في الثامن من شهر ديسمبر من عام ٢٠٢٤، تمكنت المعارضة السورية من دخول العاصمة دمشق؛ لتنهي بذلك نحوا من ثلاث عشرة سنة من الحرب الأهلية في البلاد، وأكثر من نصف قرن من حكم أسرة الأسد.
كان أول المبادرين لاستغلال الوضع الجديد في سوريا؛ هو جيش الاحتلال الصهيوني، حيث خرجت قواته من قواعدها في الجولان المحتل؛ لتتوسع وتضيف مزيدا من الأراضي إلى ما يعرف بالمنطقة العازلة، فضلا عن السيطرة على جبل الشيخ، ذي الأهمية العسكرية والاستراتيجية.
بدا واضحا للعيان.. حرص الحكومة الصهيونية، على أن تسوق ما حدث ما سوريا، وما قامت به من توسع في أراضيها، على أنه إنجاز يحسب لها أمام شعبها ويمكنها أن تسوقه له.
ويأتي هذا في إطار سعي تلك الحكومة -المنتمية إلى اقصى اليمين- لتصوير ذاتها على أنها استطاعت تغيير دفة المعركة لصالحها، بعد خمسة عشر شهرا من انطلاقة معركة “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر عام ٢٠٢٣.
ومن اللافت، أن هذا المنطق الصهيوني يردده بعض العرب أيضا، فعلى سبيل المثال لا الحصر، تصدر صفحات جريدة مصرية يومية، رسم كاريكاتوري يسخر من المقاومة الفلسطينية، ويعتبر أنها لم “تخفق” في تحرير الأرض فحسب؛ وإنما تسببت – وفقا للرسام- في احتلال العدو مساحات من لبنان وسوريا أيضا.
ولعله من قبيل المفارقة، أنه في حين يردد بعض العرب دعاية الحكومة الصهيونية، فإن أطرافا عدة داخل المجتمع الصهيوني، من المدنيين والعسكريين على حد سواء- يشككون فيها.
بداية.. وفيما يتعلق بالجبهة اللبنانية، فإن سردية الحكومة الصهيونية ترتكز على فكرة مفادها، أن جيشها أنجز المراد منه على تلك الجبهة، حيث اغتال قيادات المقاومة اللبنانية وأضعف قدراتها.
يسخر الجنرال السابق والخبير العسكري الصهيوني إتسحاق بريك، في مقال له في جريدة معاريف، من هذه الفكرة موكدا أن المقاومة اللبنانية، وإن أضعفتها الضربات التي تلقتها بداية من سبتمبر ٢٠٢٤، إلا أنه “لم يكد يمرّ وقت طويل، ليستمر حزب الله في قتالنا في حرب استنزاف. وعلى الرغم من تصفية كبار قادته، فإنه واصل القتال بشراسة أكبر بعشرات الأضعاف، مقارنةً بالسنة الأولى من الحرب. لقد أطلق الصواريخ والقذائف والطائرات المسيّرة إلى عمق إسرائيل، متسببا بأضرار جسيمة في الأملاك والأرواح، من الحدود الشمالية، وصولا إلى تل أبيب”.
وأيضا على تلك الجبهة، وفي حين عاد سكان قرى الجنوب اللبناني إلى أغلب قراهم التي نزحوا منها؛ فإن سكان مستوطنات شمال فلسطين- لازالوا يتخوفون من العودة إلى مستوطناتهم، رغم أن أحد الأهداف الصهيونية المعلنة من العدوان على لبنان كان إعادتهم.
حيث ذكرت صحيفة “إسرائيل اليوم” العبرية أن سكان مستعمرة المطلة، يشعرون بالقلق من أن الجيل الأصغر سنا قد لا يعود إليها، وأن النازحين – كما أسمتهم- من المنطقة الشمالية يفقدون منازلهم، ويصفون المطلة بأنها “مدينة أشباح”.
أما على جبهة غزة.. فلا تختلف رواية الحكومة الصهيونية كثيرا، حيث تركّز سرديتها على كونها أضعفت المقاومة الفلسطينية في القطاع، وقلّصت من قدرتها على تنفيذ هجمات كالتي شنتها فجر السابع من أكتوبر ٢٠٢٣.
إلا أن الإعلام الصهيوني -لا سيما المعارض والناقد للحكومة- لا يبدو أنه قد تقبّل هذه الرواية؛ حيث نقلت صحيفة هآرتس، عن ضابط استخبارات صهيوني في القيادة الجنوبية قوله أن “عملية الجيش الإسرائيلي في شمال قطاع غزة تتعثر” في حين أن قدرة المقاومة على “استعادة ذراعها العسكري مرتفعة”.
وتضيف الصحيفة أن “استمرار الحرب بغزة يؤدي لأزمة في القوى البشرية بالجيش الإسرائيلي” خاصة وأن “مئات الضباط أنهوا خدمتهم أخيرا” وأن “وحدات احتياط كثيرة بالجيش الإسرائيلي أكدت أن معدل الالتزام بأوامر التجنيد تقلص إلى 60%”.
أما الجنرال بريك – المشار إليه أعلاه- يعتبر زعم الحكومة أنها قضت على المقاومة في غزة “هراءً” حيث أنه بمرور الوقت تفقد قوات الاحتلال قدرتها على إنهاء المقاومة، في حين تسيطر المقاومة “على قطاع غزة بقبضة حديدية، ويختبئ الآلاف من مقاتليها في أنفاق تحت الأرض، تمتد مئات الكيلومترات. ومؤخرا، عززت الحركة جناحها العسكري بتعزيزات تضم 3000 مقاتل”.
أما سيطرة جيش الاحتلال على قطاع غزة؛ فيعتبرها الجنرال السابق “ليست سوى أوهام” ويضيف “صحيح أننا موجودون فوق الأرض، لكن يجري كثير من الأمور التي تستمر تحتها في الأنفاق من دون أيّ سيطرة فعلية للجيش الإسرائيلي عليها”.
ويضرب الجنرال بريك مثالا لذلك، بما حدث ويحدث في مخيم جباليا في شمال قطاع غزة؛ حيث “خسرنا عددا كبيرا من الجنود والجرحى المصابين بإصابات خطِرة، في الاجتياح الخامس لجباليا وحده، خسرنا ما يقارب الأربعين جنديا”.
وبشكل عام.. فإن جيش الاحتلال في رأي بريك لا يملك القدرة على القضاء على المقاومة “بسبب نقص الاحتياطي البشري للقوات الإسرائيلية”.
النتيجة ذاتها خلصت إليها صحيفة هآرتس، التي ذكرت أن المقاومة الفلسطينية رغم تكبدها خسائر “إلا أنها تحافظ على سيطرتها على السكان، مستفيدة من غياب خطة إسرائيلية لما بعد القتال”.
كما أن الجناح العسكري للمقاومة “يتعافى بسرعة، بينما يتم تجنيد وتدريب شبان فلسطينيين جنوب القطاع لمواجهة الجيش الإسرائيلي”.
أما الكاتب في صحيفة يديعوت أحرونوت “عوديد شالوم” فرسم صورة أكثر قتامة؛ فرغم اعترافه بـ “تدمير غزة” على حد تعبيره؛ إلا أن “الجيش مازال يفقد الجنود في شمالي القطاع وجنوبه” كما “تعفّن 100 أسير في غزة” ويتساءل في النهاية “ما الجدوى من هكذا حرب، وما خطة استعادة الأسرى؟”.
ويعترف رئيس جهاز الموساد الأسبق داني ياتوم من جهته لصحيفة معاريف أن الضغط على المقاومة الفلسطينية “لم يحقق نتائج كبيرة خلال العام الماضي وينبغي توقيع صفقة للإفراج عن الأسرى بأسرع وقت”.
ويقارن المحلل العسكري آفي أشكنازي في يديعوت أحرونوت، الوضع الحالي في غزة بوضع قوات الاحتلال في جنوب لبنان في التسعينات فيقول: “لقد سبق أن شهدنا هذا الجمود الفكري قبل عقود في لبنان، عندما بقيَ الجيش غارقا في الوحل اللبناني طوال ثماني عشرة سنة. والآن، نحن في اليوم الـ 445 للحرب في غزة، وبدأنا نشعر بالغرق في الوحل الغزّي والجمود الفكري فيما يتعلق بالمستقبل”.
أما الادعاء الثالث والذي تكرره حكومة العدو فهي أن توغلها في سوريا عقب تغيير النظام هناك قد أنهى ما بات يعرف بـ”محور المقاومة” أو القوى التي تساند قطاع غزة بدعم من إيران.
وفي حين يبدو القول بتمكّن جيش الاحتلال، من قطع الصلة بين كل من إيران وسوريا ولبنان، وحرمان مقاومة لبنان من طريق إمداد بالسلاح والعتاد صحيحا؛ إلا أن قوى المحور الأخرى وفي مقدمتها اليمن لم تتأثر فيما يبدو بما حدث في سوريا.
حيث أن صواريخ اليمن ومسيراته التي ما زالت تدك الداخل الفلسطيني المحتل دفعت صحيفة جيروزاليم بوست للقول “إن حقيقة اضطرار الملايين من الناس في وسط “إسرائيل” إلى الهروب إلى الملاجئ كل ليلتين نتيجة الهجمات من اليمن، ليست طريقة مقبولة للعيش”.
وأكدت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية أن الضربات المباشرة للصواريخ الباليستية التي انطلقت من اليمن، والتي عجزت منظومة الدفاع الجوي عن اعتراضها ، تسببت بإحباط كبير لدى المسئولين السياسيين والأمنيين في “إسرائيل” وواشنطن”.
واعتبرت صحيفة “إسرائيل اليوم” العبرية، أن مشكلة الإجراء ضد اليمن تتعلق بحقيقة أن جمع المعلومات الاستخبارية عن هذا البلد العربي، لم يبدأ بشكل مكثف إلا في العام الماضي، منذ أن بدأ في إطلاق الصواريخ نحو “إسرائيل”، وبالتالي فإن بنك الأهداف هناك ليس واسعا.
ولعل خير من لخص كل ما سبق، أفضل من بعض العرب، الذي صدقوا ورددوا الدعاية الصهيونية، هو الوزير الصهيوني السابق أفيغدور ليبرمان الذي انتقد الحكومة الحالية قائلا: “عن أيّ نصر مطلق يتحدثون وسكان تل أبيب يهرعون للملاجئ وجنودنا يقتلون في غزة؟”.