قبل عام اعترفت إسبانيا والنرويج وإيرلندة الحرة، بالدولة الفلسطينية، وكانت السويد قد سبقت الدول الثلاث بعشر سنوات.. لتكون أول دول الاتحاد الأوروبي اعترافا بالدولة الفلسطينية، بينما اعترفت جمهورية التشيك والمجر وبولندا وبلغاريا ورومانيا وقبرص بالدولة الفلسطينية، قبل انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي.
الموقف الرسمي في كثير من الدول الأوروبية، تصاعد ضد العدوان على غزّة -في الآونة الأخيرة- على نحو غير مسبوق.. حتى أن بريطانيا علّقت -مؤخرا- مفاوضاتها بشأن التجارة الحرّة مع إسرائيل، وفرضت عقوبات على أفراد وكيانات تشجّع الاستيطان في الضفة الغربية، مهدّدة -بشكل صريح- بفرض عقوبات جديدة، خلال الأيام والأسابيع القادمة؛ إن لم تستجب “إسرائيل” لدعواتها بإدخال المساعدات فورا. بريطانيا شهدت السبت قبل الماضي -في قلب لندن- مسيرة شارك فيها نحو نصف مليون شخص، طالبوا الحكومة باتخاذ موقف جاد لوقف الإبادة الجماعية في غزّة.
التحرك البريطاني لم يكن أحاديا.. فقد جاء بعد بيان مشترك ضم معها فرنسا وكندا، تضمّن التلويح “باتخاذ إجراءات إذا لم توقف “إسرائيل” هجومها على غزة، وترفع القيود على المساعدات” وشدد البيان على أن المشاركين “لن يقفوا مكتوفي الأيدي، بينما تواصل حكومة نتنياهو أفعالها الفاضحة”.
وقال رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو؛ على هامش الاجتماع الثلاثي، أن حركة الاعتراف بدولة فلسطين لن تتوقف. ناتاشا بيرك موزار رئيسة سلوفينيا، قالت في كلمة لها أمام البرلمان الأوروبي، الأربعاء الماضي “إن ما يجري في قطاع غزة الفلسطيني، الذي يتعرض لهجمات “إسرائيلية” مكثفة، هو إبادة جماعية، وأن العالم يلتزم الصمت حيال ذلك”. ودعت موزار إلى وقف فوري للهجمات في إطار القانون الدولي وقانون حقوق الإنسان، وإلى تحرك أقوى من الاتحاد الأوروبي تجاه الأزمة في الشرق الأوسط. في إيطاليا أطلقت بلديات ومؤسسات مدنية حملة للتعبير عن التضامن مع قطاع غزة، تحت عنوان “50 ألف كفن من أجل غزة”. طالبت الحملة المواطنين، تعليق أغطية بيضاء في شرفات المنازل، في إشارة إلى ضحايا الحرب الإجرامية التي يشنها الكيان على القطاع منذ أكثر من 19 شهرا.
من المعروف أن الاتحاد الأوروبي أكبر وأهم شريك لـ”إسرائيل” وفقا لاتفاقية الشراكة الموقعة بينهما، منذ العام 1995، والتي دخلت حيّز التنفيذ في الأول من يونيو 2000.
بالنظر إلى الموقف الأوروبي الحالي إجمالا- نجد تحولا يبدو كبيرا تجاه الدولة العبرية؛ لكنه ما زال في إطار التنديد والتهديد، دون تحرك حقيقي أو إجراء فعلي.. من المؤكد أن الضغط الشعبي يمثل سببا جوهريا في هذا التحوّل؛ إلا أن هناك أسباب أخرى، ربما تكون أكثر أهمية، منها الموقف الأمريكي الأخير من الحرب على غزّة، والتي دعت إلى وقفها دون النظر إلى مبررات الكيان في الاستمرار في العدوان، بعد تجاهل “إسرائيل” والتفاوض بشكل مباشر مع حماس للإفراج عن الجندي مزدوج الجنسية.
تصرفت الولايات المتحدة أيضا بشكل منفرد في ملف الحوثيين (جماعة أنصار الله اليمنية) وجرى الانسحاب من الهجوم على اليمن، وتجميد التصعيد العسكري.. وكذلك الشأن فيما يخص معالجة الملف النووي الإيراني عبر المفاوضات.. ما يؤكد أن التحرك الأوروبي كان ومازال في إطار القبول الأمريكي أو الموافقة الضمنية، ولا يعبر عن موقف أصيل أو أخلاقي.
ويعتبر الفشل الذريع الذي غرق فيه جيش الاحتلال في القطاع- أحد أهم أسباب الموقف الأوروبي؛ فعلى مدى تسعة عشر شهرا، فشل الكيان في تحقيق أي هدف من أهدافه المعلنة للحرب، ودخل في مرحلة من العبث والجنون؛ ما كان من شأنه تراجع الحلفاء عن الدعم المباشر، وأخذ موقف آخر؛ حتى لا يكونوا شركاء في الخسارة والجريمة النكراء.
لذلك لا يجب أن يُنظر إلى الموقف الأوروبي الراهن، إلا في ذلك الإطار المتماهي مع الموقف الأمريكي الحالي، والتراجع تكتيكيا عن الدعم والمساندة للكيان المؤقت؛ بعد دخوله نفقا مظلما، دفع بأحد مسئولي خارجيته للتصريح قبل أيام في يديعوت أحرونوت قائلا “نحن أمام أسوأ وضع مررنا به على الإطلاق، والعالم ليس معنا.. نحن أمام تسونامي حقيقي سيزداد سوءا”.
لذلك فهو موقف لا يعوّل عليه.. ومن الممكن أن ينقلب في أي لحظة، وفق التوجيه الأمريكي إذا نجح اللوبي الصهيوني في الضغط على ترامب بمواصلة الدعم غير المحدود للدولة العبرية.