بمجرد إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام ٢٠٢٤، والتي أسفرت عن فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب، وعودته مرة ثانية إلى البيت الأبيض – سادت حالة من الارتياح، في أوساط الحكومة الصهيونية.
لم يخف رئيس الحكومة الصهيونية الحالية وبعض أعضائها، ارتياحهم لعودة ترامب إلى المكتب البيضاوي، وأعربوا عن ذلك صراحة في تصريحات أدلوا بها لوسائل الإعلام.
ينبع الارتياح الصهيوني -المشار إليه أعلاه- من اعتقاد لدى تلك الحكومة، مفاده أن ترامب يسمح لها باستكمال جرائمها، في كل من جنوب لبنان وقطاع غزة؛ بل وربما يسمح لها أيضا بمهاجمة المشروع النووي الإيراني قبل اكتماله.
لكن ثمة صورة مغايرة ترسمها الصحافة العبرية لعودة ترامب، الكاتب عيران باشيف يقول عبر مقال في صحيفة هارتس: “لدى الأميركيين تعبير هوHigh maintenance person، يصفون فيه شخصا يتطلب “صيانة عالية”.
أعتقد أن هذا هو السبب الذي من أجله سيطرد ترامب نتنياهو من الحكم، عاجلا أم آجلا، وذلك لسببين يعتمدان على اعتبارات اقتصادية: الأول، يرى ترامب في نتنياهو شخصا يتطلب “صيانة عالية”. الثاني، يرغب ترامب -بشدة- في اتفاق مع السعودية يجعله ثريا، هو وعائلته، وهذا يتطلب دولة فلسطينية، غير أن نتنياهو أقسم على معارضة ذلك”.
ويضيف الكاتب الصهيوني باشيف أن ترامب ليس لديه -على عكس ما يتصور كثيرون- أية التزامات تجاه الحكومة الصهيونية الحالية؛ حيث أن “ترامب حقد على نتنياهو بسبب علاقته بـ جو بايدن. علاوةً على ذلك، يقلل ترامب -ظاهريا- من إظهار عدائه وعداء عائلته للسامية، لكن سياسة والده في تأجير الشقق في نيويورك كانت طافحة بالعداء لليهود”.
ويرى عيران أن ترامب يسعى للسيطرة على الأحزاب الصهيونية عبر وسيلتين: “الأولى هي أن يرسل رسالة إلى الأحزاب في إسرائيل، وعلى رأسها الأحزاب الحريدية (أي الأحزاب المعبرة عن اليهود المتدينين) مفادها أن نتنياهو “أنهى مسيرته المهنية”، وهم سيفهمون ذلك بسرعة كبيرة.
والطريقة الثانية، استخدام الضغوط المالية (العصا والجزرة) على نتنياهو والليكود، وعلى قوى أُخرى”.
في المقابل.. فإن محور المقاومة أو كما يسميه الكاتب “إيران وذراعها” هم “منتبهون لتراجع التأييد الأميركي لإسرائيل، ومجيء زعيم أميركي، هو صديق للزعيم الروسي فلاديمير بوتين، يساعد إيران”.
النتيجة ذاتها وصل إليها كاتب آخر في نفس الصحيفة هو نداف تامير حيث كتب “عقب فوز ترامب، يمكن الافتراض أنه جرى فتح الشمبانيا الزاهية في ديوان رئيس حكومتنا.
لكن من الأفضل أن ينتظر نتنياهو والمحيطين به قليلا، وأن يخففوا من التفاؤل؛ لأن الواقع أقل ورديةً من الشامبانيا. المحيطون بترامب ليسوا مثل الإنجيليين الذين كانوا يعتبرون إسرائيل الخير المطلق، وأنه يجب دعمها من أجل الدفع بحرب “يأجوج ومأجوج” في معركة نهاية العالم المأمولة”.
وأضاف “يمكن أن يكتشف نتنياهو قريبا ما أشار إليه ترامب قبل الانتخابات: أنه يتوقع من نتنياهو إنهاء القتال في غزة ولبنان، حتى موعد تنصيبه يوم 20 يناير”.
وذلك لأن “مصلحة ترامب والمحيطين به المركزية، ليست في الوقوف إلى جانب إسرائيل، إنما في ألّا تُشكِّل إسرائيل مشكلة لهم مع بداية الولاية، لذلك سيفعّلون كل الضغوط الممكنة على نتنياهو لإنهاء الأمور بأيّ ثمن، حتى لو كان الثمن ائتلافه”.
ستكون الفرحة في مكتب نتنياهو قصيرة جدا؛ لأنه سيتضح سريعا أن “الصديق ترامب” هو صديق مشروط. فترامب لن يكون مستعدا لدفع أيّ ثمن باسم الصهيونية”.
ويخلص تامير إلى أن “دولته” ستخسر صديقة مخلصة، في إشارة إلى كاميلا هاريس المرشحة الديمقراطية “سنخسر حليفة صادقة، ونحصل على نرجسي عنصري، كقائد للدولة الأهم في العالم، لا يهتم بالتحالفات وتخصيص الموارد خارج حدود الولايات المتحدة. يمكن أن يتضح أن معنى “لنجعل أميركا عظيمة مرة أُخرى” هو “لنجعل إسرائيل أضعف إلى الأبد”.
أما المحلل العسكري الصهيوني عاموس هرئيل، فكتب أيضا في هآرتس مُحذرا “لطالما كان ترامب لغزا محاطا بالغموض: فهو متقلب المزاج، أناني ومن الصعب توقع ردات فعله.
وفي نسخته 2025، سيقدم -على الأرجح- نموذجا جديدا من فترته الرئاسية الأولى: بلا كوابح، أو ضوابط، وتكاد تكون من دون أيّ جنرالات متقاعدين حوله ممن يعتقدون –بلا جدوى– أنهم قادرون على السيطرة عليه، كما كانت عليه الحال قبل ثمانية أعوام”.
ويكشف هرىيل أنه “بعد هجوم 7 أكتوبر، وصف ترامب الإسرائيليين، خاصة وزير الدفاع يوآف غالانت، الذي أقاله نتنياهو، بأنهم “خاسرون” بسبب مفاجأة حماس. ثم دعا إلى إنهاء الحرب في غزة، وأكد في الأيام الأخيرة، قبل الانتخابات، ضرورة إنهاء القتال في لبنان”.
ويؤكد المحلل العسكري: “سيهتم ترامب أولا بمصالحه، وهذه المصالح قد لا تتماشى دائما مع توقعات ائتلاف نتنياهو”.
تحذير مماثل أطلقه الجنرال المتقاعد عاموس يادلين عبر القناة ١٢ العبرية حيث صرح: “الحكومة الإسرائيلية تعاني من نقص حاد في الثقة، سواء من شعبها، أو على الساحة الدولية، وخصوصا في واشنطن، فعلى الرغم من فوز دونالد ترامب، فإن الرئيس جو بايدن سيستمر في منصبه حتى 20 يناير”.
إن عودة ترامب لن تغير من واقع الكيان الصهيوني الذي يعيش انقساما حادا جعل “الأعداء” بتعبير يادلين “ينظرون إلينا بارتياح، وقد يستغلون الأزمة التي يرونها في دولتنا”.