رؤى

غرب ليبيا.. وسيناريوهات مستقبل حكومة الدبيبة

تصاعدت الأزمة السياسية والأمنية في منطقة الغرب الليبي عموما، وفي طرابلس العاصمة بشكل خاص؛ وذلك بعد الوصف الذي قدّمه المجلس الأعلى للدولة (البرلمان الموازي لمجلس النواب الليبي في طبرق)، بأن حكومة الوحدة الوطنية، التي يترأسها عبد الحميد الدبيبة “ساقطة الشرعية” سياسيا وقانونيا، وأخفقت في إجراء الانتخابات، ما عمّق الأزمة السياسية والاقتصادية في البلاد.

جاء ذلك، في إثر التظاهرات والاحتجاجات الشعبية الواسعة، التي شهدتها العاصمة طرابلس، وعبر فيها المواطنون عن رفضهم القاطع لاستمرار حكومة الدبيبة. هذا، بالإضافة إلى تقديم عدد من الوزراء في حكومة الدبيبة، استقالاتهم استجابة لمطالب المتظاهرين.

حكومة الدبيبة

ما شهدته العاصمة الليبية طرابلس مؤخرا من تظاهرات حاشدة، طالبت برحيل حكومة الدبيبة، والاستقالات في صفوف الوزراء، هو تطور يعكس تصاعد الاحتقان الشعبي وازدياد الضغوط السياسية على الحكومة. ومن هنا، تبرز تساؤلات جادة حول مستقبل هذه الحكومة، في ظل التعقيدات الأمنية والسياسية والمؤسساتية التي تعيشها البلاد.

ومن الواضح، أن تصاعد المطالبات برحيل الحكومة، من جانب المتظاهرين، إنما يتواكب مع الاشتباكات التي اندلعت، ليل الاثنين 12 مايو الجاري، بين اللواء 444 وجاز دعم الاستقرار، وأدت إلى تصفية آمر الأخير، عبد الغني الككلي الشهير بـ”غنيوة”، القيادي الأبرز للمجموعات المسلحة التي تتمتع بنفوذ كبير في طرابلس منذ عام 2011.

وبالرغم من توقّف الاشتباكات، في اليوم التالي، إلا أن اشتباكات أخرى قد اندلعت بين قوات اللواء 444، وجهاز الردع التابع للمجلس الرئاسي الذي يترأسه محمد المنفي، بسبب رفض جهاز الردع قرارات حكومة الدبيبة بحل أجهزة مسلحة موالية له.

في هذا الإطار، تصاعدت المطالبات برحيل حكومة الدبيبة من المواطنين الليبيين؛ وفي استجابة لهذه التظاهرات قدّم عدد من الوزراء استقالاتهم من الحكومة، في خطوة اعتبرها البعض تعبيرا عن تضامن مع الشارع، بينما رأى فيها آخرون محاولة لتبرئة النفس من الإخفاقات المتراكمة.

إلا أن هذه الاستقالات، وإن لم تُحدث فراغا مؤسساتيا مباشرا، إلا أنها سلطت الضوء على تصدّع داخلي في بنية الحكومة، وأظهرت ضعف التماسك السياسي في ظل الأزمة المتصاعدة، ما يفتح الباب أمام سيناريوهات متعددة حول مستقبل السلطة التنفيذية في الغرب الليبي.

سيناريوهات مستقبلية

في ظل الأزمة المتصاعدة في غرب ليبيا، تبرز عدة سيناريوهات بشأن مستقبل حكومة الدبيبة.. أهمها السيناريوهات التالية:

1 – الاستمرار المشروط في السلطة:

أحد السيناريوهات المطروحة هو أن تستمر حكومة الدبيبة في أداء مهامها، مع إجراء تعديلات وزارية واسعة لإرضاء الشارع واحتواء الغضب الشعبي. وقد يلجأ الدبيبة إلى تقديم مبادرات إصلاحية، أو الدفع باتجاه إطلاق مسار جديد للانتخابات، لكسب الوقت وتجديد شرعيته السياسية.

بيد أن هذا السيناريو يعتمد على بقاء الدعم الدولي للحكومة، خصوصا من بعض الدول الأوروبية وتركيا؛ كما يتوقف على قدرة الدبيبة على احتواء الضغوط الداخلية، وشراء الولاءات من خلال توزيع المناصب والموارد. إلا أن هذا المسار محفوف بالمخاطر، نظرا لتآكل ثقة المواطنين وضعف الأداء الحكومي، واستمرار الانقسام مع المؤسسات التشريعية في الشرق الليبي.

2 – تشكيل حكومة تصريف أعمال:

في حال اشتدت الضغوط الشعبية، أو حصل توافق إقليمي ودولي على ضرورة التغيير، قد تُجبر حكومة الدبيبة على الاستقالة، وتشكّل حكومة تصريف أعمال جديدة تمهد لانتخابات. هذا الخيار يتطلب توافقا صعبا بين مجلس النواب في طبرق والمجلس الأعلى للدولة في طرابلس، وهو توافق ثبت صعوبة تحقيقه في السنوات الأخيرة. كما أن الأطراف المسلحة التي تدعم الدبيبة قد لا تتقبل هذا السيناريو بسهولة، ما يهدد بعودة المواجهات العسكرية.

ومع ذلك، فإن تنامي الحراك الشعبي قد يجعل من هذا الخيار ضرورة ملحة لتفادي الانفجار الداخلي، خاصةً إذا فُقد الغطاء الدولي تدريجيا عن حكومة الدبيبة؛ والأهم، في ظل توصيف المجلس الأعلى للدولة بأن حكومة الدبيبة “ساقطة الشرعية”.

3 – تصعيد حكومة أسامة حماد: مع استمرار الاستنزاف السياسي لحكومة الدبيبة، قد يُعاد طرح سيناريو تمكين الحكومة الموازية برئاسة أسامة حماد، أو ترشيح شخصية توافقية جديدة، خاصة إذا تمكنت من نيل دعم مجلس النواب وبعض القوى العسكرية في غرب ليبيا. غير أن هذا السيناريو يواجه عقبات كبيرة، منها غياب السيطرة العسكرية لحكومة حماد في طرابلس، وعدم الاعتراف الأممي بها، فضلا عن هشاشة التحالفات التي دعمت تعيينه.

ومع ذلك، فإن فشل الدبيبة في ترميم شرعيته، قد يفتح الباب مجددا أمام محاولات الدفع بحكومة بديلة، سواء عبر التوافق السياسي أو الحسم الميداني، وهو أمر لا يخلو من خطر التصعيد العسكري.

4 – طرح مسار انتقالي جديد:

في ظل الانسداد السياسي وتآكل شرعية الحكومتين المتنافستين، قد تسعى الأمم المتحدة إلى إطلاق مسار انتقالي جديد، يشمل تشكيل مجلس رئاسي معدل أو حكومة مصغّرة مستقلة، مع جدول زمني صارم للانتخابات. هذا السيناريو يعتمد على إعادة تنشيط دور البعثة الأممية، وتفعيل الضغط الدولي على الأطراف الليبية، كما يتطلب ضمانات أمنية لإجراء الانتخابات وحياد المؤسسة العسكرية، وهي عناصر لم تتوفر حتى الآن بشكل واضح.

لكنه يبقى احتمالا واردا في حال تعذر بقاء الوضع القائم، وخصوصا إذا سعت القوى الدولية إلى فرض تسوية جديدة تمنع الانهيار الكامل للدولة الليبية.

في هذا الإطار.. فإن الاشتباكات الأخيرة لم تكن مجرد فصل جديد في الصراع الليبي، بل كانت اختبارا لحقيقة ما تبقى من مؤسسات الدولة. إذ إن مقتل “غنيوة” فجّر احتقانا كان يتراكم منذ شهور، وربما سنوات؛ بل، إن الوقائع أظهرت أن كل عناصر الانفجار ما زالت قائمة، إن لم تكن مرشحة للتفاقم. وبالتالي، فإن الحل لن يكون في الصفقات الهشة أو الهدن المؤقتة، بل في تغيير جذري في البنية السياسية والأمنية، يعيد للدولة سيادتها، ويمنح الليبيين أملا حقيقيا في السلام والمواطنة.

أيضا، فإن مستقبل حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا، بقيادة عبد الحميد الدبيبة، بات في مهب الريح، خاصة بعد موجة الاستقالات الأخيرة والغضب الشعبي المتصاعد. وبين سيناريو الاستمرار المشروط، أو الاستقالة، أو الدفع بحكومة بديلة، أو إطلاق مسار أممي جديد، تبقى الاحتمالات مفتوحة على كل الاتجاهات. وتظل المشكلة الليبية في أن ما يحدد مآلات المرحلة المقبلة، ليس فقط مواقف النخب السياسية، بل أيضا توازنات القوة على الأرض، في إطار تواجد هذا الكم من الميليشيات المسلحة.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock