رؤى

ترامب والبعد الاقتصادي.. في مواجهة إيران

يُعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بتكليف مبعوثه إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، بمتابعة ملف إيران- خطوة ذات دلالات استراتيجية عميقة، لا سيما في ظل التحولات السياسية في المنطقة والعالم؛ وكذلك التأثيرات الدولية المحتملة؛ نتيجة سياسة الضغوط القصوى، التي تُلَّوح بها الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه طهران.

هذا التكليف -كما يبدو- يحمل عدة رسائل ومؤشرات، يمكن قراءتها في سياق السياسة الأمريكية تجاه إيران، بدءا من اختبار الدبلوماسية، مرورا بمتابعة سياسة الضغوط، وصولا إلى الحفاظ على توازن قوى في المنطقة.

دبلوماسية الاقتصاد

إذ لنا أن نُلاحظ دور الدبلوماسية الاقتصادية، كإحدى الدلالات من وراء تكليف ستيف ويتكوف، الذي يمتلك خلفية اقتصادية واسعة؛ باعتباره رجل أعمال؛ حيث تتبدى دلالة ذلك في  إمكانية الاستفادة من الدبلوماسية الاقتصادية في التعامل مع إيران. ترامب كان دائما مهتما بالشئون الاقتصادية، واستخدام العقوبات كأداة رئيسة للضغط على الخصوم؛ ولذا قد يكون تكليف ويتكوف، خطوة نحو تحقيق نوع من التسوية الاقتصادية مع إيران، خاصة في ظل الصعوبات الاقتصادية التي تعاني منها طهران بسبب العقوبات الأمريكية.

ومن هنا، تأتي أهمية خلفية ويتكوف الاقتصادية؛ فهو قادم من خلفية اقتصادية وتجارية، يتمتع بخبرة كبيرة في التفاوض التجاري والاقتصادي، ما يمكن أن يكون ميزة في التعامل مع إيران، خاصةً إذا اعتمدت الإدارة الأمريكية على الدبلوماسية الاقتصادية كأداة في الضغط، أو كجزء من استراتيجية بناء الثقة. ففي ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها إيران، نتيجة للعقوبات الاقتصادية الأمريكية والدولية، قد يسعى ويتكوف إلى تقديم حلول اقتصادية على الطاولة، مثل تخفيف العقوبات أو السماح بإبرام اتفاقيات تجارية، مقابل تنازلات نووية أو سياسية من جانب إيران.

أيضا، يبدو بوضوح تكامل الدبلوماسية والضغوط؛ فعلى الرغم من الدلالة الظاهرية لتكليف مبعوث خاص، والتي قد تشير إلى نهج دبلوماسي، إلا أنه لا يُمكن إغفال حقيقة أن هذا التحرك قد يكون جزءا من استراتيجية أوسع، تجمع بين الدبلوماسية والضغوط؛ بمعنى أن الإدارة الأمريكية قد ترغب في إعطاء الفرصة للدبلوماسية، ولكن في إطار تقييد إيران اقتصاديا وسياسيا ودبلوماسيا، وهو ما يُعزز من مكانة المبعوث كمفاوض قوي.

من هذا المنظور، فإن الهدف من تكليف ويتكوف، ليس فقط السعي لتحقيق تسوية دبلوماسية مع طهران، وإنما أيضا تعزيز موقف الولايات المتحدة في أي مفاوضات مستقبلية، من خلال إبقاء العقوبات والضغوط قائمة؛ بما يعني أن إدارة ترامب، لن تتخلى عن سياسة الضغوط القصوى بالكامل، بل قد تستخدمها كورقة ضغط لفرض شروطها على طهران.

لكن، وبالرغم من أن ويتكوف يتمتع بخبرة كبيرة في المجالات الاقتصادية والتفاوضية، إلا أن التعامل مع ملف إيران سوف يواجه بعدد من التحديات المتشابكة.

تحديات تفاوضية

أهم هذه التحديات، النفوذ الإيراني في المنطقة؛ حيث تمتلك إيران شبكة واسعة من النفوذ الإقليمي في الشرق الأوسط، من خلال دعمها لجماعات مسلحة وحركات مقاومة في عدة دول عربية، مثل حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، والمليشيات الشيعية في العراق وسوريا. هذا النفوذ الإقليمي، يجعل من إيران لاعبا قويا يمكنه التأثير على توازن القوى في المنطقة؛ ومن ثم، فإن أي تحرك أمريكي للضغط على إيران، أو محاولة تحجيم نفوذها، قد يُقابل بردود فعل عنيفة من هذه الجماعات المدعومة من طهران، ما يزيد من تعقيد مهمة ويتكوف.

