في الفصل الأول من الكتاب، والذي يحمل عنوان: كل الطرق تؤدي إلى طوفان الأقصى. مع عنوان فرعي هو (أجواء ما قبل السابع من أكتوبر). يتناول الكاتب في خمس مقالات عددا من القضايا الأساسية التي جعلت من طوفان الأقصى، قدرا مقدورا.. لم يكن من الممكن إرجاؤه أو التنصل من مسئولية إنفاذه.
جاءت المقالة الأولى بعنوان “30 عاما من حصاد أوسلو المرير يمهد للطوفان” ويستعرض فيه الكاتب مآلات اتفاقية أوسلو بعد ثلاثين سنة من توقيعها، مستشهدا بمقولات الأعداء عن هذا الاتفاق الذي قضى فعليا على أي أمل في قيام الدولة الفلسطينية، كما كرّس الاتفاق لحالة الانقسام الفلسطيني، بعد أن تحولت السلطة الفلسطينية في رام الله إلى أداة طيعة لضرب المقاومة، ومخفرا متقدما لسلطات الاحتلال.. وكان من آثار أوسلو أن القضية الفلسطينية لم تعد لها أي أولوية في العالم العربي، الذي هرولت بعض أنظمته للتطبيع، تحت مسمى الاتفاقات الإبراهيمية، دون التمسك بحل مسبق وعادل للقضية الفلسطينية؛ لكن الممارسات الإجرامية للكيان الصهيوني خلال العقود الثلاثة؛ صنعت جيلا “لا يعترف بالفصائلية، ولا يقتات على وعود وأوهام أوسلو، وإنما يستخدم أساليب المقاومة سواء المدنية، أو العسكرية، ونجح في خلق مفهوم جديد لوحدة الساحات الفلسطينية، لا يتجاوز الانقسام بين غزة والضفة فحسب، بل يتجاوز الانقسام بين أراضي الخط الأخضر ما قبل 1967، والأراضي المحتلة بعد 1967، ويوحِّد وجدان الشعب الفلسطيني من البحر المتوسط لنهر الأردن”.

في المقالة الثانية التي حملت عنوان “زوال إسرائيل.. الخطر المرجَّح” يؤكد الكاتب أن “إسرائيل” كانت قد وصلت إلى ذروة قوتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية قبل طوفان الأقصى في أكتوبر 2023، إذ كانت تحتل المرتبة العاشرة عالميا في القوة الشاملة، والرابعة عشرة في الاقتصاد (باستثناء الملاذات الضريبية)، والرابعة في القوة العسكرية بعد أمريكا وروسيا والصين.
لكن دولة الاحتلال رغم ذلك تواجه مخاطر وجودية داخلية وخارجية قد تؤدي إلى زوالها؛ فهي دولة دينية وليست وطنية.. ما يتعارض مع مفهوم الدولة الوطنية الحديثة القائمة على المواطنة، كما انها غير ديمقراطية إذ تعتمد على الفصل العنصري (الأبارتهايد) وتنتهك حقوق الإنسان، ما يجعلها خارج الإطار الديمقراطي العالمي.. وهي مجتمع عسكري تهيمن المؤسسة العسكرية فيه على السياسة والمجتمع، ما يعيق تطور مجتمع مدني طبيعي.
وعن الانقسامات الداخلية يرى عبد الغني أن وضع المجتمع داخل دولة الاحتلال يقترب كثيرا من مرحلة الحرب الأهلية، بتعدد أشكال الصراع بين فئاته.. ما يعني أن هناك حقائق على الأرض تدعم وجهة النظر القائلة بقرب زوال الكيان الغاصب.
