على أحد مواقع التواصل الاجتماعي العبرية، انتشر -كالنار في الهشيم- مقطع مصور يظهر فيه مجموعة من جنود الاحتلال، وهم يراقبون بشكل لا يخلو من الصدمة والذهول – انطلاق الصواريخ من جنوب لبنان نحو شمال فلسطين المحتلة.
يقول الجندي للآخر، نحن نظفنا هذه المنطقة كيف يحدث هذا؟ يسأله الجندي الآخر كيف نظفناها؟ قال له نظفناها ألا تعرف كيف نظفناها؟ ثم يبدأ الآخر سيلا من السباب، قبل أن يقول زميله “إنهم يطلقون الصواريخ على زوجتي” ليرد آخر بمرارة “وعلى زوجتي أيضا”.
دهشة الجنود لم تقتصر عليهم، وإنما امتدت إلى جموع المستوطنين الصهاينة؛ حيث صرّح أحدهم للقناة ١٢ العبرية، أن الجيش طمأنهم – أي مستوطني الشمال- أن المقاومة اللبنانية صارت “بعيدا ثلاثة كيلو متر عن الحدود، ولكن تبين أن هذا غير صحيح على الإطلاق؛ حيث أطلقوا منذ يومين صواريخ من نقطة قريبة جدا من الحدود”.
القناة ذاتها نقلت عن مسئول في جيش العدو قوله: “في الآونة الأخيرة.. ظهرت على المقاومة اللبنانية علامات التعافي واستعادة بعض القدرات، التي تضررت.. والتكيف مع الوضع؛ خاصة في مجال القيادة والسيطرة.
الدهشة هنا لها ما يبررها لدى الصهاينة، فالجيش الذي اجتاح لبنان عام ١٩٨٢، وحاصر عاصمته في نحو أسبوع، أنفق في هذه المعركة أكثر من ٤٠ يوما، ولم يستطع خلالها تجاوز القرى الحدودية مع لبنان أو السيطرة على أي منها.
والمقاومة اللبنانية التي تصور الصهاينة أنَّ الضربات التي تلقتها والتي بلغت أوجها مع استشهاد أمينها العام السيد حسن نصر الله، كانت كفيلة بتفكيك بنيتها، تقدم اليوم في الميدان، صورة مغايرة لكافة تصورات الحكومة الصهيونية.
وهو ما رصدته “وول ستريت جورنال” الأمريكية؛ حيث نقلت عن جنود صهاينة شاركوا في معارك جنوب لبنان، أنّ المقاومة هناك تستخدم أسلوب حرب العصابات، ذلك الأسلوب الذي تدرَّب مقاتلو المقاومة عليه طويلا، وعلى استعداد تام لتطبيقه على أرض الميدان.
ووفقا للصحيفة.. فإن ما اسمته “الحمض النووي” للمقاومة اللبنانية، يُمَكِّنُها من الاستمرار في خوض المعركة، حيث عزّزت المقاومة من صلاحيات القيادات الوسطى، وسمحت للوحدات الصغيرة بالتصرف في ميدان المعركة بشكل مستقل. وهو أسلوب مَكَّن المقاومة -وفقا لخبراء عسكريين- من استيعاب الضربات التي تلقتها، ورد الصاع صاعين.
وروى جنود احتياط صهاينة للصحيفة، إن مقاتلي المقاومة اللبنانية والذين اعترفوا أنهم منظمون للغاية، في وحدات صغيرة تدير ذاتها بذاتها، ينتظرون في الخنادق أو في بيوت أعدَّت في جنوب لبنان، ثم يفاجئون الجنود الصهاينة؛ بهجمات مباغتة على طريقة “اضرب واجري”.
واعترف الجنود أن أسلوب حرب العصابات والمشابه- وفقا للجنود- لأسلوب المقاومة في قطاع غزة، والذي تنتهجه المقاومة اللبنانية، قد كلَّفهم خسائر في صفوفهم ما بين قتيل وجريح لا سيما في شهر أكتوبر ٢٠٢٤.
أما على صعيد الصواريخ، التي تطلقها المقاومة اللبنانية، على شمال ووسط فلسطين المحتلة، فقد تسبب تلك الصواريخ – باعتراف الإعلام العبري- في حركة نزوح من مدينة حيفا، وهي ثالث أكثر المدن اكتظاظا، بالمستوطنين في فلسطين المحتلة، إلى الوسط في تل أبيب.
ورسمت صحيفة جيروزاليم بوست، صورة لهذا النزوح من خلال تصريحات أحد مستوطني حيفا، الذي صرح للصحيفة: “نيران الصواريخ التي تطلق من لبنان، في اتجاه حيفا لا تتوقف. يبدو أنني أستطيع التخلص من المنبه.. فقد حدد حزب الله الآن موعدا لإيقاظ حيفا في نحو الساعة الـسابعة صباحا بالصواريخ التي يطلقها، وما يتبعها من دوي صفَّارات الإنذار”.
الأمر الذي جعل كثيرا من المستوطنين، يشكك في قدرة الحكومة الصهيونية الحالية على الوفاء بتعهداتها، بإعادة مستوطني شمال فلسطين إلى بيوتهم، في حين أن النزوح لم يعد قاصرا على الشمال وإنما امتد إلى مناطق أخرى.
وقال تقرير للقناة “12” العبرية صراحة: “الإسرائيليون لا ينوون العودة إلى الشمال (الحدود اللبنانية)٬ ليكن الأمر واضحا، لا أحد يريد أن يكون وقودا للمدافع والصواريخ”.
الأمر الذي عبّر عنه رئيس المزرعة الجماعية (موشاف بالعبرية) في منطقة مرجليوث “إيتان دافيدي” في سخرية مريرة حين قال: “سمعت بأن وزير الحرب الجديد، أعلن عن هزيمة حزب الله، أود حقا أن أفهم وجهة نظره، لأنه يبدو أن هناك شيئًا يراه ونحن لا نستطيع ذلك”.
في الصورة المشار إليها أعلاه.. ثمة قاسم مشترك وحيد بين كل من المعركة الحالية ومعركة لبنان عام ١٩٨٢، وهي عقلية العدو المتغطرس الذي دخل إلى لبنان، وهو يسميه “وادي النزهات” ليفاجأ هناك بمقاومة، دعت صحافته إلى وصف لبنان بعد ذلك التاريخ بسنوات معدودة بـ”مستنقع الموت”.
ذلك المستنقع الذي يبدو أن العدو قد عاد إليه اليوم مرة اخرى.