خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام ٢٠٢٤، والتي أسفرت عن فوز المرشح الجمهوري والرئيس السابق دونالد ترامب، على حساب مرشحة الحزب الديمقراطي ونائبة الرئيس الحالي جو بايدن كامالا هاريس، طرحت قضية حرب غزة وتأثيرها على أصوات الناخبين، مرات عدة في الإعلام الأمريكي.
لكن التغطية الإعلامية لتلك القضية، حصرت تأثير ما حدث ويحدث على أرض كل من قطاع غزة وجنوب لبنان، في بُعْدٍ واحد فقط وهو توجه الناخبين ذوي الأصول العربية والمسلمين الأمريكيين، وخاصة في ولايات ميتشيغان الأمريكية، التي تتواجد فيها أعداد كبيرة من أبناء هذه الجالية، ولها وزنها الانتخابي إذا صح التعبير.
لكن الكاتب في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية بيتر بينارت، يطرح وجها آخر لتأثير حرب غزة على نتيجة الانتخابات الأمريكية.
ففي مقال للكاتب المذكور أعلاه تحت عنوان “اختار الحزب الديمقراطي تجاهل غزة مما أدى إلى سقوطه” يرى الكاتب أن أثر الجرائم الصهيونية -المدعومة أمريكيا- في القطاع المحاصر، يتجاوز أصوات الناخبين ذوي الأصول العربية.
فعلى مدار عام أدت سياسة المجازر والتجويع التي ينتهجها جيش الاحتلال، بدعم أمريكي كامل تموله أموال دافعي الضرائب الأمريكيين، ويشاهدها العالم عبر مواقع التواصل الاجتماعي- إلى إطلاق أكبر موجة من “النشاط السياسي التقدمي” في جيل واحد على حد تعبير الكاتب.
حيث انتفض كثير من الأمريكيين، ضد تورط بلادهم الكامل في تدمير غزة، دون أن يكون لهم صلة مباشرة بشعب فلسطين، لا من الناحية العرقية أو الدينية.
وهذا وفقا للكاتب لأن المتظاهرين الذي انتفضوا من أجل غزة، تماما كما انتفض أسلافهم ضد حرب فيتنام، أو ضد النظام العنصري السابق في جنوب أفريقيا- لا يرون القضية من منظور ديني او عرقي، بل من منظور إنساني بحت.
ويؤكد الكاتب أن غضب الأمريكيين من سياسة بلاده تجاه غزة، كان أكبر في أوساط الأمريكيين السود، حيث أظهر استطلاع للرأي في يونيو ٢٠٢٤، أجرته شبكة إن بي سي التلفزيونية أن نحو ٧٥% من الناخبين السود الشبان- يؤيدون حظر توريد الأسلحة من بلادهم إلى الكيان الصهيوني.
إلا أن الإدارة الأمريكية المنتمية إلى الحزب الديمقراطي، استمرت في تجاهل أصوات المحتجين، ويضرب الكاتب مثالا من حملة هاريس الانتخابية.
فحين واجهها أحد المناصرين لفلسطين في مؤتمر صحفي في أغسطس ٢٠٢٤، – مقاطعا حديثها- اكتفت بالقول إنه شخص يريد لترامب أن يفوز.
كما رفضت حملتها خلال مؤتمر للحزب الديمقراطي؛ أن تسمح لناشط أمريكي من أصول فلسطينية أن يتحدث على المنصة الرئيسية.
هذا السلوك من قبل الحزب الديمقراطي؛ وفّر فرصة سانحة للمرشح الجمهوري ترامب، الذي استطاع استمالة الناخبين، الذي لم يقرروا حتى تلك اللحظة، لمن يمنحون أصواتهم.
ويشير الكاتب إلى أن النتيجة التي أسفرت عنها الانتخابات، كانت محل تحذير كثير من الكتَّاب والمعلقين المؤيدين للقضية الفلسطينية، والذين حذّروا هاريس وحزبها من خطورة تجاهل القضية.
ويخلص الكاتب إلى أن هناك سبيل واحد أمام الحزب الديمقراطي، وهو دعم حرية الشعب الفلسطيني، وجعل تلك القضية قضية مركزية بالنسبة للحزب، حيث إن التعامل مع الفلسطينيين كاستثناء، ليس فقط موقفا خاطئا من الناحية الأخلاقية، وإنما موقف أثبت مدى كارثيته من الناحية السياسية أيضا.
وإن كان لكاتب هذه السطور أن يضيف إلى ما ذهب اليه الكاتب الأمريكي المذكور أعلاه، فهو أن “لعنة غزة” -إذا صح التعبير- قد بدأت تصيب كل من أيَّد الإبادة الجماعية على أرض القطاع، بداية من رئيس الوزراء البريطاني السابق ريشي سوناك ومرورا بكاميلا هاريس.. ولن تنتهي الدائرة بهم.