حملت المقالة الثالثة عنوان “النبوءة قبل الطوفان” وقد أشار فيها الكاتب إلى ما أقدمت عليه دولة الاحتلال من إفراج عن بعض الوثائق السرية بمناسبة مرور خمسين عاما على حرب أكتوبر. الإفراج عن الوثائق فجّر نقاشا داخل الكيان؛ ركّز على تحليل الأخطاء؛ لتجنب تكرارها.. وخلص البعض إلى أن الغطرسة الصهيونية كانت السبب الأول للأداء الكارثي في الأسبوع الأول من الحرب، وقارن البعض بين تلك الغطرسة ومسلك اليمين الحاكم الآن، وتنبأ البعض أن هذا المسلك من الممكن أن يؤدي إلى سوء تقدير مماثل لما حدث في 1973.
حذّر البعض كذلك من أن التطور التكنولوجي ووحدة الساحات العربية قد تُعرِّض إسرائيل لصدمة وجودية أكبر في المستقبل.. كما كشفت الوثائق أن بعض العرب قدموا للعدو معلومات بالغة الأهمية، حال الاستعلاء الصهيوني دون الاستفادة منها.
المقالة قبل الأخيرة في الفصل الأول حملت عنوان “..وتحققت النبوءة: نتانياهو يدفع ثمن الغطرسة” وهنا يذهب الكاتب إلى أن هجوم السابع من أكتوبر، كان مفاجأة تكتيكية وعملياتية، لكنه لم يكن مفاجأة استراتيجية.
كان المحللون الإسرائيليون قد حذروا من تصعيد محتمل، من حماس والجهاد الإسلامي قبل أسبوع من الهجوم، لكن الغطرسة الإسرائيلية حالت دون الاستجابة لهذه التحذيرات.
وقد نجح الهجوم الفلسطيني في تحقيق مفاجأة تكتيكية كاملة، مشابهة لنجاح الجيش المصري في عبور قناة السويس عام 1973، لكن هذه المرة بفضل التطور التكنولوجي واستخدام الصواريخ والحرب السيبرانية.
وكان من أهم دوافع الهجوم، تراجع الموارد المالية لحماس، وزيادة التضييق من جانب جيش الاحتلال على القطاع؛ ما أدى لتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.. ولم يكن صمت حماس العسكري في السنوات الأخيرة؛ إلا تكتيكا لإخفاء استعداداتها للهجوم الكبير.
من تداعيات هذا الهجوم، إعادة تأكيد قدرة المقاومة الفلسطينية على كسر نظرية الأمن الإسرائيلي، رغم كل التطورات التكنولوجية والعسكرية الإسرائيلية.. كما عقّد السابع من أكتوبر الوضع الإقليمي.. وخاصةً مشروع التطبيع العربي مع الكيان الغاصب.
في المقال الأخير في الفصل الأول والذي حمل عنوان “الآثار بعيدة المدى لـ “طوفان الأقصى”: بزوغ شرق جديد. يشير الكاتب إلى أن طوفان الأقصى أسقط عددا من الأساطير الكبرى؛ بدءا بنظرية الأمن الإسرائيلي التي اعتمدت على الردع والقوة العسكرية المطلقة؛ فرغم التفوق العسكري الإسرائيلي؛ إلا أن المقاومة الفلسطينية أثبتت قدرتها على تحقيق انتصارات ميدانية.
أسقط طوفان الأقصى وهم “إبادة حماس” فما زالت الحركة صامدة وقادرة على العمل بثقة حتى بعد اغتيال قادتها.
ما أثبتته المعركة أيضا، هو أن الاعتماد المفرط على التقدم التكنولوجي العسكري ليس كافيا في مواجهة فعالية الابتكار البشري، الذي تفرضه قلة الإمكانات ويدعمه روح الكفاح البطولي للمقاومة المستندة إلى عدالة القضية ونبل الغاية والإيمان العميق بانتصار الحق ولو بعد حين.
أسقطت المعركة أيضا عقلانية الغرب المزعومة، وكشفت عن “تأثير المشاعر الدينية والسياسية في صنع القرار” كما أنهت زعامة كل من نتانياهو وأبو مازن، اللذين باتا جزءا من الماضي، وأن بقاءهما قد صار مسألة وقت.