“لقد أوضح لي ماهية الإيمان الحقيقي، وقد هداني الله إلى الإسلام من خلال هذا الرجل”.
بهذه الكلمات اختار الشاب الأمريكي المسلم كريستوفر ميكس، عبر حسابه على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، أن يرثي شهيد غَزَّة – والأمة- الشيخ خالد النبهان المعروف عند أهل القطاع بلقب أبو ضياء.
ظهر الشيخ النبهان لأول مرة أمام عدسات الكاميرات وعلى مواقع التواصل، في نوفمبر 2023، في أوج حرب الابادة التي يشنها جيش الاحتلال الصهيوني على أهل غزة؛ في مقطع فيديو يصوِّره وهو يحتضن حفيدته الطفلة التي استشهدت في غارة إجرامية صهيونية.
بدا الشيخ خالد ثابتا متماسكا؛ رغم فداحة الحدث وحبه الشديد لحفيدته، ظهر وهو يغمرها بالقبلات، كعادته في حياتها ويردد “هذه روح الروح”.
نقول، -بضمير مستريح- أن الشيخ خالد جسَّد منذ تلك اللحظة، وحتى لحظة استشهاده في 16 ديسمبر ٢٠٢٤، -أمرين يبغضهما الاحتلال وداعميه كل البُغض، الأول هو الصمود البطولي للشعب الفلسطيني العظيم، وبخاصةً أهل غزَّة.. والثاني هو الفهم الصحيح والعميق لجوهر العقيدة الإسلامية.
أما الصمود.. فجسَّده الشيخ خالد من خلال حوارات أدلى بها لمختلف وسائل الإعلام، وفي طليعتها حوار أدلى به لقناة سي إن إن الأمريكية بعد قصف الاحتلال لمنزله في غزَّة، وبدا كما في المقطع المُصوَّر -المشار إليه أعلاه- مُتحلِّيا بقوة مدهشة؛ مصدرها إيمانه الذي لا يتزعزع.
وأما الفهم للعقيدة.. فتجلَّى فيما نشره على مواقع التواصل من مقاطع مُصوَّرة تُظهره -وهو الشيخ المكلوم- يواسي أسر الشهداء، في قطاع غزَّة.. ويتلو عليهم آيات السكينة والصبر، وفي الوقت ذاته يحتضن أطفال القطاع، ممن شرَّدتهم حرب الإبادة من منازلهم.. يلهو الشيخ معهم ويبذل جهدا كبيرا في رسم بسمةٍ على شفاههم.
وفي الوقت ذاته.. بدا الشيخ وهو يبر والدته العجوز، متقاسما معها الخبز الذي أعد على نار الحطب، نظرا لقطع الاحتلال الوقود عن غزَّة، ويزور ضريح والده، ويحرص على أن يزينه ويرممه؛ ليكون في أفضل حالة ممكنة.
بل امتد عطف الشيخ الشهيد إلى حيوانات القطاع، مثل القطط.. فرأيناه يقتسم معها كسرات الخبز؛ رغم نُدرة الطعام في القطاع المحاصر.
بدا الشيخ كإحدى زيتونات فلسطين المتجذرة في أرضها، الرافضة للاقتلاع خاصةً وهو يقطف ثمار الزيتون، ويبلل بها لحيته التي زادته رونقا ووقارا وهيبة.
ليس ثمة مبالغة إن قلت أن الشيخ خالد بصموده وصبره وإيمانه الفريد -وبمجهود فردي بحت- غَيَّر صورةً نمطيةً أنفق عليها الاحتلال وداعميه من دول الشمال (أوروبا وأميركا الشمالية) المليارات من الدولارات، في وسائل الإعلام المختلفة؛ لتكريسها في أذهان شعوبهم.
وفقا لتلك الصورة النمطية التي كُرِّسَ لها على مدار أكثر من عشرين عاما؛ كان ينبغي لشعوب الشمال أن تبغض الشيخ خالد، وتعتبره مصدر تهديد، بسبب مظهره المتمثل في جلبابه المغربي وعمامته الأفغانية ولحيته الكثَّة.
لكن العكس تماما هو ما حدث، حيث انتشرت مقاطع الشيخ الشهيد المُصوَّرة عبر مواقع التواصل -انتشار النار في الهشيم- وبددت الصورة النمطية -المشار إليها أعلاه- لدى كثيرين.
عرض هذا المنشور على Instagram
بدا الشيخ على عكس الصورة تماما؛ تجسيدا لمفاهيم الحب والعطاء، وفي عيد ميلاد حفيدته الشهيدة؛ انهالت عليها التعليقات الحافلة بالتعاطف من كل حدب وصوب.
بل صارت شخصية الشيخ دافعا لعدد من الأوروبيين والأمريكيين؛ للاطلاع على العقيدة الاسلامية التي طالما شُوِّهَت في إعلام بلادهم.
كما وجد فنانون في شخص الشيخ خالد مادة لإبداعاتهم مثل الفنانة التايوانية الكندية الشابة فانيسا ليفان، التي حولت عبارات الشيخ إلى أغنية بالإنجليزية تقول كلماتها:
“هل رأيتم كيف قبل عينيها؟
هل رأيتم كيف أغمض عينيها؟
هل سمعتم كلماته الأخيرة لها؟
قال: هي روح الروح”.
بدا وكأن عاما ٢٠٢٤، يأبى أن ينقضي قبل أن ينال أبو ضياء الشهادة في غارة صهيونية أخرى، ليذهب إلى حيث أحفاده الشهداء، ولكي تعرج الروح الى الروح، وهي راضية مرضية.