ورغم أن هذه الجماعات أصبحت أكثر ضعفا الآن عن ذي قبل، بعد الضربات التي تلقتها مؤخرا، إلا أنها ما تزال تُمثل تحديا كبيرا لأي مبعوث أمريكي، لأنها تُعد أوراق قوة بيد إيران، قد تستخدمها للضغط على الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.

أضف إلى ذلك، مدى قوة تأثير اللاعبين الدوليين؛ فبالإضافة إلى الولايات المتحدة، هناك قوى دولية أخرى تلعب دورا مهما في الملف الإيراني، مثل روسيا والصين. روسيا، من جهة، تدعم إيران في العديد من الملفات الإقليمية، وتعتبرها شريكا استراتيجيا في الشرق الأوسط. الصين، بدورها، من جهة أخرى، تربطها علاقات تجارية واقتصادية قوية مع إيران، وتعتبرها جزءا من مبادرة “الحزام والطريق”، التي تستهدف توسيع نفوذ الصين الاقتصادي عالميا.

وجود هذه القوى الدولية، يجعل من الصعب على الولايات المتحدة فرض إرادتها بشكل منفرد على إيران. وسيجد ويتكوف نفسه مضطرا للتعامل مع هذه القوى، كجزء من الاستراتيجية الأمريكية تجاه طهران؛ كما أن أي محاولة لعزل إيران اقتصاديا أو سياسيا، قد تقابل بمقاومة من هذه القوى، التي قد ترى في العقوبات الأمريكية على إيران تهديدا لمصالحها.

هذا، فضلا عن الانقسام الأمريكي الداخلي تجاه كيفية التعامل مع إيران؛ حيث لا يخلو الملف الإيراني من تأثيرات السياسة الداخلية الأمريكية. فهناك انقسام سياسي كبير في داخل الولايات المتحدة، حول كيفية التعامل مع إيران، خاصة بين الجمهوريين والديمقراطيين. الجمهوريون، بوجه عام، يدعون إلى اتخاذ موقف حازم ضد إيران، ويطالبون بالاستمرار في سياسة الضغوط القصوى؛ وفي المقابل، يسعى الديمقراطيون إلى انتهاج مسار دبلوماسي أكثر مرونة، والعودة إلى الاتفاق النووي. هذا الانقسام قد يجعل من مهمة ويتكوف أكثر صعوبة، حيث سيجد نفسه مضطرا لموازنة الضغوط الداخلية والتوجهات المختلفة في الكونغرس والإدارة الأمريكية.

وهكذا..

يعكس تكليف ستيف ويتكوف، مبعوثا خاصا للتعامل مع ملف إيران، ، ليس فقط مدى تعقيد هذا الملف وأهميته في السياسة الخارجية الأمريكية؛ ولكن أيضا رغبة الإدارة الأمريكية في استكشاف مسارات جديدة، للتعامل مع هذا الملف الشائك، وذلك من خلال اختبار إمكانيات الحلول الدبلوماسية جنبا إلى جنب مع استمرار سياسة الضغوط القصوى.

وعلى الرغم من وجود فرص للنجاح، إلا أن التحديات التي يواجهها ويتكوف كبيرة ومتعددة، تشمل غياب الثقة، النفوذ الإيراني في المنطقة، وتداخل اللاعبين الدوليين.

أضف إلى ذلك، رغم أن ستيف ويتكوف تم تعيينه خلال إدارة ترامب، إلا أن استمراره في المهمة قد يكون مرتبطا بمحاولة تجنب المواجهة العسكرية مع طهران. هذا يمكن أن يُعزز من فرص ويتكوف في النجاح، إذا تمكن من لعب دور الوسيط الذي يحاول تهدئة التوترات بين الطرفين، من خلال فتح قنوات اتصال وتفاوض جديدة؛ خاصة في ما يخص البرنامج النووي، والبرنامج الصاروخي الذي هو أكثر أهمية لدى الإدارة الأمريكية من النووي.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock