رؤى

هل يمثل “التعهيد” طوق النجاة.. للاقتصاد المصري في العام الجديد؟

التعهيد (Outsourcing) “هو استخدام واستئجار كفاءات وقوى وأفراد ووسائل وخدمات من مؤسسات أو شركات أو جهات ثالثة (أجنبية أو محلية)، وهو طريقة جديدة لتقسيم العمل وتوفير المال والطاقة والوقت في مختلف قطاعات الحياة الاقتصادية وغير الاقتصادية وذلك بإعطاء الجهة الثالثة المستعان بها الثقة ومهام ووظائف ومسئوليات وصلاحيات وهيكليات”.

ويُعرف أيضا بأنه الاستعانة بمصادر خارجية أو التعاقد الخارجي (Contracting out)، وهي ممارسة تستخدمها العديد من الشركات لتقليل التكاليف عن طريق نقل أجزاء من العمل إلى مورّدين خارجيين بدلا من إكمالها داخليا.

وقد ترتبط تلك الأجزاء التي يعهد بها لطرف خارجي بأنشطة أساسية في الشركة كالتصنيع، أو بأنشطة غير أساسية مثل معالجة البيانات والتسويق وخدمة العملاء وغيرها. يُطلق على الشركة الثانية أو الطرف الخارجي اسم مزود الخدمة (Service provider) أو الطرف الثالث المزود للخدمة (Third-party provider).

ويمكن للشركات اليوم الاستعانة بالتعهيد الخارجي لتنفيذ العديد من المهام أو الخدمات، بما فيها خدمات تكنولوجيا المعلومات التي تشمل البرمجة وتطوير التطبيقات والدعم الفني.

وبحسب هارفارد بيزنس ريفيو، فالتعهيد (Outsourcing) ويسمى أيضا التعاقد الخارجي، هو أي اتفاق بين طرفين يقوم بموجبه الطرف الثاني بأي أنشطة (تصنيع منتجات – تقديم خدمات) للطرف الأول يمكن أن يقوم بها بنفسه. ولقد أصبح التعهيد رسميا من الاستراتيجيات التي تلجأ إليها الشركات منذ العام 1969، عندما بدأت دور النشر بشراء خدمات التنفيذ والطباعة من الجهات الخارجية.

من أهم المميزات التي توفرها صناعة التعهيد للشركات؛ خفض التكاليف وتحسين الجودة والكفاءة، وتوفير الوقت؛ فعندما يُعهد بمهمة أو وظيفة معينة إلى طرف خارجي؛ يكون ذلك الطرف مُتخصصا في هذا المجال؛ ما يضمن تنفيذ المهمة بأقل تكلفة وبكفاءة عالية وبأقل وقت ممكن؛ ولن تضطر الشركة لشراء معدات وآلات خاصة، أو تعيين موظفين بخبرات مُتميزة لأداء تلك الوظيفة.

لكن الأمر لا يخلو من المخاطرة إذ يمكن للطرف الخارجي تسريب المعلومات السرية أو إساءة استخدامها.

وتحتضن مصر اليوم أكثر من 150 مركزا لتصدير خدمات التعهيد من بينها مراكز عالمية.. وقد نجحت مصر في تحقيق طفرة غير مسبوقة في تقديم خدمات التعهيد؛ لأسباب عدة من بينها القدرات اللغوية المتميزة للمحترفين العاملين في قطاع تكنولوجيا المعلومات، وارتفاع نسبة الشريحة العمرية القادرة على العمل، والاستثمارات الضخمة التي نجحت في اجتذابها لقطاع تكنولوجيا المعلومات.

تحتل مصر المرتبة الأولى على مستوى أفريقيا في هذه الصناعة الهامة والمرتبة الثانية عربيا بينما تأتي في المركز الثالث والعشرين عالميا، وفق مؤشر “مواقع الخدمات العالمية” الصادر عن مؤسسة “كيرني” الاستشارية العالمية لعام 2023، وتأتي بين قائمة أفضل 5 دول تقدم خدمات التعهيد بحسب تصنيف شركة “رايَن” للاستشارات الاستراتيجية، والتي أكدت في تقرير حديث لها أن مصر قادرة على تعزيز مكانتها بوصفها منافسا عالميا في خدمات تعهيد الأعمال (BPO)، مع خبرتها التي تمتد لأكثر من 20 عاما في هذه الصناعة.

كانت صحية “فايننشال تايمز” قد ذكرت في تقرير سابق لها أن صناعة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في مصر قد شهدت تطورا حقيقيا في هذا المجال؛ وأن الحكومة سعت إلى استقطاب الشركات العالمية للاستثمار والاستفادة من المميزات التنافسية لمصر كدولة واعدة في تقديم خدمات التعهيد.

صناعة التعهيد في مصر بدأت قبل نحوٍ من عقدين، وقد عززت الحكومة جهودها في مجال التعهيد من خلال وزارة الاتصالات، ممثلة في هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات “إيتيدا” التي تتولى حصر الاحتياجات، وإعداد وتدريب الكوادر، والترويج دوليا للإمكانات المصرية في هذا المجال.

وقد وقّعت الهيئة اتفاقيات مع 29 شركة عالمية لزيادة استثماراتها في صناعة التعهيد أو لفتح مقرات لها بالسوق المصرية، وفقا لبيان لمجلس الوزراء.

كانت مصر قد أطلقت استراتيجيتها الرقمية لصناعة التعهيد 2022- 2026، بهدف مضاعفة حجم الصادرات المصرية من منتجات وخدمات تكنولوجيا المعلومات العابرة للحدود، حيث تعمل هذه الاستراتيجية على تقديم حزمة حوافز جديدة لجذب الاستثمارات، بالإضافة إلى التوسع في ما هو قائم منها بالفعل، فضلا عن تمكين الشركات المحلية وتشجيع إنشاء أعمال جديدة، وتعزيز تنافسية مصر في مجالات البحث والتطوير وخدمات القيمة المضافة، على النحو الذي يسهم في تسريع نمو اقتصاد المعرفة.

وقد زاد حجم الصادرات الرقمية في مصر من 3.2 مليار دولار عام 2017، إلى 4.9 مليار في 2022، ويتوقع مسئولون أن تصل عائدات التعهيد إلى 9 مليارات دولار بحلول عام 2026، كما ستوفر هذه الصناعة فرص عمل كثيفة للشباب المصري في مختلف مجالات تكنولوجيا المعلومات؛ خاصة بعد أن أصبحت مصر مركز جذب لمصنعي الإلكترونيات في العالم مثل شركة سامسونج التي أعلنت مؤخرا عن إنشاء مصنع جديد للهاتف المحمول في مصر.. كما يتوقع أن يصل عدد الشباب المصري العامل في هذا المجال والذي يتمتع بدرجة عالية من الكفاءة إلى نحوٍ من 550 ألف شاب بحلول عام 2026، من مختلف التخصصات.

ويعتبر التعهيد من أهم الصناعات التصديرية الخدمية لمصر.. فهو لا يحتاج إلى مدخلات صناعة بل يقوم فقط على الكفاءات.

وتشير التقديرات إلى أن حجم السوق العالمية في مجال التعهيد بلغت نحوا من 540 مليار ودولار.. بنسبة نمو سنوي 9 % حتى عام 2026.. فهل يكون التعهيد بمثابة طوق نجاة للاقتصاد المصري في العام الجديد؟ وهل سيكون عاملا مؤثرا في سد الفجوة الدولارية التي وصلت لنحوٍ من 30 مليار دولار حتى 2028؟ هذا ما سنحاول ترقب مؤشراته خلال الأشهر القادمة؛ علَّ الأزمة الاقتصادية المتفاقمة تكون قد أذنت بالانقضاء مع بداية الولاية الثالثة للرئيس السيسي.

ماهر الشيال

باحث وكاتب ومحرر مصري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock