رؤى

“كِشْ مَلِكْ”.. افتتاحية العهد والخيانة!

حتى لو تصدَّى السوڤييتي “جاري كاسباروف” أعظم لاعب في تاريخ الشطرنج –للغز اختفاء ضابط الاستخبارات الأمريكي الكندي “وليم جاي كار” عام 1954، لن ينجح ولو استعان الأخ “كاسباروف” بصديق مثل النرويجي “كارلسن” بطل العالم المتوج منذ أسابيع؛ لن يستطيعا فك شفرة الضابط الأمريكي الذي مات في ظروف غامضة.. فاللغز أكبر من “كاسباروف” و”كارلسن” ومن كل الأبطال التاريخيين للعبة؛ لأنَّ مفتاح الشفرة لم يسقط على رقعة شطرنج إنَّما على خريطة “جيو سياسيَّة” رُسمت في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وتم تلوينها بعد حرب فلسطين عام 1948.. خريطة الجغرافيا السياسية الجديدة في بلاد العرب تتكون من جزر متقاربة في المصالح والمواقف، تمثل أرخبيلا سياسيا يبدأ شمالا من أمريكا وينتهي عند اسرائيل .. ووسط هذا الأرخبيل سقط مفتاح اللغز داخل مياه نفطية سوداء وسط جزيرة العرب.

نعم لن ينجح “كاسباروف” حتى لو معه كل جبابرة الشطرنج عبر التاريخ في العثور على مفتاح الشفرة التي تفك لغز مقتل “وليم جاري” الباحث الكندي في علوم الآثار.

أُغلق الملف سريعا وأمرت الإدارة الأمريكية بإيقاف النشر في الصحف لِأَيَّةِ أخبارٍ تتعلق بموت ضابط الاستخبارات الكندي الذي يجيد التحدث باللغتين العربية والعبرية، بعد أن فضح الضابط دور المنظمات السرية العالمية في صنع الحروب والثورات التي أحدثت الخراب والدمار على البشر في آخر مؤلفاته “أحجارٌ على رُقعة الشطرنج” وشرح مخططاتهم السرية للسيطرة على العالم، وكان في القلب من هذا العالم السري والخفي الصهيونية العالمية والماسونية.. قامت الدنيا ولم تقعد داخل الأرخبيل السياسي الجديد بسبب “أحجارٌ على رُقعة الشطرنج” الكتاب الذي أثار حفيظة الصهاينة والقوى الخفية الجالسة على مقاعد الإدارة العليا لشركات النفط والسلاح العملاقة، والتي كانت موضوع الكتاب من أول سطر حتى آخرَ كلمةٍ فيه .

احجار على رقعة شطرنج

كان القتيل أول لاعب شطرنج في التاريخ يُخرِج أحجار الشطرنج من مربعاتها البيضاء والسوداء على رقعة اللعب إلى الجغرافيا السياسية، وبوصف المؤلف فإنَّ ما يحدث في العالم الجديد –وقتها– ليس إلا مؤامرة إبليس اللعين، حيث تحالفت قوى عالمية خفيَّة تعمل في الظلام تحركت وانتقلت من مواقعها عبر وسيط –الصهيونية والماسونية– إلى مواقع بعيدة عن موطنها للسيطرة على عقول معظم الذين يشغلون المراكز المهمَّة والحسَّاسة في العالم من خلال ما وصفه بمعتقد شيطاني فاسد ينص على أنَّ الحق هو القوة.. وتأسيسا على النص، اقتبست القوى الخفية، فكرة النقلات التكتيكية من لعبة الشطرنج لإلهاء الخصوم في جبهة، والانقضاض على جبهة أخرى ظنها “الطيبون” آمنة تحت مبدأ الانتشار والسيطرة لحشد القوة التي تكتسح الخصم وتصل إلى مؤخرة قواته وتنقض عليه بـ “كش ملك”.

وإذا كانت اللعبة على رُقعة الشطرنج تنتهي عند “كِشْ مات” فإنَّها ليست كذلك على رُقعة جغرافيا الحياة بتضاريسها السياسية وتربتها الاجتماعية ومناخها الثقافي، فهي تتواصل بلا نهاية ولا تنقطع رغم أنَّ المسرح العربي قدَّم رواية باسم “انتهى الدرس يا غبي” للفنان القدير محمد صبحي في أعقاب حرب 1973، وارتفاع سعر برميل البترول إلى مستويات غير مسبوقة حققت ثروة هائلة فاضت سيولتها –بكل أسى– على الأرخبيل السياسي الذي سبق وأن تشكَّل في قلب العالم العربي، تحت مظلة القواعد الشطرنجية لامتلاك القوة: السيطرة لابتزاز الخصم، والانتشار لترويعه وتهديده، والمناورة لإلهائه وخداعه قبل الهجوم الشامل، وكأنَّ الدرس لا ينتهي مطلقا.

في الشطرنج هناك لاعبون عرب يحملون لقب “أستاذ دولي كبير” يتيح لهم مقارعة عظماء اللعبة من الغرب والشرق، إلا أنَّ أعدادهم قليلة مقارنة بلاعبي روسيا وأوروبا وأمريكا، بينما يؤكد لنا الماضي والحاضر أنَّ أعداد الحكام العرب الذين يحملون لقب أستاذ دولي كبير في لعبة السيطرة والحكم والقتل أكبر بكثير، حيث أبدعوا في لعبة “الكشِّ” المميتة التي لا تقف عند حدود الأفراد إنَّما تتجاوزهم إلى الأوطان التي أرغمت على الانضمام إلى “الأرخبيل السياسي” على تُخُومِه وضفاف شواطئه فقط.

من هنا، وتحت التهديد بـ”كِشْ ملك” للأحوال العربية، أستسمحُ القراءَ في الاستعانة بأحجار الشطرنج واللجوء إلى تكتيكاته المتنوعة التي اخترعها عظماء اللعبة عبر أكثر من قرنين من الزمان –زمن تدوين التكتيك– للاقتراب أكثر من النظام العربي بمشتملاته السياسية والثقافية والاجتماعية في سلسلة “افتتاحيات” نقدية تتجول وسط ميدان المعارك المشتعلة في ميادين الحياة العربية المتنوعة، ونراقب نقلات الأنظمة والحكام والسياسات المزمع تمريرها في الإقليم، فضلا عن التيارات “المؤدلجة” فكريا سواء بالدين أو بغيره للوصول إلى نهاية اللعبة (end game) ربما نعرف مثلا أين يقفز حصان الملك للدفاع عن العرش؟ ومتى يخونه ويغادر موقعه أحيانا رغما عن إرادة الملك؟.

وقد نفهم من خلال وظائف الأحجار، لماذا يقصف فيل وزير الأحجار البيضاء جناح الملك الأسود على رقعة الشطرنج، ثم يعود فجأة ويغير إحداثيات القصف في الحياة السياسية ويبدل وجهته وهدفه إلى الوزير(ولي نعمته) في أحيانٍ أخرى.

الشيطان أمير هذا العالـم

ربما تقودنا الأحجار على رقعة الشطرنج إلى فك لغز مقتل السيد “وليم جاي كين” وربما –أيضا– إلى الاغتيالات في لبنان والعراق وسوريا واليمن.. قد تقودنا الأحجار كذلك إلى فك شفرة السودان الذي يدور في حلقة مفرغة من الثورات والانقلابات العسكرية، وقد تسرع الأحجار من نقلاتها لتصل بنا إلى اليمن لتكشف قصة العهد والخيانة في الأوطان.

وبين العهد والخيانة، وألغاز القتل العربي/العربي والضرب في المليان تدور لعبة “الشطرنج السياسي” أسبوعيا لعلنا نقترب أكثر من حقائق الصراعات في الأوطان العربية، وما إذا كانت لا تعرف إلا لغة الدم أم تستطيع أن تقول: كش ملك.

الحلقة المقبلة: حصان الملك أهم من الوزير!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock