كانت آخر العمليات الإرهابية التي نفذها تنظيم داعش واستهدفت مسيحيين في مصر، تلك العملية التي وقعت في الثاني من شهر نوفمبر الماضي وقتل خلالها سبعة أشخاص وجرح سبعة آخرون، في هجوم على حافلة كانت تقلهم قرب دير الأنبا صموئيل في محافظة المنيا جنوبي مصر. وقد اعلن “داعش” في بيان مقتضب مسؤوليته عن هذا الهجوم الإرهابي، الذي يعد الثاني من نوعه خلال أقل من عام في نفس المكان.، حيث كان قد قتل 29 شخصا في هجوم استهدف حافلتين وشاحنة كانت تقل مسيحيين إلى الدير ذاته، وأعلن تنظيم داعش آنذاك مسؤوليته أيضا عن الهجوم. استمرار هجمات داعش الإرهابية ضد المواطنين المسيحيين وكنائسهم يطرح اسئلة عديدة عن الدوافع وراء هذا الاستهداف المتكرر لمسيحيي مصر من قبل التنظيم؟
شرعنة العنف
“أصوات أونلاين” حصلت على كتيبات داعشية توضح السبب الرئيسي وراء استمرار فلول هذا التنظيم الإرهابي في تنفيذ عمليات إرهابية ضد المسيحيين في مصر، ومن ضمن تلك الكتيبات ما يعرف باسم “الصارم البتار على نصارى مصر ودعاة النار“ الصادر عام 2016 لأحد قادة تنظيم داعش ويدعى أبو مارية الأسيف.
شرعن هذ الكتيب الداعشي استهداف مسيحيي مصر بالعمليات الإرهابية وذلك بعد أن اتهمهم بمساندة الرئيس عبد الفتاح السيسي في حربه على جماعة الإخوان الإرهابية وغيرها من الجماعات المسلحة، ومشاركتهم بقوة في بناء الدولة المصرية ما بعد ثورة 30 يونيو.
وبسبب هذا الموقف السياسي الداعم من المسيحيين لمصر ونظامها الحاكم، أعلن القيادي الداعشي إلغاء مواثيق وعهود الأمان التي عقدت مع الأقباط في مصر منذ دخول الإسلام اليها، والتي عرفت باسم “العهود العمرية”، وزعم أن سبب هذا الإلغاء هو حرب المسيحيين ضد الإسلام لمجرد حربهم على الإرهاب مع الدولة، هذا بجانب مجاهرتهم بدينهم، مطالبا عناصر التنظيم الإرهابي بإعلان الحرب على مسيحيي مصر حتى يدفعوا الجزية للتنظيم الإرهابي.
واستدل القيادي الداعشي على موقفه بقول ابن تيمية عن المسيحيين: “أمرنا بقتالهم إلى أن يعطوا الجزية وهم صاغرون ولا يجوز الإمساك عن قتالهم إلا إذا كانوا صاغرين حال إعطاءهم الجزية”، وقول الطبري: “قاتلوا أيها المؤمنون القوم الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر، ولا يصدقون بجنة ولا نار، يعني أنهم لا يطيعون طاعة أهل الإسلام مثل الذين أوتوا الكتاب وهم اليهود والنصارى حتى يعطوا الجزية وهم صاغرون”.
لم يكن هذا الكتيب الداعشي هو المحرض الوحيد على المسيحيين في مصر والعالم العربي ،فهناك كتيب آخر صدر عن التنظيم عام 2017 بعنوان “التبيان في حكم من تعاطف مع عبدة الصلبان“ لسيدة داعشية ذات اسم وهمي وهو “أخت لمن بايع دولة الإسلام”، قالت فيه عن المسيحيين: “من أحب المشركين قد خاطر بتوحيده وعقيدته وولج في الردة من حيث لا يعلم، وضيع ثوابت الدين”.
وقد استدلت هذه السيدة فيما جاء الكتيب بأقوال لابن سحمان أحد ائمة الدعوة النجدية، والشيخ حمد بن عتيق اللذين حرما أي مودة للمسيحيين حيث قال ابن سحمان: “إن الإنسان لا يستقيم له إسلام ولو وحد الله وترك الشرك إلا بعداوة المشركين والتصريح لهم بالعداوة والبغضاء”، فيما قال بن عتيق: “ومن أحل الركون إلى الكافرين ومودة المشركين فهو أعظم كفرا ممن أحل الزنا بأضعاف مضاعفة”. كما استدلت بقول اثنين من أبناء محمد بن عبد الوهاب هما حسين وعبد الله اللذين قالا: “من قال لا أعادي المشركين أو عاداهم ولم يكفرهم فهذا لا يكون مسلما”.
عمليات ضد مسيحيي مصر
ووفقا لهذا الفكر الإرهابي، نفذ تنظيم داعش الإرهابي عددا من العمليات بحق المسيحيين المصرييين بدأها في ليبيا في 15 فبراير 2015 عندما قام بذبح 21 مصري في مشهد مروع. وفي 11 ديسمبر 2016، هاجم انتحاري داعشي الكاتدرائية المرقسية بالعباسية بعبوة ناسفة، ما أسفر عن مقتل 29 شخص وإصابة 31 آخرين.
ويعتبر عام 2017 هو عام استهداف الأقباط من قبل عناصر تنظيم داعش، ففي فبراير 2017 قام التنظيم بتنفيذ عدة اغتيالات بحق المسيحيين في سيناء مما أدى إلى نزوح عدد كبير منهم واستقرارهم في الإسماعيلية، وفي 9 إبريل 2017 نفذ التنظيم الإرهابي هجومين على كنيستين إحداهما كنيسة مارجرجس بطنطا، والثانية الكنيسة المرقسية في قسم العطارين بالإسكندرية، وقد أسفرت العمليتان عن مقتل 44 شخصا وإصابة 126 آخرين. في مايو 2017 استهدف تنظيم، كما تمت الإشارة سابقا، حافلة تقل مسيحيين بمحافظة المنيا جنوبي مصر، مما أسفر عن مقتل 29 شخصا وإصابة آخرين. وكانت آخر العمليات الإرهابية ضد الاقباط في 2017 يوم 30 ديسمبر عندما هاجم أحد عناصر التنظيم كنيسة مارمينا في حلوان جنوبي القاهرة مما أسفر عن مقتل 9 أشخاص بينهم شرطي.
وقد شهد عام 2018 انحسارا شبه كامل لعمليات التنظيم الارهابية ضد المسيحيين، نتيجة نجاح الأجهزة الأمنية في افشال مخططاته والضربات الامنية الاستباقية لعناصره، كما حدث عندما افشل الأمن المصري محاولة تفجير كنيسة العذراء بمسطرد في شهر أغسطس الماضي، وقتل العنصر الداعشي، وأحد العمال في حين أصيب أمين شرطة. لكن التنظيم نجح في شهر نوفمبر، كما اشرنا آنفا، في تنفيذ عمليته الوحيدة هذا العام ضد حافلة تقل مسيحيين بالمنيا.
خلية استهداف الأقباط
كان على رأس المتهمين بالعمليات الإرهابية المسلحة ضد المسيحيين الداعشي عمرو سعد عباس الذي تردد أنه المسؤول عن هجوم المنيا في مايو 2017، كما كان مسئولا بشكل رسمي عن عمليتي استهداف كنيستي طنطا والإسكندرية في إبريل من نفس العام، مما جعله على رأس المطلوبين لدى الأمن المصري لقيادته ما عرف في الإعلام باسم “خلية استهداف الأقباط”.
الإرهابي عمرو سعد عباس
عمرو سعد عباس إبراهيم، من مواليد عام 1985 بمحافظة قنا، وهو أحد العناصر السابقة في جماعة الإخوان الإرهابية وذراعها السياسي حزب الحرية والعدالة المنحل، وشارك في تظاهرات الجماعة بعد ثورة 30 يونيو، وقاد التحريض ضد الدولة.
وقد تولى سعد التخطيط لتنفيذ عمليات إرهابية ضد المسيحيين من خلال تجنيده لخلايا دربها لهذا الغرض، ووفقا لمعلومات أمنية فإن عدد أعضاء تلك الخلايا وصل إلى ما يقرب من 19 شخصا، 15 منهم من قنا، وقد حصلوا على التدريبات المتعلقة بتنفيذ الأعمال الإرهابية المسلحة في جبال الصعيد، وكانوا قد أعلنوا فيما بينهم ما عرف باسم “ولاية الصعيد” التابعة لتنظيم داعش الإرهابي.
لم يتم القبض على عمرو سعد حتى الآن وسط أنباء تؤكد نجاح الأمن المصري في تفكيك خليته بالكامل دون القبض عليه هو شخصيا، وسط أنباء عن فراره إلى ليبيا على غرار هشام عشماوي قائد تنظيم المرابطين الذي تم القبض عليه في ليبيا مؤخرا.