بسبب ما اسماه بـ”مخاوف أمنية متزايدة” بعد حادثة أمستردام.
إن أكثر ما يخشاه الكيان الصهيوني، ليس الأثر الاقتصادي للمقاطعة، ولا وقف المشروعات الأكاديمية المشتركة، وإنما أن يتحول بفعل هذه الحملة بتفرعاتها المختلفة- الى كيان منبوذ ومدان تماما، كما حدث مع نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، بداية من ثمانينات القرن الماضي.. وانتهى بسقوطه في نهاية ذلك العقد.
ذلك النظام الذي كان حليفا للكيان الصهيوني لسنوات طوال، جمعتهما فيه الأيدولوجيا القائمة على تفوّق عرق أو لون أو ديانة، على ما عداها. وهي أيديولوجيا سقطت في جنوب أفريقيا بفعل المقاومة في الداخل والمقاطعة في الخارج، وهو ما يجعل الكيان وقادته أكثر خشية اليوم من أي وقت مضى، من مصير مماثل لمصير حليفهم السابق.