رؤى

قمة القاهرة.. وتشارك الضرورة لحلحلة الصراع السوداني

اختتمت قمة “دول جوار السودان”، التي استضافتها العاصمة المصرية، القاهرة، واستمرت ليوم واحد، الخميس 13 يوليو، أعمالها بالدعوة إلى “عدم التدخل في شئون السودان، واعتبار النزاع الحالي شأنًا داخليًا”. هذا، بالإضافة إلى تأسيس آلية وزارية بشأن الأزمة، على مستوى وزراء الخارجية لدول الجوار.

وقد تمثل الهدف من انعقاد القمة، مع اقتراب الصراع السوداني الداخلي، الذي اندلع في منتصف أبريل الماضي، من اكتمال شهره الرابع؛ في بحث سبل إنهاء الأزمة ومحاولة احتواء التأثيرات السلبية لها، على كل دول الجوار الجغرافي للسودان؛ حيث شارك فيها رؤساء وممثلون رسميون عن كل من هذه الدول “السبع”: مصر وتشاد وإثيوبيا وإريتريا وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان وليبيا؛ فضلًا عن جامعة الدول العربية، والاتحاد الأفريقي.

عوامل رئيسة

اللافت، أن هذه القمة قد كشفت عن توافر القدرة والرغبة، في حلحلة الأزمة، من جانب دول الجوار الجغرافي “السبع” للسودان؛ وذلك اعتمادًا على مجموعة من الاعتبارات، من بينها: عدم القدرة على تحمل ارتدادات الصراع السوداني على هذه الدول، نتيجة تشابكات العلاقات القبلية الممتدة عبر الحدود المشتركة بينها وبين السودان؛ فضلًا عن تزايد حجم عابري الحدود من اللاجئين، وتنامي مؤشرات الأزمة السودانية على الأوضاع الاقتصادية داخل دول الجوار.

وهكذا، تتعدد العوامل وتتشابك، تلك التي يستند إليها انعقاد قمة القاهرة، ومشاركة دول جوار السودان، جميعًا، فيها.. ولعل أهم هذه العوامل ما يلي:

أولًا: الحيلولة دون تحول السودان إلى “ملاذ للإرهاب”؛ حيث أكدت الدول السبع، التي شاركت في قمة القاهرة، إلى جانب الأمين العام للجامعة العربية، ونظيره في الاتحاد الأفريقي، في البيان المشترك للقمة، على أن تقوم هذه الدول بكل ما في وسعها لمنع تحول السودان إلى “ملاذ للإرهاب والجريمة المنظمة”. بل، إن هذا التأكيد جاء على لسان أكثر من رئيس دولة، من الدول المشاركة في القمة، وإن بشكل غير مباشر.

فمن جهته، انتقد الرئيس التشادي، محمد إدريس ديبي، ما يحدث في دارفور قائلًا “خلال أسبوع واحد استقبلنا أكثر من 150 ألف شخص، هاربين من دارفور، حيث سجلت أسوأ الفظائع”؛ أما رئيس أفريقيا الوسطى، فوستان آرشانج تواديرا، فقد حذر في كلمته، أمام القمة، من “ارتفاع مستوى انتقال الأسلحة الخفيفة عبر الحدود التي يسهل اختراقها”. ولعل هذه التصريحات تشير إلى الحذر من إمكانية أن تسعى العناصر المتطرفة والإرهابية، إلى استغلال الأوضاع الأمنية الهشة في السودان، من أجل تحويل هذا البلد لمركز لانطلاق تهديدات إرهابية عبر الحدود، وتنفيذ عمليات تستهدف عدة دول في الإقليم.

ثانيًا:، محاولة تجنب التأثيرات السلبية للأزمة؛ إذ، من الواضح أن الأزمة السودانية يمكن أن تتحول، بصورة تدريجية، إلى ما يشبه قنبلة إقليمية موقوتة؛ ما يدفع منطقة الجوار الإقليمي للسودان، من أن تتحسب لعديد من المشكلات التي يمكن أن تترتب على الصراع العسكري الدائر في هذا البلد.

وإضافة إلى المشكلات العسكرية والأمنية والاقتصادية؛ ومع مقاربة الصراع على الدخول في الشهر الرابع له دون توقف؛ بل ومع إصرار طرفي الصراع على مواصلة “الحرب”، دون النظر إلى التكلفة البشرية والاقتصادية لها.. لا أحد بإمكانه ضمان مستقبل الدولة السودانية. ومن ثم، تبدو السيناريوهات المستقبلية للأزمة، والصراع، في صورة سلبية؛ خاصة مع تصاعد المخاوف من مشكلات اللاجئين، وعمليات التهريب، وانتشار الجماعات المسلحة سواء الإجرامية أو المتطرفة.

ثالثًا، إشكالية التوترات العسكرية والقبلية للصراع؛ حيث إن احتمال تفجر التداعيات العسكرية والأمنية للصراع الدائر، فضلًا عن التداعيات القبلية، يمكن أن يساهم في انخراط عدد من الحركات المسلحة، داخل السودان، في الصراع؛ وهو ما يساهم في توسيع رقعة الصراع؛ خاصة في ظل عدم قدرة الجيش على حسم الفوضى التي يمكن أن تنشأ في المناطق الملتهبة، مثل دارفور التي تنتشر بها أكثر من مليوني قطعة سلاح.

أضف إلى ذلك، عبر خبرة الأزمات السودانية السابقة، خاصة أثناء الحرب الأهلية التي أدت إلى انفصال جنوب السودان، عن الوطن الأم- أن المنظومة السياسية السودانية تعتمد، في حل مشكلاتها، على المحاور الإقليمية. وبالتالي، فمع الحدود الطويلة مع هذه المحاور، ومع التمدد القبلي مع منطقة الجوار الإقليمي للسودان؛ تُصبح هناك إمكانية لانفجار بعض الصراعات القبلية، وتدخل الحركات المسلحة فيها، وبالتالي انخراطها في الصراع العسكري الدائر، بشكل أو بآخر.

رابعًا: ارتدادات الصراع على الجوار الإقليمي للسودان؛ فالسودان يرتبط بمنطقة جوار إقليمي معقد، من حيث المكونات القبلية والتشكيلات الإثنية. ومن ثم تتخوف دول الجوار السوداني من تعرضها لانعكاسات خطيرة، ما لم  تُحل الأزمة بشكل عاجل وفوري؛ خاصة أن تبعات الصراع ستصيب الغالبية العظمى من الدول، التي لها حدود مباشرة مع السودان.

وكما يبدو، فإن بعض الإثنيات في دول الجوار السوداني، فضلًا عن القبائل ذات التداخلات العرقية مع مناطق التماس على حدود السودان، يمكن أن تستفيد من هذا الوضع، بما يشكل تهديدًا لاستقرار دول الجوار. وطبقًا للمفوضية القومية للحدود السودانية، فإن لدى السودان 47 معبرًا حدوديًا مع دول الجوار، من خلال حدود يزيد طولها على ثمانية الآف كيلو متر. وبالتالي، فإن فرص المعاناة من تبعات الصراع السوداني، سوف تزداد في دول الجوار التي لا تزال تشهد حالة من عدم الاستقرار الداخلي، لاسيما إثيوبيا وإريتريا وجنوب السودان، فضلًا عن تشاد وأفريقيا الوسطى وليبيا.

خامسًا: التداعيات السلبية اقتصاديًا على دول الجوار؛ فمثل هذا التأثير السلبي، للصراع السوداني، يبدو بصورة واضحة، في الدول الحبيسة من دول جوار السودان، مثل إثيوبيا وأفريقيا الوسطى، فضلًا عن تشاد، التي تعتمد على موانئ السودان المطلة على البحر الأحمر، حيث تسبب الصراع في عرقلة حركة التجارة العابرة للحدود؛ وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية والمواد الأولية ارتفاعا غير مسبوق. إلا أن التأثير السلبي الأكبر، اقتصاديا، هو ذلك الذي تتعرض له دولة جنوب السودان، حيث الارتباط بمصافي النفط في ميناء بورتسودان؛ ومن خلال إعاقة حركة النقل بين حقول النفط والميناء، بسبب الصراع العسكري في الداخل السوداني، فقد ساهم ذلك سلبيا على الإيرادات التي تشكل المورد الأهم بالنسبة إلى جوبا.

ضغوطات أمنية

في هذا السياق، يُمكن القول بأن تعقد المصالح الإقليمية، وتشابكاتها، والأهم “الضغوطات الأمنية” التي تتعرض لها دول جوار السودان، فرضت على هذه الدول المشاركة في قمة القاهرة، التي تعكس “تشارك الضرورة” في ما بين هذه الدول “السبع”، لطرح رؤية إقليمية جامعة لحلحلة الأزمة السودانية. ولعل أهم محددات هذه الرؤية، هو محاولة دول الجوار في حصار تمدد الصراع العسكري في السودان، ليُصبح “نزاعًا داخليًا”، لا تتمكن ارتداداته من عبور الحدود المشتركة.

ولعل أهم ما نتج عن قمة دول جوار السودان، وتجاوزت به عدة مبادرات دولية وإقليمية من قبل- هو إنشاؤها لـ”آلية وزارية بشأن الأزمة، على مستوى وزراء الخارجية لدول الجوار”؛ بما يعني التأكيد على الضرورة الإقليمية لحلحلة الأزمة السودانية.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock