رؤى

سيناريو التصنيف الأمريكي للبوليساريو “تنظيما إرهابيا”

خلال الفترة الأخيرة، لوّحت الولايات المتحدة الأمريكية بتصنيف جبهة البوليساريو تنظيما إرهابيا، ما لم تنخرط بشكل جدي في جهود وضع حدّ للنزاع القائم في الصحراء الغربية، ضمن مُقاربة الرباط التي تنص على “حكم ذاتي تحت السيادة المغربية” حلا وحيدا للنزاع؛ وهو المقترح الذي يكتسب زخما واضحا يوما بعد آخر، مع تنامي الاعترافات الدولية -الغربية خاصة- بمغربية الصحراء.

ضمن مؤشرات هذا التلويح الأمريكي، يأتي إعلان النائب الجمهوري جو ويلسون، في تغريدة له على حسابه الشخصي بمنصة “إكس”، الخميس 22 مايو الجاري بأن واشنطن تستعد قريبا لإصدار تشريع يصنف جبهة البوليساريو تنظيما إرهابيا، بما يعني أن هذا الملف سوف يُعاد إثارته في الأوساط التشريعية الأمريكية.

يؤكد ذلك، أن هذا النائب نفسه، هو من تعهد في أبريل الماضي، بتقديم تشريع بهذا الخصوص؛ وفي هذه الحال سوف يفرض مشروع القانون الذي اقترحه ويلسون على واشنطن، الاختيار بين: إطالة أمد التساهل، أو الاعتراف بجبهة البوليساريو باعتبارها أحد التهديدات في الجناح الجنوبي لحلف الناتو.

مؤشرات أمريكية

حتى الآن، لم تُدرج وزارة الخارجية الأميركية جبهة البوليساريو، ضمن “قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية”، أو “الكيانات المصنفة بالتهديد الإرهابي”؛ لكن ثمة مؤشرات يمكن قراءتها كمقدمات لاحتمال اتخاذ خطوة من هذا النوع.. منها: التقارير الأمنية، حيث ظهرت تقارير في السنوات الأخيرة، لا سيما بعد استئناف الاشتباكات بين الجبهة والمغرب، في نوفمبر 2020، تتحدث عن قيام الجبهة أو فصائل مرتبطة بها بعمليات مسلحة بالقرب من الجدار الأمني المغربي، وهو ما تعتبره الرباط “أعمالا عدائية”.

من هذه المؤشرات، أيضا: التحركات في الكونغرس الأمريكي؛ فقد روّج بعض النواب، خاصة من الحزب الجمهوري، وفي مقدمتهم جو ويلسون، لفكرة تصنيف الجبهة كتنظيم إرهابي، بناءً على اتهامات بارتباطات محتملة مع جماعات إرهابية تنشط في الساحل الأفريقي، مثل “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” و”داعش الصحراء الكبرى”. أضف إلى ذلك، الضغط الذي تمارسه الجماعات المؤيدة للمغرب، والتي تناهض في الوقت نفسه الجزائر، التي تساند الجبهة؛ إذ يبدو أن هناك حضور قوي للوبيات مغربية في واشنطن، تعمل على تسويق هذا الطرح ضمن استراتيجية تثبيت سيادة المغرب على الصحراء، خصوصا بعد اعتراف إدارة ترامب، في أواخر 2020، بمغربية الصحراء مقابل تطبيع الرباط علاقاتها مع إسرائيل.

دوافع متعددة

قطعا، هناك بعض من الدوافع الأمريكية للقيام بمثل هكذا خطوة.. من أهمها:

من جانب، إعادة رسم النفوذ في شمال أفريقيا والساحل؛ حيث تسعى واشنطن إلى إعادة تنظيم وجودها في المنطقة، في مواجهة تمدد نفوذ روسيا والصين، ومكافحة تصاعد الجماعات المتطرفة. وفي هذا الإطار، فإن دعم المغرب بوصفه حليفا استراتيجيا مستقرا، قد يستدعي اتخاذ إجراءات ضد خصومه الإقليميين أو الفاعلين غير الدوليين الذين يهددون وحدته الترابية.

أضف إلى ذلك، أنه بعد التطبيع المغربي الإسرائيلي، أصبح التنسيق الأمني بين البلدين أحد أهم أوجه التعاون، ما قد يؤدي إلى تأييد ضغوط إسرائيلية غير مباشرة لتقويض الجبهة، التي تعتبرها الرباط مصدر تهديد وجودي، خاصة مع تصاعد التوترات الإقليمية مع إيران، التي تُتهم بدعم البوليساريو عبر وكلاء.

من جانب آخر، الضغط على الجزائر في سياق التنافس الإقليمي؛ فقد يكون طرح تصنيف الجبهة أداة للضغط على الجزائر، الحليف التقليدي لروسيا، في ظل توتر علاقاتها مع الغرب وتراجع التعاون الأمني والعسكري مع واشنطن وباريس. مثل هذا التصنيف قد يفسر كرسالة غير مباشرة للجزائر لخفض دعمها للجبهة أو إعادة تموضعها السياسي.

هذا فضلا عن تأثير الجاليات المغربية واليهودية المؤيدة للمغرب؛ تلك التي تربط بين أمن إسرائيل وموقف المغرب الإقليمي، وتلعب دورا بارزا في التأثير على السياسات الخارجية الأميركية. يُضاف إلى ذلك دعم من بعض أفراد الجالية اليهودية المغربية في الولايات المتحدة، الذين يرون في استقرار المغرب أولوية.

احتمالات مستقبلية

ماذا لو صدر التصنيف باعتبار البوليساريو تنظيما إرهابيا؟

في هذه الحال، فإن صدور التشريع بهذه الصورة، فإن ذلك سيؤدي إلى سلسلة من التداعيات الجيوسياسية والقانونية، يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

من جهة، تعزيز موقع المغرب دبلوماسيا؛ حيث سيُعدّ التصنيف انتصارا كبيرا للمغرب، يعزز اعتراف الغرب تحديدا، بسيادته على الصحراء، ويفتح المجال أمام دول أخرى لاتخاذ مواقف مشابهة، ما قد ينعكس على دينامية الأمم المتحدة ذاتها، وربما يؤدي إلى تعديل طبيعة بعثة “المينورسو” (بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية).

من جهة أخرى، تصعيد الصراع بين الجزائر والمغرب؛ فمن المرجّح أن ترد الجزائر بغضب، ربما من خلال طرد بعثات دبلوماسية، أو وقف التعاون الأمني، أو التوجه أكثر نحو موسكو وبكين، خاصةً إذا رأت في الخطوة تهديدا مباشرا لمصالحها. هذا، بالإضافة إلى المساهمة في عزل الجبهة دوليا؛ إذ ستواجه البوليساريو عزلة دبلوماسية خانقة، حيث ستُمنع من التمويل الخارجي، ويُقيَّد سفر قياداتها، وتُلاحق في المحاكم الدولية إذا ثبت تورطها في “أعمال إرهابية”، ما قد يدفعها إلى تعديل خطابها أو حتى تفكيك بنيتها.

تصعيد النزاع

بدلا من تقريب الحل، قد يؤجج التصنيف – في حال صدوره – النزاع، حيث سترد الجبهة بتصعيد عملياتها المسلحة، وستتصلب مواقفها، مما ينقل النزاع إلى مراحل أكثر دموية، قد تتجاوز الحدود الجغرافية للنزاع الحالي.

إلا أن الأهم، أن سيناريو تصنيف جبهة البوليساريو كمنظمة إرهابية، يبقى من السيناريوهات الممكنة ولكن غير المؤكدة في المدى القريب، نظرا لتشابك الاعتبارات السياسية والقانونية والدبلوماسية. ومع ذلك، فإن مجرد تداول هذا الاحتمال في دوائر القرار الأميركية، يعكس تحوُّلًا في مقاربة النزاع الصحراوي، ضمن سياق إعادة تموضع استراتيجي إقليمي ودولي. سيكون لمثل هذا القرار، في حال صدوره، تداعيات بعيدة المدى على مستقبل النزاع، وعلى التوازنات الجيوسياسية في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل.

بعبارة أخرى، إن مسألة تصنيف جبهة البوليساريو منظمةً إرهابيةً ليس بالقرار السهل، فالمسألة محصلة لاعتبارات جيوسياسية معقدة. فإذا اتخذت الولايات المتحدة هذا القرار، فستكون قد أقدمت على خطوة ستغير موازين القوى في شمال أفريقيا، مع ما يحمله ذلك من مخاطر تصعيد وتفجير للأوضاع.

وبكل الأحوال، يبدو أن الصحراء الغربية ستظل بؤرة توتر إقليمي ودولي في السنوات المقبلة، والولايات المتحدة ستلعب دورًا محوريًا في تحديد اتجاهات هذا النزاع الطويل.

 

 

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock