رؤى

حادث واشنطن.. وتصريحات يائير جولان!

عقب إطلاق قوات الاحتلال النار (طلقات تحذيرية) على وفد دبلوماسي عربي ودولي – ضمّ السفير المصري لدى سلطة رام الله- في مدينة جنين في الضفة الغربية المحتلة- أطلق مواطن أمريكي من أصول لاتينية يُدعى إلياس رودريجيرز- النار، على موظّفَيْن يحملان جنسية العدو الصهيوني، ويعملان بسفارته بالعاصمة الأمريكية؛ ليلقيا حتفهما على الفور؛ وذلك داخل المتحف اليهودي بواشنطن.. لم يحاول رودريجيرز الفرار، وبقي واقفا قرب بوابة المتحف، إلى أن وصلت قوات الشرطة. في تلك الأثناء هتف منفذ العملية : “الحرية لفلسطين” و”من أجل غزّة”.

يعدُّ الحادث تطورا خطيرا ومُهمّا وجوهريا، ضمن تداعيات الحرب التي يشنها العدو على قطاع غزّة، عقب هجوم السابع من أكتوبر2023، لعدة أسباب منها: أنه يمثل تأكيدا واضحا لما ذهب إليه يائير جولان، نائب رئيس أركان جيش الاحتلال السابق، وزعيم تحالف الديمقراطيين حاليا، من أن الدولة العبرية “تسير نحو العزلة والانهيار الاقتصادي والاجتماعي، حيث إنها باتت تفقد قدرتها على توفير الأمان لمواطنيها، في وقت تتقدم فيه المنطقة إلى الأمام، بينما تبقى “إسرائيل” عالقة وتتحمل وحدها التبعات”.

جاءت هذه التصريحات لجولان ضمن تصريحات أخرى، أثارت غضب ناتانياهو ووزراء حكومته، حيث أعلن جولان “أن الدولة العاقلة لا تشن حربا على المدنيين الفلسطينيين، ولا تقتل الأطفال كهواية، ولا تنتهج سياسة تهجير السكان”. وأضاف أن الحكومة “الإسرائيلية” تهدر الميزانية على الوظائف السياسية، ودعم المستوطنات وإرضاء الأحزاب المتشددة، ما يهدد بجعل إسرائيل مكانا أكثر صعوبة للعيش فيه.. وأضاف أن حكومة ناتانياهو عاجزة ومليئة بأشخاص تتملكهم مشاعر الانتقام ولا أخلاق لديهم، وشدد على أن هذه الحكومة، تشكّل خطرا على وجود إسرائيل.

تصريحات جولان فتحت الباب واسعا أمام الكثيرين؛ لانتقاد توجُّه الحكومة الرامي إلى انتهاج الإبادة الجماعية في الحرب على القطاع، حيث اعتبر وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق موشيه يعالون، يائير جولان مخطئا في تصريحاته؛ إذ أن الحقيقة أفدح بكثير، مما ذهب إليه زعيم الديمقراطيين.. إذ يرى يعالون أن “قتل المدنيين الفلسطينيين، ليست هواية بالتأكيد، بل أيديولوجية مسيانية (مفهوم يرى فيه اليهود تفوقهم الروحي والسياسي على الشعوب الأخرى) وقومية وفاشية”. واعتبر يعالون “هذه الأيدولوجية -التي تتبعها حكومة نتنياهو- مدعومة بأحكام حاخامية تقول إنه لا يوجد أبرياء في غزة”. وتابع يعالون “هذه ليست هواية، بل سياسة حكومية، هدفها النهائي هو الاحتفاظ بالسلطة، ستقود تل أبيب إلى الهلاك، ويجب استبدالها”. كما وصف الحكومة بأنها حكومة “المتطرفين والمتهربين والفاسدين”. من جانبه صرّح رئيس الوزراء الأسبق أيهود أولمرت، أن “إسرائيل” تقترب -بشكل غير مسبوق- من حرب أهلية.

غزة

السبب الثاني لأهمية حادث واشنطن يتعلق بمنفذ العملية إلياس رودريجيرز وهو شاب في أوائل الثلاثينات، خريج جامعة إلينوي (إحدى جامعات النخبة الأمريكية) والحاصل على بكالوريوس اللغة الإنجليزية، والباحث في التراث اللامادي، وهو أحد من يعدّون مخططات بحثية لقادة بارزين،.. وتؤكد المعلومات السابقة أن تغيرا كبيرا طال عقلية النخبة المثقفة الأمريكية، عقب السابع من أكتوبر، وأن الفعاليات الطلابية الداعمة للحق الفلسطيني في معظم الجامعات الأمريكية- هي أمر له ما بعده؛ وذلك لأن التمادي الصهيوني في قتل الفلسطينيين أصبح يشكّل عبئا ثقيلا على أصحاب الضمائر الحية في العالم، وخاصة في الأوساط الطلابية والأكاديمية.

هناك دلالة خطيرة لحادث واشنطن لا ينبغي إغفالها وهي أن الطرق السلمية للمطالبة بوقف العدوان الصهيوني، لم تعد مجدية – في نظر البعض- أمام حالة الصلف التي تصدر عن حكومة العدو، وبالتالي يصبح أي صهيوني في أي مكان في العالم هدفا مباحا، لمناصري الحق الفلسطيني – في وجهة نظرهم- مع استمرار آلة القتل الصهيونية، في إجرامها الذي أسفر إلى الآن، عن استشهاد نحو ستين ألف فلسطيني، وأكثر من أحد عشر ألف مفقود.

تجدر الإشارة إلى أن العلاقات الأمريكية “الإسرائيلية” تشهد فتورا شديدا هذه الأيام، ويرى عديد من الساسة الصهاينة أن ناتانياهو تحوّل إلى “مجرد لاعب هامشي فاشل”، وأنه فضّل التحالف مع بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير.. بدلا من “الجلوس على طاولة الرئيس الأميركي الاستراتيجية” ما يهدد الكيان المؤقت بخسارة المساعدات الأميركية السنوية البالغة 3.8 مليارات دولار، حسب تصريح آخر لجولان.

الأثمان الباهظة التي تحدّث عنها ناتانياهو، باعتبارها من المتوجب دفعها لبقاء الكيان- يبدو أنها ستكون أفدح بكثير مما تخيّل.. أفدح على نحوٍ يمثل تهديدا حقيقيا لوجود الدولة العبرية، التي دخلت مرحلة تداعٍ متسارع، بصورة لا يمكن إنكارها.

ماهر الشيال

باحث وكاتب ومحرر مصري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock