رؤى

طوفان الأقصى.. ومشهد العودة!

في أعقاب نكبة عام ١٩٤٨، وتأسيس الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، والذي تسبب في تشريد نحوٍ من ثلاثة أرباع مليون فلسطيني عن ديارهم، وتحوُّلهم إلى لاجئين في البلاد المجاورة، بدأ يسري في الأوساط تعبير “حُمَّى العودة”.

كان التعبير يشير ببساطة إلى محاولات اللاجئين الفلسطينيين العودة إلى ديارهم، أو استرداد ممتلكاتهم التي سلبهم إيّاها الصهاينة.

وبلغت هذه المحاولات حدا اضطر معه أول رئيس وزراء صهيوني ديفيد بن غوريون، لإعطاء أوامر صارمة لجيشه بإطلاق النار على أي هدف متحرك على حدود “دولته” الحديثة النشأة؛ خاصةً بعد أن بلغ عدد المحاولات المذكورة أعلاه، نحوا من ثلاثين محاولة في الشهر الواحد، أي بمعدل محاولة كل يوم.

في صبيحة السابع والعشرين من يناير من عام ٢٠٢٥، بدا وكأن “حُمّى العودة” كما أسماها الصهاينة قد عادت من جديد مع رجوع آلاف مؤلفة من سكان شمال قطاع غزة إلى ديارهم، وإن كانت ركاما بعد -أو رغم- كافة محاولات العدو على مدار حرب إبادة استمرت ١٥ شهرا لتهجيرهم، وتغيير الطبيعة الديموغرافية لهذه المناطق.

مشاهد العودة التي بُثَّت هذه المرة بشكل مباشر على عشرات القنوات التلفزيونية- شكَّلت صدمة للصهاينة، ساسة ومعلقين ومحللين.

أول المعلقين بطبيعة الحال كان الإرهابي الصهيوني – والوزير السابق- ايتمار بن غفير الذي اعتبر أن المشهد المشار إليه أعلاه، هو مشهد انتصار واضح للمقاومة الفلسطينية، ووصف الاتفاق الذي أدى إلى هذا المشهد بين حكومته والمقاومة باتفاق “استسلام مطلق” من قبل الحكومة الصهيونية.

أما المسئول السابق في استخبارات جيش الاحتلال، والباحث في الشئون العسكرية والأمنية، جاك نيريا فقال صراحة أن الحرب قد حسمت لصالح المقاومة الفلسطينية “فهي على الأرض، تدير شئون القطاع، وتثبت حيويتها وسيطرتها. دخول الناس إلى المنطقة الشمالية من غزة يشير إلى نهاية الحرب. من وجهة نظر إسرائيل، هذا يُعتبر خسارة كبيرة”.

النتيجة ذاتها عبرت عنها إذاعة الجيش الصهيوني التي اعتبرت أن المقاومة “حققت هذا الصباح ما تريد، واستعادت السيطرة الكاملة على شمال القطاع”.

وهو ما خلص إليه أيضا المعلق بالشئون الفلسطينية آفي يسخروف على صفحات جريدة يديعوت أحرونوت العبرية حيث أكد أن نجاح المقاومة “في البقاء السلطوي في غزة دليل على فشل الجيش الإسرائيلي، بل وأيضا على فشل المستوى السياسي”.

وعلى صفحات نفس الجريدة.. قالت مصادر عسكرية في جيش الاحتلال “دفعنا ثمن صفقة كاملة دون الحصول على المقابل، وكان يجب الحفاظ على محور نتساريم كورقة تفاوض وأهميته بالنسبة لحماس واضحة”.

الانسحاب من المحور المذكور أعلاه شكل مشهدا آخر لا يقل إيلاما بالنسبة للصهاينة عن مشهد عودة النازحين، حيث ذكر تقرير للقناة ١٤ العبرية أن “الجنود الذين غادروا ممر نتساريم غادروا وهم يبكون، وقالوا إنهم يشعرون أن كل ما فعلوه على مدار أكثر من عام في قطاع غزة قد ذهب هباءً”.

وأبرز التقرير خوف الصهاينة مما بعد عودة النازحين وهو “كانت التكلفة سابقا هي الإفراج عن أسرى أمنيين أما اليوم، فقد أصبحت التكلفة عملياتية، لأن شمال القطاع الآن بات مكشوفا، سيضعون لنا عبوات ناسفة تحت الأرض وسيزرعون ألغاما في أماكن لم نعمل فيها بعد، وإذا كان هناك آلاف المسلحين في منطقة بيت حانون وجباليا، فقد يرتفع العدد الآن إلى أكثر من 10 آلاف وسيكونون في انتظارنا”.

وهو ما عبر عنه أيضا عضو الكنيست السابق رام شيفع، الذي علَّق على مشهد عودة النازحين بقوله “هكذا تبدو الأمور عندما تكون هناك حكومة تردد شعاراتها وأحلامها بصوت عالٍ، لكنها تصطدم بواقع مؤلم”.

وأضاف أن المقاومة “لا تزال قائمة وتعمل بنشاط، أما اليمين الإسرائيلي الذي يدعي الكمال، فهو في الحقيقة مجموعة من الفاشلين الذين لا ينجحون في اتخاذ أي خطوات استراتيجية”.

مشهد العودة إلى شمال قطاع غزة، تزامن مع مشهد عودة مماثل لأهالي قرى جنوب لبنان إلى بلداتهم، رغم كافة محاولات العدو البقاء في هذه القرى، رغم انقضاء المهلة الممنوحة لجيش الاحتلال للانسحاب منها وفقا لاتفاق وقف إطلاق النار.

وهو مشهد دعا المحلل العسكري الصهيوني يوسي يهوشع للقول “أمام غزة وأمام لبنان، الفشل المزدوج “لإسرائيل” في لبنان، لم نُصِر على إقامة منطقة عازلة، وحزب الله يُظهر وجوده مرة أخرى، في غزة التنازل عن محور نتساريم جاء مبكرا جدا، وسنعرف قريبا ثمن هذه الأخطاء”.

ولعل المفارقة الأبرز في مشهد السابع والعشرين من يناير في شمال قطاع غزة، هو أنه بينما يزحف العائدون من أصحاب الأرض إلى ديارهم؛ فإن مستوطني الجنوب (غلاف غزة) والشمال (الحدود اللبنانية) لايزالون مترددين أو قل غير راغبين في العودة إلى مستوطناتهم.

وهو ما عبّر عنه رئيس مستوطنة المطلة عند الحدود مع لبنان “دافيد أزولاي” بقوله: “من المحزن أن هذا هو الاتفاق الذي توصلت إليه “إسرائيل” مع لبنان”.

وهذا تحديدا هو الفرق بين صاحب أرض تنتابه “حُمَّى عودة” إليها حين تسلب وبين غاصب لا استعداد لديه للدفاع عنها أو الموت دونها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock