جرت عادة دولة الاحتلال الصهيوني، منذ تأسيسها على أرض فلسطين العربية في ١٥ مايو ١٩٤٨، على الاحتفال بهذه الذكرى كل عام، تحت مسمى “يوم الاستقلال”.
وفي المقابل.. يحيي الفلسطينيون في اليوم ذاته ذكرى نكبتهم، أو طرد نحو ثلاثة أرباع المليون من أسلافهم من ديارهم، تمهيدا لقيام دولة الاحتلال، على أنقاض قراهم التي دمرتها العصابات الصهيونية.
لكن الذكرى ٧٧ للنكبة التي حلت في ١٥ مايو ١٩٤٨، بدت مختلفة هذا العام عن أي عام آخر.
إذ يصعب على الصهاينة أن يحتفلوا بذكرى استقلالهم المزعوم، في ظل حرب تستنزف جيشهم في قطاع غزة منذ عام ونصف العام، وفي ظل استمرار الإسناد الصاروخي من اليمن لغزة، والذي أدّى إلى توقف عشرات شركات الطيران عن التعامل مع مطارات الاحتلال.
في الوقت ذاته.. تتزايد عزلة دولة الاحتلال على المستوى الشعبي في بلدان عدة.
بداية من إسبانيا التي وصف رئيس وزرائها بيدرو سانشيز دولة الاحتلال بأنها دولة “إبادة جماعية” وهو أمر لم يكن من المتخيل أن يصدر من مسئول أوروبي بحق الدولة العبرية منذ بضع سنوات فقط.
أما في بلجيكا فدعت الجامعات فيها ممثلةً في “المجلس الجامعي الفلمنكي (VLIR) ومجلس رؤساء الجامعات الناطقة بالفرنسية (CREF)، الاتحاد الأوروبي إلى تعليق اتفاقية الشراكة مع “إسرائيل” بسبب “الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان” في غزة والضفة الغربية.
وأعلنت جامعة غينت البلجيكية عزمها تعليق كافة أشكال التعاون الأكاديمي، مع المؤسسات في دولة الاحتلال.
وعلى مستوى الجامعات الأوروبية أيضا عادت خيام الاعتصام للظهور من جديد تضامنا مع غزة.
حيث نصب الطلبة مخيما احتجاجيا في حديقة مجلس الشيوخ داخل حرم جامعة وارويك في إنجلترا، مطالبين الجامعة بقطع علاقاتها مع شركات تصنيع السلاح المتورطة في دعم الاحتلال.
وكذلك فعل طلاب من حركة “كينجز كوليدج: من أجل العدالة” ومجموعات طلابية أخرى من جامعات متعددة في لندن.
وأقام نحو 100 متظاهر من مجموعة “أكسفورد ضد الإبادة الجماعية” (OAG) مُخيّما احتجاجيا خارج كلية ماجدالين بحرم جامعة اكسفورد، عقب مسيرة أغلقت إحدى جهات طريق كاولي مؤقتا. وطالب المشاركون الجامعة بقطع علاقاتها مع المؤسسات الداعمة للاحتلال، وتحديدا معهد إليسون للتكنولوجيا، وسحب الاستثمارات من الشركات المتورطة في جرائم حرب ضد الفلسطينيين.
كما نصبت حوالي 30 خيمة اعتصام في جامعة رادبود في هولندا دعما لفلسطين. وفي هولندا أيضا قررت جامعة أوتريخت وقف التبادل الطلابي مع جامعة حيفا، وتدرس الانسحاب من مشروع تشارك فيه وزارة الصحة الإسرائيلية. كما أعلنت أنها لن تدخل في أي تعاون جديد، مع منظمات “إسرائيلية” في المستقبل القريب.
وفي السويد أطلق أكثر من 600 باحث وأستاذ جامعي، حملةً لمقاطعة الجامعات “الإسرائيلية” الحكومية، واصفين المقاطعة بأنها “مسألة ضمير”.
وهي مبادرة التي انطلقت من جامعة أوبسالا، أقدم جامعة في شمال أوروبا.
وليس ببعيد عن السويد.. وفي النرويج رفض فندق نرويجي استضافة مسافر صهيوني، تنفيذا لقرار الاتحاد النرويجي لنقابات العمال، لصالح مقاطعة شاملة للاحتلال بسبب جرائمه في غزة.
أما في أمريكا الشمالية، وتحديدا في كندا.. فقد صوّتت رابطة أعضاء هيئة التدريس في جامعة تورنتو الكندية على مشروع قرار لسحب استثماراتها من “إسرائيل”، لتصبح المؤسسة الأكاديمية العشرين التي تتخذ موقفا كهذا.
وفي جارة كندا الجنوبية.. أي الولايات المتحدة (الداعم الأكبر أو قل المتبقي لدولة الاحتلال) اتخذ الحراك الطلابي المتضامن مع غزة وأهلها شكلا جديدا هو الإضراب عن الطعام.
حيث قرر عدد من طلبة جامعة كاليفورنيا الإضراب عن الطعام، رفضا لسياسة التجويع التي ينتهجها الاحتلال بحق أبناء قطاع غزة.
وتتركز مطالب المضربين حول اعتماد آلية لفحص انتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وسحب استثمارات الجامعة من شركات تساهم -بشكل أو بآخر- في حرب الإبادة في غزة مثل “لوكهيد مارتن” و”كاتربيلر” و”بالانتير” و”ليوناردو”، وإنهاء العلاقات مع المؤسسات الأكاديمية الصهيونية.
وفي ركن آخر من الولايات المتحدة.. شهدت قاعة مدينة بروفيدنس في ولاية رود ايلاند يوم الجمعة ١٦ مايو ٢٠٢٥، حفل رفع العلم الفلسطيني بحضور العشرات، بتنظيم من مجلس المدينة وموافقة العمدة بريت سمايلي.
قد يبدو كل ما سبق بسيطا وغير لافت، في نظر نفر غير قليل من المشككين من بني جلدتنا من “العرب” لكن الثابت من كافة الأمثلة المذكورة أعلاه، هو أن دولة الاحتلال تبدو اليوم وفي ذكرى نشأتها السابعة والسبعين، كيانا منبوذا مرفوضا تماما، كما بدا نظام التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا في سنواته الأخيرة.